حرية الإبداع وأولويات المرحلة - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حرية الإبداع وأولويات المرحلة

نشر فى : الثلاثاء 20 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 20 مارس 2012 - 8:00 ص

بعد انقضاء الانتخابات البرلمانية، صار كثير من المبدعين منشغلين بالنجاح الذى أحرزته القوى والتيارات الدينية المتشددة، كما صاروا متوجسين من أثر صعودها إلى مواقع السلطة على الحريات المتعلقة بقضايا الفكر والتعبير والإبداع. لتلك التخوفات مبرراتها المنطقية، فلبعض هذه التيارات باع طويل فى المنع والتحريم والتهديد والتكفير، ولها بالتالى أياد مباشرة وغير مباشرة فى عمليات اغتيال مادى ومعنوى لمفكرين وكتاب، نجح بعضها وفشل الآخر، لكنها على كل حال بقيت كعلامات بارزة فى التاريخ.

 

موقف تلك الجماعات من الإبداع الفنى والفكرى هو موقف غير محدد المعالم فى أغلب الأحوال، فالنقاش الذى ينطلق من أرضية دينية لا يصل إلى منتهى، والجدل داخل النصوص نفسها لا يأتى  بنتيجة، هناك طيف واسع من الآراء والاجتهادات، لا يمكن نفى أحدها والإبقاء على الآخر، ولم يحدث من قبل أن اتفق الجميع على انتقاء تفسيرات بعينها والعمل بها، أما موقف المبدعين والمفكرين وكل من يضمه إطار الفن والثقافة تجاه تلك القضية فهو أمر آخر. من خلال الأحداث الجارية، يبدو الوضع مشوشا ومربكا بعض الشىء، هناك من المثقفين والمبدعين من قرر أن يرتدى ثوبا جديدا، ومن وجد ضرورة مرحلية تدفعه للاضطلاع بدور سياسى فاعل ومواكب لحركة المجتمع والنخب المتنوعة، يرى هؤلاء أن الحديث عن حرية فكرية وإبداعية كاملة فى ظل أوضاع عامة متردية هو فعل أحمق، وأن ثمة حقوقا اقتصادية واجتماعية يجب أن تكون لها الأهمية القصوى، وأن عدم وضع هذه الحقوق فى مقدمة خطابهم من شأنه أن يجعلهم فى موضع محرج؛ موضع النخبة المنعزلة التى لا ترى ولا تدرك مشكلات الغالبية العظمى من فئات وطبقات الشعب. من هنا يعيد هؤلاء المثقفون والمبدعون ترتيب أولوياتهم مع إزاحة المواضيع المتعلقة بالحريات الفكرية والإبداعية جانبا، أو تركها تأتى فى مرتبة متأخرة.

 

هناك من المثقفين أيضا من يدفع بفكرة مسايرة المزاج العام، والانصياع للمناخ السائد الذى تسيطر عليه نزعة محافظة، وهو مناخ لا يبدو فى مجمله مؤيدا لحقوق وحريات غير منقوصة، مع ذلك فإن موقف هؤلاء المثقفين يرى أن الحنكة السياسية تقتضى طرح ما هو مقبول من الغالبية العظمى المسيطرة، ما يمكن فعليا نيله، وليس ما هو صعب المنال أو مستحيل.

 

●●●

 

يظهر الانقسام حول المبادئ العامة فى عدد من المواقف، هناك على سبيل المثال الاختلاف الجوهرى حول وثيقة الأزهر؛ قسم من المثقفين والمبدعين شارك فى وضعها وقسم آخر احتفى بها، وثالث اتفق على رفضها. تتبدى الإشكالية هنا فى حتمية الاختيار بين مبدأين أساسيين؛ أولهما هو رفض وجود دور للمؤسسة الدينية فى قضايا إبداعية سواء كان دورا إيجابيا أو سلبيا، وثانيهما هو القبول بهذا الدور، بحيث ينتقل الجدل تلقائيا ليدور ليس حول أحقية المؤسسة الدينية فى التدخل فى القضايا الإبداعية، بل حول محتوى أو مضمون الخطاب الدينى الذى سوف تستخدمه، من حيث كونه متشددا أو مستنيرا. عموما يبدو أن قسم ممن شاركوا واحتفوا بالوثيقة قد رأى فى خطاب المؤسسة الدينية الرسمية شيئا من الاعتدال، فقرر الاحتماء به فى مواجهة خطاب أكثر رجعية وعنفا.

 

من الفنانين والمثقفين من صار يخاف الحديث عن حريته الإبداعية حتى لا يصبح متهما بالخروج على التقاليد وثقافة المجتمع، أو بالتمركز حول «التوافه» من الأمور، ومنهم أيضا من صار يخاف فقدان الشارع والجمهور والشعبية، للدرجة التى قد يتبرأ معها من أعماله. ذاك الخوف فى حد ذاته هو نقطة خطيرة تستحق التوقف أمامها، فمن المفترض أن حواجز الخوف قد انهارت بانهيار مفاتيح السلطة وسقوطها، وبخروج الناس على قوانينها وقواعدها، لكن المشهد الحالى يشير إلى أننا لا زلنا نقف أمام حواجز أخرى كثيرة، ربما بشكل مختلف، لكننا بكل تأكيد لم نتخطها كاملة بعد.

 

أظن أن المشهد الحالى وإن كان غائما، فإنه لا يجب أن يرغمنا على وضع حرية الفكر والإبداع محل مساومة، ولا أن يجعل أى شخص يتخلى عن دوره الأساسى لصالح أدوار أخرى ثانوية يضطلع بها آخرون متمرسون، ربما يجدر بكل مبدع أن يجعل أولى أولوياته هى الدفاع عن وجوده، وأن يكون دفاعه جذريا بعيدا عن مراوغات السياسة وألاعيبها وتوازناتها.

 

●●●

 

الخبز مهم: نعم، والحرية أيضا، ولا ننسى أن الحركة الثورية بدأت فى الخامس والعشرين من يناير ضد القمع والترويع الذى تمارسه الشرطة والاستبداد الذى يمارسه النظام، أى أن مطالب الحرية بأطيافها المتنوعة (سواء فكرية أو فنية أو علمية أو غيرها) لم تكن أبدا دخيلة على من نزلوا الشوارع فى ذاك الوقت، وإذا لم يكن الدفاع عن الحريات والتمسك بها لأقصى الحدود قد حان بقيام الثورة، وبتتابع موجاتها فإنه لن يحين أبدا، ولن يأت بمرور الوقت.

 

لا أظن أن الأزمة تكمن فى خطورة التيارات الدينية المتشددة ولا فى قوتها وقدرتها على تنظيم نفسها، بقدر ما تظهر فى غياب دفاعات قوية تصد أية هجوم محتمل، دفاعات يشكلها المبدعون أنفسهم، دون الخضوع لضغوط ودون الاستسلام لقوة التيار.

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات