العنف.. الحقيقة والوهم - سمير كرم - بوابة الشروق
الإثنين 27 مايو 2024 9:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العنف.. الحقيقة والوهم

نشر فى : الأربعاء 20 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 20 فبراير 2013 - 8:00 ص

العنف كلمة سيئة السمعة فى كل اللغات. ونستطيع أن نقول انها سيئة السمعة إلى حد انه ليس لها فى اللغة العربية مرادف فى العامية المصرية. ويمكن أن يكون ذلك دالا على أن المصرى لا يأخذ العنف فى الاعتبار أو أن العنف لا يروق للإنسان المصرى.

 

والأحرى أن نرى أن العنف مفهوم وليس مجرد كلمة. إن هذا المفهوم يعالج فى القواميس الشارحة وفى الموسوعات المتخصصة. ولهذا نلمس أيضا أنه مفهوم تلحق به صفات متعددة ومتناقضة. فيقال العنف الثورى ويقال العنف الاجرامى والعنف للعنف.

 

وعلى الصعيد السياسى يتضح التناقض الذى يوصف به العنف أكثر من أى مجال آخر. فهناك العنف الثورى كسياسة من ناحية وهناك سياسة اللاعنف من ناحية أخرى. ولا يمكن الجزم بأن أيا منهما هو الصحيح أو الصواب كسياسة. فالعنف الثورى لقى دفاعا قويا للغاية من الكتاب الماركسيين ابتداء من ماركس نفسه ثم لينين وتروتسكى. وبرهنت الثورات الشيوعية على صواب العنف الثورى كمنهج. فقد أدى إلى النتائج التى سعى اليها استخدامه من الثوريين ضد النظم القديمة. وقد كان الزعيم الصينى ماو تسى تونغ من أكثر الزعماء الشيوعيين تمسكا بالعنف الثورى كمنهج لتغيير السلطة. وهو الذى قال «الثورة ليست دعوة توجه للناس للعشاء أو لكتابة مقال أو رسم صورة. الثورة هى انبعاث فعل عنف تطيح فيه طبقة بطبقة اخرى». والزعيم الثورى الروسى تروتسكى ــ أحد ابطال ثورة 1917 ــ هو القائل «ان انتصارا حقيقيا لانتفاضة على العسكريين فى قتال فى الشارع هو واحد من الاستثناءات النادرة». ومعنى هذا انه لم يكن يعتبر العنف الثورى التلقائى منهجا يحقق انتصارا حقيقيا إلا قليلا.

 

•••

 

من ناحية اخرى فإن نجاح اللاعنف كسياسة نضالية استخدمت فى الهند بزعامة المهاتما غاندى فى تحقيق استقلال الهند عن بريطانيا فى عام 1947، يقدم الدليل الكافى على جدوى اللاعنف وتمكنه فى ظروف اخرى من تحقيق اهداف التغيير. وكان غاندى يقول إن «الثورة السلمية التى لا تلجأ للعنف حقيقة، وليس هناك إله أعلى من الحقيقة». وبعد انتصار الهند بأقل من عام اغتيل غاندى بعمل من أعمال العنف الإجرامى لكن السياسى، أى العنف اللا ثورى.

 

هكذا نلمس ونفهم أن ماو وغاندى اللذين تعاصرا وعاشا فى الفترة نفسها من تاريخ الصين والهند انتهجا سبيلين متناقضين تماما ولكنهما حققا الغاية من ثورتيهما، فى حالة الأول منهج العنف الثورى وفى حالة الثانى منهج اللا عنف أى الثورة السلمية. ومعنى هذا أن ظروف كل بلد وكل منطقة قومية أو جغرافية هى التى تحدد المنهج الأصلح لتحقيق أهداف الثورة. وغالبا ما يقرر هذا القائد أو الزعيم. كل يختار طريقه الذى يحقق النصر وفقا لرؤيته التاريخية والآنية. وهذا ما فعله كل من ماو فى الصين وغاندى فى الهند. وعلى الرغم من تعاصرهما لسنوات طويلة قطعها اغتيال غاندى فإنه لم يدر بينهما نقاش حول هذا الاختلاف فى المنهج الثورى أو حول العنف على وجه التحديد.

 

•••

 

ولا يكاد يكون من الممكن تصور قيام ثورة دون أن تثير معها النقاش حول العنف ــ الثور  واللا عنف أى سلمية الثورة. وينطبق هذا بشكل خاص على ثورة 25 يناير 2011. إن نقاشا حاميا يدور على صفحات الجرائد وفى البرامج الحوارية التليفزيونية التى تجمع بين الكتاب والمحللين السياسيين وكذلك السياسيين غير المحللين وأحيانا السياسيين من قلب السلطة حاليين وسابقين. موضوع هذا النقاش يقترب بدرجة أو بأخرى إلى مفهوم العنف. وفى حالتنا يبدو أن ثمة غيابا كاملا ــ أو ربما شبه كامل لتأييد العنف الثورى، باعتبار أن النقاش لا يزال دائرا ــ وقد يحظى بضيف أو أكثر فى الاسابيع أو الشهور التالية يدافع عن العنف الثورى ويعتبره فضيلة أو يعتبره شرا لابد منه، لا مفر من قبوله وممارسته.

 

ولعل من الممكن تفسير علو الاصوات فى مصر بهذا النقاش حول العنف بانه نتيجة منطقية لانفراد السلطة - متمثلة فى النظام السابق، ثم متمثلة فى النظام الاخوانى الحالى ــ باستخدام اساليب العنف، بينما لا تزال الثورة متمثلة فى شبابها متمسكة إلى درجة كبيرة بالابتعاد عن العنف. بل يلاحظ ان ايا من هؤلاء الشباب لم يقدم نحو استخدام تعبير العنف الثورى حتى الان. ولكننا لا نستبعد ان يتغير هذا الوضع او هذا الواقع اذا ما ادرك الشباب من خلال استمرار العنف من الطرف الآخر ــ اى السلطة ــ انه لا مفر من اللجوء إلى العنف الثورى. اى انه ليس من المستبعد نهائيا ان يظل الشباب الثورى فى مصر رهن استمرار الظروف الحالية، حيث لا توجد نتيجة حاسمة تسقط النظام الحاكم فهو يقدم الادلة يوما بعد يوم على استعداد وتصميم على الاحتفاظ بالسلطة باستخدام العنف.

 

بتعبير أصح فإن العنف الثورى قد يتولد فى مصر كنتيجة حتمية لاستمرار العنف اللا ثورى. أى ان الاحتفاظ بوجهة النظر السلبية إزاء العنف أيا كان ليس مضمونا طوال الوقت فى غياب النتائج المنتظرة من الثورة.

 

•••

 

ما ينبغى قوله بدرجة أو أخرى من الصراحة والمباشرة هو إن احتمال اللجوء إلى العنف الثورى فى حالة الثورة المصرية أمر لا يمكن استبعاده تماما. ولهذا لا بد من التنبه بكل اهتمام إلى حقيقة إن العنف الثورى ــ اذا ما تحول إلى ضرورة ــ يمكن أن يكون هو الطريق إلى تحديد قيادة حقيقية لثورة وصفت من البداية بأنها بلا قيادة. فى الوقت نفسه يمكن أن يأتى سعى الثورة إلى تكوين قيادة لها للتغلب على هذه المعضلة التى سببت حتى الآن حرجا شديدا ليس فقط أمام الجماهير إنما أيضا أمام الخصم، أى السلطة. ومعنى هذا إن القيادة يمكن أن تكون السبيل إلى العنف الثورى أو يكون العنف الثورى السبيل إلى القيادة.

 

لكى تستمر الثورة لابد أن تحل مشكلة غياب القيادة. وقد نتبين خلال ذلك إن العنف الثورى هو وحده الطريق إلى بلورة القيادة.

 

ولن يكون بالإمكان سلوك أحد الطريقين ــ القيادة إلى العنف الثورى أو العنف الثورى إلى القيادة ــ إلا إذا نجحنا فى تجريد مفهوم العنف الثورى من أى تقييم أخلاقى. فالتقييم الاخلاقى هنا أقرب ما يكون إلى الزعم تحت غطاء دينى زائف بأن التمرد على الحاكم - حتى وإن أوغل فى الظلم «حرام».

 

ومعنى هذا إننا ــ نحن المصريين ــ قد نجد أنفسنا مضطرين إلى تقبل العنف الثورى واستيعابه بغير إضفاء طابع دينى يعمل على أن يلغيه أو حتى يدينه فقط من وجهة نظر دينية.

 

•••

 

ربما يخلو تاريخنا ــ تاريخ مصر ــ من أى ثورة أو نشاط سياسى اضطر للجوء إلى العنف من أى نوع كان، وبالأخص العنف الثورى كما تمارسه الجماهير. وربما تكون هذه هى المرة الأولى التى نتبنى فيها العنف الثورى بمعناه الدقيق. ولكن هناك دائما مرة أولى لكل عمل كبير وعظيم. 

 

 

 

كاتب صحفى مصرى  

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات