بورسعيد والتراث المعماري - جورج إسحق - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 2:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بورسعيد والتراث المعماري

نشر فى : الخميس 19 أغسطس 2021 - 9:20 م | آخر تحديث : الخميس 19 أغسطس 2021 - 9:20 م
فى زيارتى لبورسعيد منذ أسبوع مع بعض الأصدقاء المحبين للمدينة استمتعنا بمناخها الجميل.. بورسعيد مدينتى التى أعتز بها كثيرا حيث ولدت وتعلمت، فأحببتها. المعروف عن البورسعيدية عندما يدخلونها يقولون شعارا «يجعلك عمار يا بورسعيد» بسبب ما فقدته بورسعيد فى حرب 56 من مبانٍ قديمة كنا نعتز بها. وهذا الحب جاء من حبنا لشوارعها ومبانيها العريقة، وللأسف الشديد عندما تمشى فى شوارع بورسعيد الآن تبرز العمارات العالية ذات الذوق الضعيف جدا فى البناء والألوان بين عمارات تراثية مر على إنشائها أكثر من مائة عام.
هناك 644 عقارا من العقارات المعمارية فى بورسعيد التى تعد من التراث الأثرى الرائع فى شكله ومضمونه وتم حصرها طبقا لقرار مجلس الوزراء رقم 1096 لسنة 2011 بشأن تسجيلها بسجلات التراث المعمارى للمحافظة، وينطبق عليها أحكام القانون رقم 144 لسنة 2006 وقرار مجلس الوزراء رقم 192 لسنة 2007. هذه العقارات موزعة فى أحياء بورسعيد؛ حى الشرق 340 مبنى، وحى العرب 106 مبانٍ، وحى المناخ 69 مبنى، ومدينة بورفؤاد 139 مبنى.
•••
فى زيارتى لألمانيا لمدينة «بون» لاحظت أن هناك مبنى فى أحد شوارع بون عمره مائة عام، أمر محافظ المدينة بمنع سير السيارات حوله خوفا من تأثر المبنى بأى اهتزازات.. هذا هو الفرق الذى رأيته فى بورسعيد والذى رأيته فى بون.
عندما ننظر إلى مبانى بورسعيد نجد أنها مبان تميزها الأعمدة العريضة المبنية من الطوب والأسقف الخشبية التى تحافظ على التهوية والرطوبة بداخلها.. فقدنا منذ سنوات كازينو «بالاس» الذى كان يطل على القناة، والذى هدم بجهل كبير، فلو كان بقى حتى الآن لكان عدّ تراثا عظيما يشمل فندقا وصالة وشرفة واسعة على قناة السويس، وكان من الممكن أن يصبح ملتقى للسياح فى المدينة. فقدنا أيضا مبنى كان يسمى «البيت الحديد»ــ لأنه صنع فقط من الحديد ــ المكون من خمسة أدوار، وبجهل شديد هدم لجشع رجال الأعمال الذين بنوا مكانه عمارة قبيحة!
ومن المبانى التراثية أيضا «فنار بورسعيد» الذى تأثر معماره بالتقدم التكنولوجى فى أوروبا وكان أول فنار يبنى بالخرسانة المسلحة، وزود بضوء كهربائى وعدسات حديثة ترشد السفن القادمة إلى ميناء بورسعيد، ونتمنى أن يعاد النظر إليه وتجديده لأنه من التراث الذى لا يتكرر أبدا.
هناك أيضا مبنى قناة السويس «مبنى القبة» الذى يرجع تاريخه إلى عام 1895 فى عهد الخديوى عباس حلمى الثانى. ومن آثار بورسعيد أيضا المسجد العباسى الذى أنشأ سنة 1904 الشاهد على حروب المدينة ومقامة الاحتلال، وأيضا كنيسة «سانت أوجينى» التى أنشئت سنة 1867، ولكن للأسف يحيط بها أكشاك تجارية تشوه المبنى بشكل كبير.
•••
كل هذه مبان تراثية تحمل فنا يمزج ما بين التراث المصرى والثقافة الأجنبية. نظمت الحملة الأهلية لحماية تراث بورسعيد وقفات احتجاجية أمام أحد المبانى الأثرية بالحى الأفرنجى الموجود فى تقاطع شارعى صفية زغلول والجيش، والذى قام المشترى بتخريب أجزاء منه وأزال تاريخ مبنى بنى عام 1900 ويعد من أجمل بيوت بورسعيد التراثية، ونجحت الحملة الأهلية فى منع هدمه.
ومن المبانى التراثية أيضا مبنى البريد القديم الذى حاولوا تطويره بطريقة جهلت تماما التراث البورسعيدى، وعندما تزور مبنى البريد الآن تشعر بالأسى بعدم العناية بالمكان وتشويهه. وقامت الجمعيات الأهلية أيضا بوقفات احتجاجية لمنع هدم العقار رقم 19 الذى شيد سنة 1903 كمركز لليونانيين ببورسعيد، والذى يتميز بالبواكى المتفردة المنحوت عليها تماثيل يونانية لأشهر أعضاء الجالية اليونانية فى بورسعيد.
أين وزارة الثقافة وأين الجهاز القومى للتنسيق الحضاري؟! هذه مسئولية محافظ بورسعيد، الذى هو أحد أبنائها، أن يحافظ على الآثار المعمارية المسجلة ومنع المساس بها، وبورسعيد لا تحظى بالقدر الكافى من الاهتمام. هى مدينة كانت «كوزموبوليتان» أكبر مدينة متعددة الجنسيات فى العالم، فجمعت مبانيها أجمل ما أبدع المعماريون الفرنسيون واليونانيون والإيطاليون الذين كانوا يعيشون فى بورسعيد.
•••
منزلى يقع أمام معدية بورفؤاد، وفى مدخل بورفؤاد توجد منطقة تراثية شديدة الأهمية مهمله ومخربة وجدرانها متساقطة فى محاولة لهدمها وبناء عمارات مشوهة مكانها، هذه المنطقة أنا أناشد الدكتورة/ جليلة القاضى المهتمة بالتراث المعمارى فى كل أنحاء القطر، وكذلك الدكتورة/ مونيكا حنا، الذى نتمنى أن تتابع العالمتان الأثريتان المدينة العظيمة والعمل على حفظ التراث المعمارى فيها.
أرجو ممن يزور بورسعيد أن يزور الممشى بجوار القناة ويرى مبنى محلات «سيمون أرزت» الذى يعتبر من أهم التراث المعمارى فى بورسعيد، الذى كان يزوره السياح لشراء كل ما يلزمهم قبل عودتهم لوطنهم، وكان مركزا للبيع غير مسبوق فى زمن سبق بناء المولات المختلفة.
فى مبانى بورسعيد القديمة أنت لا تشعر بالحر إطلاقا، لأنه وكما ذكر من قبل، يوجد فى بورسعيد 644 مبنى يدخل الخشب فى تشييدها. ومع الأسف، نجح بعض المنتفعين وأصحاب المصالح غير المهتمين بالتراث المعمارى فى هدم قرابة 100 عقار أو أكثر لبناء الأبراج الحديثة.. فأين الهيئات التنفيذية من هذا التخريب؟! إن هذه الأبراج المرتفعة قضت على الكثير من المبانى الأثرية التى اعتبرتها هيئة اليونسكو من التراث العالمى من المبانى الخشبية القديمة.
أنا أحذّر من أن هناك مبنى خطيرا أمام محل «بيتزا بينو» فى أول شارع الجمهورية من التراث القديم اشتراه أحد البورسعيدية ويفكر فى هدمه. هذا المبنى العريق بالقرب من قناة السويس يعتبر نموذجا للتراث البورسعيدى الذى تحدثنا عنه، وأنا أدعو الجمعيات الأهلية وشعب بورسعيد الواعى أن يمنع هدم المبانى البورسعيدية لأن هذا من حق الأجيال القادمة، وعلى محافظ بورسعيد أن ينتبه لأن بورسعيد تمتلك ثروة عقارية لا تقدر بثمن. وأن يهتم بهذا الأمر ويجعل هذه المبانى مزارات سياحية، وليس مثلما تم على شاطئ بورسعيد بهدم الفيلات القديمة، والتطوير الذى يحدث الآن فى أماكن بورسعيد يجب أن يهتم بالتراث المعمارى القديم حتى لا تفقد بورسعيد هويتها التى ننتمى إليها ونسعد برؤية مبانيها القديمة.. هل من مستجيب؟!
جورج إسحق  مسئول الاعلام بالامانة العامة للمدراس الكاثوليكية
التعليقات