محاربة الفقر فى العالم - سمير كرم - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محاربة الفقر فى العالم

نشر فى : الجمعة 31 يوليه 2015 - 9:05 ص | آخر تحديث : الجمعة 31 يوليه 2015 - 9:05 ص

يلفت الانتباه إلى مشكلة الفقر – باعتبارها مشكلة عالمية – إنها أقدم المشكلات على الإطلاق وأكثرها رواجا فى العالم. كما يلفت الانتباه أن مشكلة الفقر ظلت على عالمية انتشارها ورواجها على الرغم من الجهود التى يفترض انها تبذل للقضاء عليها فى بلدان العالم.

ولقد قيل عن الفقر أكثر مما قيل عن أى مشكلة عالمية اخرى. ومع ذلك لا يزال الفقر منتشرا فى العالم ولا يزال يتوطد فى البلدان التى يفضل العيش فيها، على الرغم من ان الفقر قد اثبت أنه أكثر مشكلات العالم انتشارا بل واستقرارا فى البلدان التى توطد فيها. وليس من الغريب أن نتذكر أن ثورات العالم قامت بحجة معالجة مشكلة الفقر فى البلدان الثائرة دون ان يؤدى ذلك إلى إزالة الفقر بالفعل فى البلدان التى قامت فيها الثورات. ولقد ثارت معظم البلدان التى اجتاحتها الثورات بهدف القضاء على الفقر دون أن يؤدى ذلك إلى إزالة الفقر. ربما يكون الفقر قد نجح فى أن ينتقل داخل المجتمعات التى عاش فيها طويلا من طبقة إلى طبقة أخرى أو من فئة إلى فئة، ولكنه برهن طوال الوقت على ثباته فى المجتمعات حتى أكثر هذه المجتمعات غنى وثروة.

***

ويلاحظ ان الفقر اثبت انه أكثر ثباتا من أى مشكلة اخرى فى بلدان العالم على الرغم من تحول بعض هذه البلدان من الفقر العام إلى الغنى العام. وعلى سبيل المثال فإن الهند – ثانى أكبر بلدان العالم من حيث الضخامة السكانية بعد الصين التى لا تزال منذ قديم الزمان تحتل المكانة الأولى – تسجل فى السنوات الاخيرة نجاحات باهرة ومبهرة فى التقدم بكل مفاهيمه العلمية والاقتصادية، بل والتكنولوجية. والأمر الذى لا شك فيه أن طبقات فى المجتمع الهندى قد نجحت فى الصعود إلى مستويات عالية من التقدم والغنى والنفوذ دون أن يؤدى ذلك إلى تغير فى مستوى المعيشة العام فى هذا المجتمع بما يسمح بنقل الهند إلى مستوى الغنى العام. إذ لا تزال الهند واحدة من البلدان التى يسود الفقر فيها بين الطبقات الدنيا وإن كانت الهند تتقدم علميا وتكنولوجيا واقتصاديا، بصفة خاصة على البلدان المحيطة بها مثل باكستان ونيبال (...) والأمر الذى لا شك فيه أن مثال الهند ليس وحيدا فى العالم للدلالة على الفقر ومستواه ومغزاه فى العالم.

والأمر اللافت للنظر فى هذه المشكلة هو أن الفقر يسود فى البلدان ذاتها منذ قديم الزمان، أى منذ اوائل التاريخ. وقد تسبب فى سيطرة الفقر فى طبقات بعينها ولم يغير موقعه فى معظم الحالات سوى فى بلدان قليلة للغاية وصغيرة للغاية أيضا. وعلى سبيل المثال فإن الفقر يكاد يكون قد اختفى من مجتمع آسيوى صغير مثل سنغافورة. ولكنه لا يزال يتركز فى مجتمعات أخرى فى آسيا. وربما يزداد تركزه وضوحا فى أفريقيا أكثر مما يتضح فى آسيا. ولكن الأمر الواضح هو أن الدول الفقيرة المختلفة لجأت للثورة بهدف القضاء على الفقر. ومع ذلك فإنها نجحت فى تغيير مواقع الفقر اجتماعيا داخلها ولكنها لم تنجح فى القضاء على الفقر. وربما تكون نسبة الفقر فى مثل هذه المجتمعات قد انحسرت سكانيا ولكن الزوال التام لم يقترب منها أو هى لم تقترب منه. ولهذا يمكن القول بأن نسبة الفقر العالمية بقيت كما هى فى المجتمع العالمى، كما بقيت مواقعها فى العالم كما هى على الرغم من التغيرات التى طرأت على العالم نتيجة للثورات الاجتماعية ونتيجة للتقدم العلمى الذى طرأ على العالم.

***

ولقد ساد فى العالم اعتقاد لفترة زمنية طويلة بأن التحرر من السيطرة السياسية الأمريكية على العالم من شأنه أن يقفز بالعالم من حالة الفقر إلى حالة أكثر ارتياحا اقتصاديا مما يوصف بأنه حالة الفقر. ولكن الواقع الذى شهد التطور فيما يتعلق بدور أمريكا عالميا إنما شهد بأن السيطرة السياسية الأمريكية على الوضع العالمى لم تستطع أن تغير الصورة العامة من الفقر خاصة فى أفريقيا وآسيا وإلى حد ما فى أمريكا اللاتينية. ولا نستطيع أن نؤكد إذا كان العالم الجديد الذى سينشأ عن تراجع الدور الأمريكى فى السيطرة على العالم سيغير أوضاع الفقر فى العالم أو سيساعد على تراجعها حيث عاش الفقر واستقر طويلا فى العالم الذى نعيش فيه. ولقد اصبح السؤال المطروح الآن بعد أن لاح تراجع الدور الامريكى فى العالم هو إذا كانت الزعامة العالمية الجديدة – سواء كانت للصين أو لروسيا أو لأوروبا – ستغير الواقع العالمى بين الأغنياء والفقراء. ولا يبدو فى حدود ما نرى من تغير فى ملامح افريقيا الفقيرة – على سبيل المثال – إن الفقر سيتراجع تراجعا اساسيا عن مواقعه فى أفريقيا مع تغير مواقع الهيمنة العالمية على الثروات العالمية من أمريكا إلى غيرها. ويمكن القول بأن تحول السيطرة العالمية من أيدى الولايات المتحدة الامريكية إلى أيدى الصين مثلا سيكون من شأنه إحداث تحول موازٍ فى سيطرة الفقر أو فى دوره.

لكن هذا القول لا يمنع من التأكيد بأن الفقر سيكون هدفا مباشرا لتحول السلطة أو الهيمنة السياسية من أمريكا إلى الصين مثلا. فلقد أصبح واضحا الآن فى فترة التحول من السيطرة الأمريكية إلى سيطرة عالمية أخرى، قد تكون سيطرة صينية أو أوروبية، إن محاربة الفقر كظاهرة اجتماعية غير مرغوب فيها قد تحد من سيطرة الفقر فى العالم الأفروآسيوى، ولكنها لن تقضى على الفقر قضاء مبرما أو مصيريا. إن القضاء على الفقر عالميا يحتاج إلى موقف عالمى ضد الفقر. ولا يبدو لنا حتى الآن أن مثل هذا الموقف العالمى ضد الفقر آخذ فى التكون. لقد انقضى ما يقرب من قرن ونصف القرن من الزمان على ظهور المحاولة النظرية الوحيدة للقضاء على الفقر، وهى المحاولة التى تمثلت فى الماركسية نظريا وتمثلت فى الحكم الشيوعى عمليا، وتبدو الظروف الآن مختلفة عما كانت. على الرغم من أن إحدى القوى البارزة فى التحول العالمى نشأت عن أساس ماركسى صينى، إلا أن هذا الاساس لم يعد له التأثير النظرى الذى كان. ولم تعد الصين نفسها معنية بالاهتمام بأساسها الماركسى. أو هكذا يبدو الأمر حتى الآن.

***

يبدو أن العالم يحتاج إلى فترة زمنية طويلة – قد لا تقل عن مائة عام – لكى يبرهن على أنه مصمم على التصدى لمشكلة الفقر بالقدر الكافى من الجدية. وربما يحتاج العالم إلى فترة زمنية أطول للتأكيد بأهمية التصدى لمشكلة الفقر.

ويبقى أن نؤكد أن بروز الحرب فى شكلها النظرى – الذى يكتسب معنى دينيا متمثلا فى حرب المنظمات الدينية ضد الدول – لا يكاد ينطق بالمعنى الذى يدل على اولوية الحرب ضد الفقر.

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات