يرى بعض الخبراء أننا قد مررنا بالفعل من ذروة الموجة الثالثة للوباء وبدأت الإحصاءات الخاصة بالإصابات والوفيات فى الانخفاض نسبيا، وهناك اطمئنان نسبى حاليا، وقد تم الإعلان أن الهدف من حملة التطعيم الحالية خلال هذا العام هو تطعيم نحو 40% من المواطنين/ات.
وفى هذا السياق، توجهت السيدة وزيرة الصحة والسكان، إلى «جنيف» على رأس وفد من قيادات الوزارة، كما تم الإعلان عن ذلك، وذلك لبحث وتعزيز سبل التعاون فى مجالات الصحة مع عدد من المنظمات الدولية والأممية. حيث تهدف هذه الزيارة كما تم الإعلان إلى عدة محاور:
1ــ مناقشة المعاهدة الدولية للجوائح التى تتضمن مجموعة من اللوائح المُنظمة للعمل وتلتزم بها دول العالم حال حدوث أى جائحة، والتى تجرى مفاوضات بخصوصها حاليا، ولكن لم يتم الإفصاح بعد عن موقف مصر من المفاوضات الجارية حول هذه المعاهدة.
2ــ استعراض جهود مصر فى تصنيع لقاح فيروس كورونا المستجد بمصر من خلال التعاقد مع شركة «سينوفاك» الصينية، حيث ستطلب مصر دعم منظمة الصحة العالمية فى الحصول على اعتماد اللقاح الجارى إنتاجه من خلال مصنع شركة «فاكسيرا» المصرية، بالإضافة إلى اعتماد مصنع «فاكسيرا» كأحد المصانع المنتجة للقاحات فيروس كورونا وحصوله على تأهيل منظمة الصحة العالمية WHO Qualifications.
3ــ استعراض الجهود المستمرة لاستكمال حملات التطعيم ضد مرض شلل الأطفال من خلال حملتين إضافيتين يتم الإعداد لإطلاقهما خلال الأسابيع القليلة القادمة، بدعم من منظمة الصحة العالمية. وبشكل أعم التنسيق مع المنظمة فى دعم مصر خالية من شلل الأطفال.
4ــ مناقشة تدشين المركز المصرى للسيطرة والتحكم فى الأمراض «Egyptian CDC»، وفقا للمعايير الدولية لتكون مهمته تقديم الأبحاث وسبل الدعم لمواجهة انتشار الفيروسات والأوبئة.
5ــ مناقشة وضع الملف المصرى الخاص بالإشهاد الدولى بخلو مصر من فيروس سى، والذى تعمل عليه منظمة الصحة العالمية حاليا، بعد أن تقدمت به وزارة الصحة والسكان للمنظمة عقب الانتهاء من تنفيذ مبادرة القضاء على فيروس سى والكشف عن الأمراض غير السارية تحت شعار «100 مليون صحة»، حيث تعمل المنظمة على مراجعة الملف وتقييم مدى الوصول إلى المؤشرات المطلوبة عالميا من حيث تشخيص وعلاج مرض فيروس سى وخفض الإصابات الجديدة وخفض مستوى الوفيات الناتج عن الإصابة بالفيروس، وكذلك ملف الحقن الآمن وخفض الضرر للفئات الأكثر خطورة والأكثر عرضة للإصابة.
6ــ مقابلة المدير العام لمرفق «الكوفاكس» التابع للتحالف الدولى للقاحات والأمصال «جافى» (GAVI)، والتنسيق مع جافى فى ملف اللقاحات، والتى تعتمد مصر عليها فى الحصول على 40 مليون جرعة.
•••
وهذا النشاط فى التنسيق مع المنظمات الدولية جيد ومطلوب، ويستحق الإشادة، ولكن تظل هناك بعض التساؤلات فى التعامل مع ملف اللقاحات لا يوجد إجابات لها:
أولا: تم الإعلان عن تطعيم ما يقرب من 3,3 مليون مواطن ومواطنة باللقاح المضاد لفيروس كورونا، أى تم استهلاك نحو أكثر من 6 ملايين جرعة، فكم عدد اللقاحات المتوافرة فى البلاد حتى هذه اللحظة؟ وكم عدد الجرعات التى تم التعاقد عليها فعليا؟
ثانيا: كم عدد من تلقوا الجرعة الأولى فقط وعدد من تلقى الجرعتين كاملتين؟
ثالثا: كم عدد المواطنين/المواطنات الذين تلقوا اللقاح من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة من إجمالى من حصل على اللقاح؟
رابعا: ما هو التوزيع الجغرافى للحاصلين على اللقاحات طبقا للمحافظات؟
خامسا: هل من الممكن والمنطقى الوصول لـ 40 مليون مواطن/مواطنة خلال هذا العام فى ظل معدلات التطعيم الحالية؟
سادسا: كم عدد من تم تطعيمهم من العاملين/ات بالقطاعات الأساسية والحيوية (المياه والكهرباء والمخابز والنقل العام.. إلخ)؟ ومتى سيتم الانتهاء من تطعيمهم؟
سابعا: وهو السؤال الأكثر أهمية، كم نسبة من تلقى اللقاح من العاملين/ات بالقطاع الصحى حتى الآن؟
•••
محور آخر تحدث فيه مسئول فى وزارة السياحة متعلق بتطعيم نحو 100 ألف من العاملين/ات بقطاع السياحة بالتنسيق مع وزارة الصحة، وهذا قد يكون توجها إيجابيا لتنشيط الاقتصاد. ولكن يجب الانتباه إلى أنه دون تطعيم جميع المواطنين والمواطنات بالأماكن السياحية، وتطعيم جميع المجموعات الأكثر عرضة لمضاعفات الفيروس، والعاملين والعاملات بالقطاعات الأساسية، قد يكون تأثير هذه الخطوة محدودا. فالسائح/ة يريد التعامل مع المواطنين/ات أيضا وليس فقط مع من يعمل بقطاع السياحة، فضلا عن ضرورة تطعيم جميع أفراد المجموعات الأكثر عرضة لمضاعفات الفيروس لرفع مصر من القائمة الحمراء التى وضعتها فيها بعض الدول.
نقطة أخرى تستحق المناقشة بهدوء هى ما يثار عن مشاركة القطاع الخاص فى حملة التطعيم ضد فيروس كورونا، حيث وافقت لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس النواب على اقتراح مقدم بشأن مشاركة القطاع الخاص فى منظومة التطعيم بلقاحات فيروس كورونا بشرط حصول مؤسسات القطاع الخاص على موافقة هيئة الدواء المصرية. وهناك تصريح من جانب أحد كبار التنفيذيين فى وزارة الصحة أن هناك خطوات تقوم بها الوزارة فى هذا الاتجاه، حيث توجد إجراءات للتعاقد حاليا مع شركتين (لم يتم تحديدهما) بشأن تقديم اللقاح للمواطنين والمواطنات، وأن المجال مفتوح لأى شركة تتقدم للمشاركة، وفقا لمعايير وزارة الصحة.
هذه الخطوة بالسماح للقطاع الخاص بتقديم اللقاحات تحتاج لتأنٍ شديد ودراسة جدوى دقيقة حول أهدافها، حيث أنه من المعروف من أدبيات الصحة العامة أن تقديم اللقاحات والعلاجات يكون مجانا فى أوقات الأوبئة والجوائح الصحية تحت إشراف الإدارة الصحية الحكومية، وفتح الباب أمام القطاع الخاص سيخلق حالة من اللامساوة والتسليع فى وقت وباء عالمى، فسيكون هناك نظامان للتطعيم، مجانى بقائمة انتظار طويلة للراغبين والراغبات فى الحصول عليه من خلال المنافذ الحكومية، وآخر بمقابل سريع لمن يرغب فى أخذ اللقاح بمقابل. إن كان هناك احتياج لمنافذ القطاع الخاص فيجب أن يكون ذلك من خلال تعاقد الحكومة مع القطاع الخاص بحيث تكون أماكن لتلقى اللقاح، وأن لا يتم السماح للمواطنين والمواطنات بالدفع من الجيب، وأن تدخل منافذ القطاع الخاص لتقديم اللقاحات تحت مظلة حملة التطعيم القومية.
وفى الخلاصة، على الرغم من النشاط والمجهود الذى يتم بذله فى حملة التطعيم ضد فيروس كورونا، فهناك حاجة شديدة إلى الكثير من العمل، والدراسة قبل أى خطوة يتم اتخاذها، ومراعاة بعدى العدالة والمساواة أمام المواطنين والمواطنات فى الوصول للقاحات.
• خبير سياسات صحية
•• باحث فى ملف الحق فى الصحة