لا هو ضرورى ولا كاف - جلال أمين - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا هو ضرورى ولا كاف

نشر فى : السبت 18 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 18 مايو 2013 - 8:00 ص

سألنى مراسل صحيفة الجارديان البريطانية بالقاهرة: «هل هناك بديل أمام مصر عن القرض المعروض من صندوق النقد الدولى؟»، فرددت عليه بعنوان هذا المقال: قرض الصندوق لا هو بالضرورى ولا هو كاف». فعلى أى أساس أستند فى الرأى؟

 

فلنسأل أنفسنا أولا: «ما الذى جعلنا بعد سنتين من قيام ثورة يناير، نظن أن مصر لا يمكن أن تخرج من أزمتها الاقتصادية إلا بالحصول على قرض بهذا الحجم من الصندوق، مع أن فكرة الاقتراض لم تكن ترد على الذهن على الإطلاق فى اليوم السابق على قيام الثورة؟».

 

كان حجم الاحتياطى من النقد الأجنبى الذى تحوزه مصر عند قيام الثورة كافيا تماما لمواجهة أى احتمالات، وكانت السياحة تجلب لمصر من العملات الأجنبية قبل الثورة، فى السنة الواحدة، أكثر من ضعف القرض المقترح من الصندوق. طبعا لم تكن الحالة الاقتصادية فى مصر تبعث على الإعجاب، فقد تأثرت مصر مثلما تأثر غيرها بالأزمة الاقتصادية والمالية التى حلت بالعالم فى 2008، فضلا على نقائص كثيرة خطيرة تعود إلى ما قبل تلك الأزمة، واستمرت بعدها، وتتعلق بارتفاع معدل البطالة، وارتفاع عجز الموازنة، وتضخم الدين المحلى، وسوء أداء الصادرات، فيما عدا السياحة، وبطء نمو الصناعة والزراعة. ولكن كل هذه النقائص لم تكن تدعو إلى الاقتراض من الصندوق أو غيره، بل كانت تحتاج إلى إصلاح السياسة الاقتصادية. فلماذا أصبح قرض الصندوق، بعد بضعة أشهر من قيام الثورة، يبدو لكثيرين وكأنه ضرورة ملحة ولا مفر منه؟

 

الإجابة بالطبع لها علاقة بقيام الثورة، ولكن السبب ليس قيام الثورة بل ما ارتكب بعدها من أخطاء فاحشة أدت إلى تدهور فظيع فى إيرادات السياحة، وفى الاستثمارات، وفى الاحتياطى النقدى، وفى عجز الموازنة، وبالطبع أيضا فى معدل نمو الناتج القومى وارتفاع معدل البطالة. والأخطاء الفاحشة التى ارتكبت وأدت إلى كل هذا، تكاد أن تكون كلها أخطاء سياسية، بالسلب والإيجاب، أى بالامتناع عما كان يجب عمله، وبفعل ما كان يجب الامتناع عن فعله. (ما يثير شكوكا كثيرة لا داعى لإثارتها الآن، فليس هذا موضوعنا).

 

هذا هو ما أدى إلى فكرة الاقتراض من الصندوق. ولكن الاقتراض من الصندوق، لو تم، وإن كان سيخفف بالطبع من الآلام التى سببها التدهور الاقتصادى، ليس علاجا لأى من الأسباب التى ذكرتها وأدت إلى هذه الآلام. من الممكن بالطبع أن يخفض القرض من عجز الموازنة العامة، وأن يزيد من الاحتياطى النقدى، ولكنه لا يقدم حلا لانخفاض إيرادات السياحة، ولا الاستثمارات، ولا لانخفاض معدل النمو ولا لارتفاع معدل البطالة إلا إذا استخدم فى الأوجه الصحيحة، وهذا الاستخدام فى الأوجه الصحيحة ليس مضمونا، بل ولا أرجحه لأسباب منها أن المسئولين الذين سوف يتسلمون القرض هم أيضا مسئولون إلى حد كبير عن الأخطاء التى أدت إليه. ومنها أن هؤلاء المسئولين مصممون على الاستمرار فى استعمال خطاب سياسى ينطوى على سمات الدعوة للرجوع إلى العصور الوسطى، وهذا الخطاب يخيف المستثمرين، المصريين والأجانب، ويخيف السياح. ومنها أن هؤلاء المسئولين لا يبدون أى استعداد للعمل على استتباب الأمن وإصلاح ما فسد منه، مما ـ أيضا ـ يثير الخوف لدى المستثمرين والمنتجين والسياح. ومنها أننا لم نسمع بعد من هؤلاء المسئولين ما يدل على وجود رؤية واضحة لديهم لأساليب الإصلاح الاقتصادى.

 

ولكن إذا كان الأمر كذلك، فإن الحصول على القرض من الصندوق لا يمكن أن يكون كافيا لخروج مصر من الأزمة الاقتصادية الراهنة، بل ولا يبدو أيضا ضروريا.

