مصر تستعد لإعادة كتابة تاريخها - سمير كرم - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر تستعد لإعادة كتابة تاريخها

نشر فى : الجمعة 5 يونيو 2015 - 9:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 5 يونيو 2015 - 9:30 ص

يبدو أن مصر تستعد لإعادة كتابة تاريخها. وقد يبدو لبعض المؤرخين أو الكتاب بشكل عام أن مصر إنما تستعد فقط لإعادة كتابة تاريخ الجزء الأخير من تاريخها وهو الجزء المتعلق أو الذى بدأ بثورة 23 يوليو 1952. إنما يبدو أن إعادة كتابة تاريخ مصر من بدايته الفرعونية الأولى إلى الوقت الحاضر يشغل بال المؤرخين بكل جدية.

وربما يرتبط إعادة كتابة تاريخ مصر أكثر ما يرتبط بما حدث لمصر من هزيمة عسكرية فى عام 1967، ولكن يبدو أن إعادة كتابة تاريخ مصر يشغل خواطر المؤرخين المصريين نتيجة لاضطراب فهم التاريخ المصرى من بدايته كنتيجة حتمية، لإعادة النظر بشكل عام فى الفترة المهمة كثيرا، التى شهدت دخول الإسلام كديانة إلى مصر.

ولعل إعادة النظر إلى التاريخ المصرى ترتبط أكثر ما ترتبط بالمظاهر التى واكبت الأحداث الأخيرة فى المنطقة العربية، خاصة تلك التى أحدثت اضطرابا قويا ومقلقا فى البلدان العربية القريبة من مصر. ونعنى بهذا الأحداث الأخيرة فى العراق وسوريا واليمن بشكل خاص. فقد أظهرت القوى القائمة بالأفعال المضطربة الأخيرة فى هذه البلدان من الوطن العربى أن هناك محاولات – لا يقوم بها المؤرخون بل يقوم بها أكثر القوى ابتعادا عن دور المؤرخين – لتكسير بل وتفتيت الآثار العربية فى سوريا والعراق. وكأن مثل هذا التحطيم للآثار العربية من شأنه أن يبيد تماما ويدفع إلى النسيان كل تاريخ العرب قبل دخول الاسلام إلى المنطقة.

لكن رد الفعل الحقيقى لهذا النوع من السلوك أظهر على نطاق واسع ان بين المؤرخين والمثقفين والقوى العادية من الجماهير شعورا متميزا وقويا بأن الغالبية العظمى من الجماهير العربية أكثر حرصا على الحفاظ على تاريخ هذه الأمة التى تعد أقدم الأمم – بهذا المعنى المحدد – فى العالم.

•••

والأمر المؤكد أن هناك ارتباطا قويا بين شعور المصريين – وشعور العرب غير المصريين فى الوقت نفسه – بأن التاريخ القديم الموغل فى القدم لمصر هو جزء أساسى من الوعى المصرى و«العربى». وبأن التاريخ القديم للبلدان العربية الأخرى هو جزء لا يتجزأ من الوعى العام السائد فى هذه المنطقة. ولهذا اتسم رد الفعل المصرى وغير المصرى إزاء محاولة تحطيم الأصول غير الإسلامية أو بالأحرى السابقة على الإسلامية بغضب لم تخفه سوى أحداث العنف الراهنة فى المنطقة العربية. ولهذا لم يكن غريبا أن تختفى ردود الفعل لهذا التحطيم فى البلدان التى سادتها خلال الفترة الأخيرة أحداث العنف الواسعة النطاق مثل العراق وسوريا واليمن. أما فى مصر فقد اتضح بشكل خاص غضب الجماهير إزاء الصور التى نقلتها شاشات التليفزيون لأعمال التحطيم والهدم «العربية» للآثار ما قبل الإسلامية. وصحيح أن الإعلاميين لم يجدوا فى الصور التليفزيونية لهذا التحطيم ما يعكس غضب الجماهير عليها، إلا أن الحديث عن هذه الأحداث إنما اتسم بمناقشة مريرة وجادة لهذه الأحداث.

والأمر المؤكد أنه عندما تزول الأحداث الراهنة فى البلدان العربية – مهما طالت الفترة التى ستستغرقها – فإن اهتمام الجماهير العربية سيتجه وبدرجة قصوى من التركيز إلى الجهود الرامية إلى إصلاح ما أفسده وحطمه أسلوب «الإسلاميين» من هذه الآثار. ذلك أن هذه الجهود سترتبط إلى أقصى حد بالرغبة الجماهيرية فى إتمام هذا الإصلاح وتأكيد أهميته. ذلك أن التكوين النفسى للجماهير المصرية والعربية إنما يتألف من وعى، قد يكون لا شعوريا فى بعض مظاهره، بأهمية التراث القديم فى حياة الجماهير. والواقع أن أنباء الفترة الأخيرة التى شهدت هذا السلوك المعادى للحضارات القديمة شهدت فى الوقت نفسه اهتماما اتسم بدرجة قصوى من رئيس البلاد – وهو كما نعرف عسكرى بالدرجة الأولى – بإظهار اهتمام واسع وعميق بالاثار المصرية القديمة وأهميتها. وهو ما تواكب مع الاهتمام بسلامة الاثار العربية القديمة فى سوريا والعراق واليمن.

•••

وتدور فى مصر فى الوقت الحاضر مناقشة عالية الرنين وذات أسلوب متميز لتاريخ مصر الفرعونى باعتباره جديرا بالاهتمام بل باعتباره ممهدا لدخول الإسلام إلى مصر الفرعونية. ويلاحظ هنا أن هذه المناقشة شدت إليها انتباه الأساتذة والدارسين للتاريخ المصرى باعتبارها مقدمة ضرورية إلى فهم هذا التاريخ. ولم ينفصل ذلك عن فهم المصريين بشكل عام لاستمرارية التاريخ المصرى من المرحلة المديدة الفرعونية إلى المرحلة «الجديدة» الإسلامية. الأمر الذى يوحى بإمكان رؤية جديدة لامتداد الحضارة الفرعونية والحضارة الإسلامية. وذلك باعتبار أن مصر تمثل أسلوبا حضاريا فى العهدين – الفرعونى والإسلامى – فمصر قد بنت حضارة لابد أن تكون قد مهدت لظهور الإسلام فيها أكثر من أن تكون قد هدمت حضارة لتبنى حضارة مختلفة. لقد استطاعت مصر أن تبقى مجتمعا متحضرا فى العهدين الفرعونى والإسلامى. وفى العهدين بقيت مصر مجتمعا متحضرا على الرغم من التغيير الذى أدخل الاسلام وحل به محل الفرعونية والمسيحية.

ويمكن أن نثق فى أن المناقشة التى بدأت أخيرا حول دور الفرعونية ودور الإسلام بعدها ستستمر لوقت طويل. ليس فقط لأنها تشغل اهتمام المصريين عامة مثقفين، وغير مثقفين، إنما لأنها تمتد مع اهتمام المصريين بمصر الفرعونية ومصر الدينية، المسيحية والإسلامية. وهذه هى مصر الحاضرة. هذه هى مصر الآن. وحينما نقول إن هذه هى مصر الآن فإننا إنما نعنى أن هذه هى مصر كما نعيشها الآن وكما نتصور أنها ستعيش لمئات وربما لآلاف السنين.

وإذا عادت مصر إلى كتابة تاريخها – كما افترضنا فى البداية – فإنها ستخوض المعركة الفكرية بين تاريخها الفرعونى وتاريخها الإسلامى. ومعنى هذا أننا سنشهد فى الفترة الطويلة القادمة مشهدا كثيرا ما خاضته مصر فى الماضى سواء فى عصرها الفرعونى أو عصرها الإسلامى.
لكن عودة مصر إلى كتابة تاريخها ستعنى أنها ستؤكد هذا التاريخ بكل جوانبه. التاريخ الفرعونى والتاريخ المسيحى والتاريخ الإسلامى. ستعنى أنها ستؤكد تواصل هذا التاريخ لا انقطاعه من عهد لآخر. ستعنى أنها ستؤكد أن لمصر تاريخا غير قابل للانقطاع، تاريخ قابل للدراسة بل يستوجب الدراسة.

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات