دائمًا ما نرى الجامعات تتسابق للوصول إلى مراكز متقدمة فى التصنيفات المختلفة، وتتسابق الدول فى الإشارة إلى جامعاتها التى تحتل مراكز متقدمة فى تلك التصنيفات، ويفتخر الطلاب بالجامعة التى تخرجوا فيها ذات المركز المتقدم. فهل تصنيف الجامعات فعلًا بهذه الأهمية؟ الإجابة عن هذا السؤال ليست بسيطة وتحتاج التفكير فى عدة عوامل قبل أن نصل لرأى، هذا موضوع مقالنا اليوم.
• • •
هناك العديد من التصنيفات، وكل واحدة تعتمد على عدة عوامل ووسائل حسابية مختلفة، لكن الأغلب يحتوى على العوامل الآتية (أو بعض منها)، وإذا تفكرنا فى كل واحدة سنرى أن تلك العوامل يمكن التلاعب بها أو يمكن أن تعطى صورة مختلفة عن الحقيقة:
• السمعة العلمية للجامعة: وهى تعتمد على إرسال استطلاع رأى أو استبيان لعدد كبير من الأكاديميين ورؤساء الجامعات حول العالم لمعرفة رأيهم فى الجامعات. طبعًا هذا يعتمد على آراء شخصية ويمكن التأثير فيها.
• السمعة العلمية من الشركات: وهو استبيان يتم إرساله لأهل الصناعة وسؤالهم عن الجامعات التى تخرج فيها أفضل العاملين عندهم. هذا العامل منطقى طبعًا وإن كان يمكن التلاعب به عن طريق شبكة العلاقات بين الجامعات والشركات، لكن فى العموم إذا وجدت شركة مثل جوجل أن أفضل عامليها درسوا فى جامعة معينة، فلابد أن هذه الجامعة جيدة.
• نسبة الطلاب للأساتذة: كلما كانت النسبة أقل فهذا معناه أن الأستاذ يتعامل مع عدد قليل من الطلاب وبالتالى العملية التعليمية تكون أفضل. هذا أيضًا منطقى. لكن العدد قد يكون قليلاً والأستاذ ليس جيدًا، وقد تكون الجامعة صغيرة وبالتالى تكون النسبة جيدة لكنها لا تعطى فكرة كاملة عن العملية التعليمية.
• عدد الاستشهادات لأبحاث الأساتذة: الفكرة من هذا العامل أنه كلما زاد الاستشهاد ببحث معين فإن ذلك يدل على أهمية البحث وبالتالى على قوة الباحث، ووجود باحث قوى فى جامعة يجعل الجامعة متميزة. لكننا تكلمنا فى مقال سابق عن الحيل الكثيرة فى موضوع الاستشهاد مثل عندما تتفق مجموعة من الباحثين على الاستشهاد ببعضهم البعض… إلخ.
• نسبة الطلاب الأجانب للطلاب المحليين: وجود طلاب أجانب معناه أن الجامعة متميزة وتجتذب طلابا من أنحاء العالم، أو هكذا كان الهدف الأساسى. لكن بسبب «عقدة الخواجة» فى العديد من الدول النامية فقد يذهب بعض أبنائها للدراسة فى الخارج فى جامعات ضعيفة فقط ليقال إنهم «متعلمين بره»، وقد تكلمنا عن عقدة الخواجة فى مقال منفصل منذ عدة سنوات.
• نسبة الأساتذة الأجانب للأساتذة المحليين: وجود أساتذة من عدة بلدان يثرى البيئة العلمية فى الجامعة ويدل أيضًا أن الجامعة تجتذب العقول المتميزة. لكن قد تجتذب بعض الجامعات العقول المتميزة بالمال وليس لأنها بيئة علمية ثرية. لذا يجب أن نكون حريصين ونحن نتأمل هذا العامل.
• نسبة الطلاب الحاصلين على الدكتوراه كل سنة بالنسبة لعدد الأساتذة: وهذا عامل غير دقيق من وجهة نظرى لأن هناك الكثير من الأساتذة للأسف يخرجون الكثير من طلاب الدكتوراه بأطروحات ضعيفة جدًا فقط ليقال إنهم أشرفوا على عدد كبير من الرسائل.
• عدد الخريجين الحاصلين على جوائز عالمية: مثل نوبل وتيورنج وفيلدز… إلخ، وهذا أيضًا عامل غير دقيق لأن فى الغالب الأعم يحصل الشخص على تلك الجوائز نتيجة صفات شخصية مهمة فيه مع عمل متواصل وموهبة، أى أن تأثير الجامعة التى تخرج فيها ليس هو العامل الأساسى.
إذا تأملنا تلك العوامل وغيرها سنجد أنه يمكن التلاعب بها للوصول إلى تصنيف متقدم، وحتى مع عدم التلاعب بتلك العوامل فالمهم هو مستوى الطالب المتوسط وليس العدد القليل الذى يفوز بالجوائز. الطالب المتوسط يمثل السواد الأعظم من الخريجين ويهمنا أن يكون هذا الطالب مفيدًا لبلده، وهذا ما لا يقيسه أى عامل من العوامل أعلاه.
وهناك نقطة غاية فى الأهمية متعلقة بما نريده أساسًا من الجامعة.
• • •
عندما تدخل الجامعة فذلك لهدف من اثنين: التعليم (فى مرحلة البكالوريوس أو الليسانس)، أو البحث العلمى (مرحلة الدراسات العليا)، لننظر لكل هدف منهما على حدة:
• التعليم: الغالب الأعم فى العوامل التى ذكرناها والتى يترتب عليها تصنيف الجامعة لا تلقى بالًا لجودة التعليم. فقد تذهب لجامعة تصنيفها مرتفع جدًا لكن الأساتذة لا يولون التدريس الاهتمام الكافى لأنهم مشغولون بالبحث العلمى والنشر والحصول على تمويل.
• البحث العلمى: تصنيف الجامعات العام لا قيمة له، فقد تكون جامعة متأخرة فى التصنيف لكنها من أقوى جامعات العالم فى تخصص واحد أو تخصصين، لذلك تصنيف الجامعات المتعلق بكل تخصص على حدة هو الأكثر فائدة. يجب أيضًا ألا نغفل أن هناك علماء كبارًا لا يحسنون أو لا يريدون الإشراف على الطلاب، عدد الطلاب الذين أشرف عليهم ألبرت أينشتاين مثلاً أقل من عشرة فى تاريخه كله. لذلك قبل الذهاب للدراسات العليا فى تخصص معين على الطالب أن ينظر للتصنيف المتعلق بهذا التخصص ثم يجمع معلومات عن الأساتذة فى القسم التابع للجامعة التى يريد أن يدرس فيها.
هل فعلًا تصنيف الجامعات العام ليس له أهمية إطلاقًا؟
• • •
يمكننا اعتبار التصنيف العام للجامعات من قبيل القوة الناعمة للدول، مثلها مثل المنافسات الرياضية والعروض الفنية. القوة الناعمة مهمة لا شك فى ذلك، لكن فى موضوع الجامعات بالذات يجب على الدول النامية أن يكون لها هدف آخر وهو أن تعمل جامعاتها من أجل تقدم وازدهار الدولة، أى أن يكون البحث العلمى فى تلك الجامعات لحل مشكلات على الأرض لدولها حتى وإن لم يتم نشر أبحاث فى مجلات أو مؤتمرات معتبرة. وعلى تلك الجامعات أن تهتم بتخريج طلاب تساهم فى ازدهار شتى مجالات الحياة فى دولها حتى وإن لم يحصلوا على جوائز رفيعة.
• • •
ماذا علينا أن نفعل حيال التصنيف العالم للجامعات؟
• علينا ألا نضعه كهدف أساسى لجامعاتنا.
• علينا أن يكون لنا معاييرنا الخاصة الملائمة لنا فى تقييم جامعتنا مثل المشاكل التى ساهمت الجامعة فى حلها، مستوى الطالب المتوسط الحاصل على شهادة من تلك الجامعات… إلخ.
• علينا أن نتخلص من «عقدة الخواجة» فيما يتعلق بالجامعات، فليس كل شخص «متعلم بره» نعتبره من كبار العلماء، العالم ملىء بالجامعات الضعيفة.
هل تصنيف الجامعات هو مؤامرة لإلهاء الدول النامية عن بناء جامعات تنتج شبابًا يساعد فى تطور ورقى بلادهم وتركز فقط على الوصول إلى تصنيف متقدم هنا أو هناك؟... لا أدرى.