 

ليس كافيا لأننا نحتاج أيضا إلى اتخاذ ما ألمحت إليه من إجراءات اقتصادية وأمنية وسياسية (كالاستغناء عن الإنفاق الحكومى غير الضرورى. بما فى ذلك ما يقدم من دعم للأغنياء، ومنع التهرب من الضريبة، وإعادة توزيع الاستثمارات العامة بما يؤدى إلى تشغيل المتبطلين، ومنح حوافز للاستثمار الخاص فيما يؤدى أيضا إلى تشغيل المتبطلين واستعادة نظام التخطيط، فضلا بالطبع عن العمل على استتباب الأمن وتعديل محتوى الخطاب السياسى الراهن الذى ىخيف المستثمرين المصريين والأجانب.. إلخ) فإذا لم نفعل ذلك، فإن الحصول على القرض يصبح تقريبا مثل عدمه، إلا من حيث أثره كمسكن وقتى. والقرض ليس ضروريا، لأننا لو اتخذنا هذه الإجراءات الاقتصادية والأمنية والسياسية، بالحزم الواجب والنية الصادقة، لما وجدت حاجتنا إلى القرض أصلا. لهذا أقول إن قرض صندوق النقد الدولى لا هو بالشرط الكافى ولا الضرورى لخروج مصر من أزمتها.

 

•••

 

كل هذا يفترض أن تقديم القرض لا يقترن بأى شروط سيئة. ولكن لا أحد حتى الآن يريد أن يخبرنا بالشروط التى يطلبها منا الصندوق، لكى نعرف ما إذا كانت سيئة أم حسنة. وهذا التكتم الشديد على ما يجرى فى المفاوضات بين الحكومة والصندوق، يثير بذاته التوجس من طبيعة هذه الشروط المطلوبة، فإذا ثبت أن هذا التوجس فى محله، فإن الأمر يصبح أسوأ مما ذكرت، إذ يصبح قرض الصندوق لا هو كاف ولا ضرورى، ولا حتى مفيد.

 

إذا كان كل هذا صحيحا، أى أن هناك طريقا بديلا للاقتراض من الصندوق، وأن الاقتراض من الصندوق لا يغنى عن انتهاج هذا الطريق البديل، فما الذى يمنع النظام الحالى فى مصر من انتهاج هذا الطريق، ومنع الحكومات المتتالية التى أتت منذ ثورة يناير 2011 من انتهاجه؟

 

الإجابة بسيطة جدا، فى رأيى، ولكنها أيضا محزنة للغاية، الإجابة أن الذين توالوا على حكم مصر منذ ثورة يناير لم يكن يهمهم منع التدهور الاقتصادى مثلما كانت تهمهم أشياء أخرى، ينطبق هذا على حكم المجلس العسكرى وحكوماته المتعاقبة، كما ينطبق على حكم الرئيس مرسى وحكومته بتعديلاتها الوزارية المختلفة. بل وأضيف إلى ذلك أيضا أن صندوق النقد الدولى، فى مفاوضاته مع مصر لا يهمه بدوره منع التدهور الاقتصادى فى مصر مثلما تهمه أشياء أخرى. للتحقق من هذا، فليتأمل القارئ نوع الحكومات التى أتى بها المجلس العسكرى، واحدة بعد الأخرى، وما فعله أو لم يفعله لاسترداد الأموال المنهوبة فى ظل النظام السابق، ولإعادة الأمن إلى الشارع المصرى ولإنقاذ السياحة.. إلخ وقل مثل هذا على ما فعله وما لم يفعله الرئيس مرسى. أما صندوق النقد فتاريخه فى «إنقاذ» بلاد مثل بلادنا، كان دائما مشروطا بتحقيق مصالح أخرى خارجية، اقتصاديا وسياسيا.

 

وهذا هو الذى أعنيه بالقول بأن كل هذه الأطراف لم يكن يهمها منع تدهور مصر الاقتصادى مثلما يهمها أشياء أخرى.

 

نعم، قد يقود مثل هذا التفكير إلى نوع من الإحباط أو التشاؤم، ولكن الشعور بالإحباط أو التشاؤم أفضل فى رأيى من الاستسلام للأوهام، إذ إن الإحباط قد تصحبه محاولة الخروج منه، أما الاستسلام للأوهام فيضمن استمرار حالك على ما هو عليه».

جلال أمين كاتب ومفكر مصري كبير ، وأستاذ مادة الاقتصاد في الجامعة الأمريكية ، من أشهر مؤلفاته : شخصيات لها تاريخ - ماذا حدث للمصريين؟ - عصر التشهير بالعرب والمسلمين - عولمة القهر : الولايات المتحدة والعرب والمسلمون قبل وبعد أحداث سبتمبر.
التعليقات