الكلّ يغنّى على ليلاه - امال قرامى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:56 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الكلّ يغنّى على ليلاه

نشر فى : الثلاثاء 18 نوفمبر 2014 - 9:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 18 نوفمبر 2014 - 9:00 ص

فى هذه الانتخابات الرئاسية آثر حزب النهضة ألا يظهر فى الصورة أو هكذا أراد من الجمهور أن يعتقد، راسما لنفسه صورة الحزب «المحايد» الذى يقف على مسافة من جميع الأحزاب والمرشّحين المستقلّين. ولكنّ الفاعلين السياسيين يدركون جيّدا أنّ حزب النهضة اعتاد اللعب على الحبلين إذ ثمّة مسافة بين الظاهر والباطن: التصريحات التى يتقدّم بها القياديون والتعليمات التى تعطى للأتباع داخل مجلس الشورى، وثمّة ركح يظهر عليه المؤدون لأدوار مختلفة، وثمة كواليس «تطبخ» فيها القرارات على ضوء ما يترتب عن الفرجة من معطيات تخدم مصلحة النهضة.

وممّا لاشكّ فيه أنّ حزب النهضة يستمتع بهذا المشهد السياسى المتحرّك. فبعد أن كان له حليفان صار الكثيرون يخطبون ودّه.الكلّ يطمع فى نيل الرضا، وهو أمر يعزّز ثقة الحزب فى وزنه، من جهة، ويكشف فى الآن ذاته، عن المأزق الذى وجدت النهضة نفسها فيه، من جهة أخرى. فأنّى لها أن ترضى أطماع الواقفين على بابها، وهم كثر؟

ويبدو أنّ طريقة حزب النهضة «البين بين» قد أعجبت بعض المرشحين فوجدناهم يصطفون أمام مقر حزب النهضة مقدّمين أمارات الطاعة والولاء والوعود، وفى المقابل يحضرون المنابر الإعلامية زاعمين أنّهم مستقلون أو منتمون إلى أحزاب عتيدة تخوض السباق بكلّ ثقة، وشتان بين ما يظهرون وما يضمرون.

أمّا الإعلاميون فقد انقسموا بدورهم إلى فئات: منهم من يؤيد مرشّح حزب النهضة «المرزوقى» فلا يبالى بمبادئ تغطية الحملات الدعائية همّه الوحيد خدمة حزب النهضة وشريكه، ومنهم من انحاز إلى مرشّح حزب النداء، وإن تظاهر بمراعاة مقتضيات العمل الصحفى، ومنهم فئة سعت على قدر الإمكان، أن تكسب رهان الاحتراف. وهكذا تأرجح الإعلاميون بين قناعاتهم وميولهم السياسية، وما يمليه الواجب الإعلامى من نزاهة وحياد.

والظاهر أنّ الرياء السياسى صار سلوكا مألوفا لدى التونسيين. فالواحد يعترض سبيل الآخر ويسأله عن مرشحه، ويعلن أنّه سينتخب المرشّح الفلانى ولكن من المعلوم أنّ ما يجرى فى الخلوة يخالف فى الغالب ما يلتزم به المرء أمام الآخرين. يكفى أن نتذكّر ما حدث فى الانتخابات التشريعية الأخيرة من مفاجآت. فأتباع بعض الأحزاب الذى عملوا طيلة أشهر داخل أحزابهم موضّحين المشاريع، ومدافعين عن رؤساء القائمات سرعان ما انقلبوا على أعقابهم، واختاروا التصويت البراجماتى لصالح حزب النداء.

•••

تنمّ هذه الأمثلة عن استمرار أزمة الثقة بين الفاعلين السياسيين بالرغم من الحديث المطوّل عن التوافق، والحفاظ على الوحدة الوطنية، والحرص على تكريس التعددية... وبالإضافة إلى ذلك يطرح هذا السلوك المتأرجح بين الشىء ونقيضه عن ذوات معطوبة تخوض النشاط السياسى، وهى لم تتخلّص بعد من تركة الماضى السياسى القديم. فقد ظلّت الشخصيات السياسية موصولة إلى ما جرى طيلة عقود وما استطاعت الانطلاق والتحرّر، ورسم المستقبل برؤية مختلفة تتلاءم مع المسار الثورى. فلا غرابة أن وجدنا المرزوقى يُعرض عن خطاب حقوقى بنّاء، ويتبنّى، فى المقابل، خطاب التحريض والتعبئة. فيتحدّث تارة عن الطواغيت، ويستعين طورا آخر بصديقه الداعية الذى طالما حثّ الشباب على الجهاد فى سوريا، وكفّر عددا من التونسيين، ومن أبرزهم الفنانون بل أكثر من ذلك وجدنا الصعاليك والجناة يقودون حملة «المرشّح الحقوقى» فى الساحات ويتوعدّون التونسيين بحمام دم. وليس تأرجح المرزوقى بين مرجعيتين الأولى حقوقية تنهل من الرصيد الحداثى، والثانية تستند إلى المخزون الشعبوى إلاّ علامة على صعوبة الحسم، وعسر تكريس معايير المسئولية الفكرية، والنزاهة والشفافية وغيرها من المبادئ.

ولئن رغب المرزوقى فى تعريف نفسه بأنّه الرئيس المثقف فإنّ تجربتى الحكم والترشح للرئاسية كشفتا عن محنة هذا «المثقف»: رئيس دولة يكتب لمركز الدراسات التابع للجزيرة ويتقاضى معلوما ماديا، ولا يحرّك ساكنا حين يعلم أنّ منبر الجزيرة يقوم بالتعبئة السياسية لفائدته، ومع ذلك يزعم أنّ برنامجه الحفاظ على السيادة الوطنية، واستقلالية القرار... يبدو أنّ كلّ الوسائل ممكنة فى سبيل الحفاظ على الكرسى والبقاء فى السلطة.

ويتّضح أنّ فتنة قصر قرطاج حوّلت المترشحين إلى مجرد مؤدين أو كومبارس بلا مهارات ولا قدرات فبدا المسرح السياسى ركحا يعرض فيه الواحد ما تسنى له حفظه... الكلّ يغنّى على ليلاه لحن نشاز لا يطرب التونسيين الذين حلموا بالأفضل والمتميّز والأقدر... ومع ذلك سيرشحون مكرهين رئيسا.

التعليقات