تغيير بسيط فى عنوان الحقيقة - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تغيير بسيط فى عنوان الحقيقة

نشر فى : الخميس 20 أغسطس 2009 - 10:14 ص | آخر تحديث : الخميس 20 أغسطس 2009 - 10:14 ص

 
أخطأ جماعة حزب الوسط ثلاث مرات، مرة لأنهم أرادوا أن يشكلوا حزبا مدنيا، والمرة الثانية لأنهم أرادوه بمرجعية وسطية إسلامية، والمرة الثالثة لأنهم ظنوا أن قرار مفوضى مجلس الدولة بتميز برنامجهم عن غيره من الأحزاب يعنى أنهم حصلوا على ضوء أخضر يضمن لهم الانتقال من الحظر إلى الإباحة.

لا أعرف إلى أى مدى فوجئوا بقرار عدم التصريح لهم للمرة الرابعة بإقامة الحزب، لكن الذى أعرفه أن الوضع الراهن فى مصر لا يريد حزبا حقيقيا، ولكنه يفضل هياكل كاريكاتورية شبيهة بالأحزاب الــ 24 المتوافرة لدينا.

وهى التى تتمتع بـ«مرونة» تسمح لها بأن تتحول عند اللزوم إلى أجنحة مساعدة للحزب الوطنى الحاكم، ثم إن حكاية الوسطية الإسلامية باتت تثير حساسية لدى أجهزة الأمن، لأن انتشار تلك الدعوة سواء من خلال الحزب أو غيره من شأنه أن يغلق دكاكين كبرى تعيش على التطرف الذى أصبح المبرر الوحيد لوجودها.

وإذا طويت صفحته فإن تلك الجهات ستصبح بلا عمل، وأشخاصا كثيرين سيبحثون عن مورد رزق آخر، هذا إذا لم يعثروا على «فزاعة» أخرى تثير قلق النظام وتقتضى الاستنفار المستمر.

أما إحسان الظن بقرار هيئة مفوضى مجلس الدولة وتوهم أن إنصافه لبرنامج الحزب يشكل وثيقة يمكن أن تحسم مصيره وتؤدى إلى إجازته، فهو تعبير عن براءة مفرطة، ودليل على أن بين الراغبين فى الاشتغال بالسياسة أناسا لم يستوعبوا بعد قواعد اللعبة السياسية فى مصر المحروسة.

ولديهم قدر من حسن النية جعلهم يصدقون بعض الأقوال الشائعة التى تدعى مثلا أن حكم القضاء هو عنوان الحقيقة، وهذه الأخيرة من بين المقولات التى رددها أهل «السلف» من رجال القانون يوما ما، ممن يدركون أن الدنيا اختلفت وأن «العنوان» فقط هو الذى تغير، فانتقل من القضاء إلى الأمن والذين قرأوا كتابات جورج أورويل ــ الأديب البريطانى ــ أقدر على استيعاب هذا التحول لأنه فى إحدى رواياته وصف وزارة الداخلية والأمن بأنها وزارة الحقيقة.

حتى بعض القضاة عندنا لا يزالون يعيشون فى ظل ذلك الوهم، فقد قرأت فى جريدة الشروق (عدد 6/8) أن محكمة القضاء الإدارى بالفيوم أمرت باعادة مدرس إلى عمله، وإلغاء قرار وزير التعليم بفصله بناء على تعليمات أمنية، بدعوى أن المدرس منضم إلى جماعة الإخوان، وجاء الحكم الذى أصدره المستشار محمد حسين خالد أن المدرس (جمعة أحمد) فوجئ بصدور قرار يمنعه من التوقيع ومن دخول المدرسة التى يعمل بها، حتى لا يختلط بالتلاميذ بدعوى (الحفاظ على الأمن العام).

وهو ما اعتبرته المحكمة عاريا عن الشرعية، فقضت بأن فصل المدرس من عمله إجراء غير قانونى، لأنه استند إلى تحريات جهات الأمن التى جاءت للتعبير عن هوى شخصى، فى حين أنه ليس فى نصوص القانون، ما يتطلب أخذ موافقة الجهات الأمنية لتعيين المواطنين فى الوظائف الحكومية. لا تسأل عن مصير الحكم، فى ظل أجواء الحرية الراهنة التى تتيح للقضاء، كما تتيح للصحافة، أن يقول ما يشاء كما أن للأمن أن يفعل ما يشاء.

هذا الكلام ليس فيه أى مزح أو مبالغة، آية ذلك أن مجلس الدولة أصدر حكما منذ شهرين بالإفراج عن 13 شخصا من الإخوان، بعد أن قضوا ثلاثة أرباع المدة (كل واحد كان عليه حكم بالسجن لمدة 3 سنوات).

ورغم أن أحكام مجلس الدولة ـ طبقا للقانون ــ نافذة المفعول وواجبة النفاذ ولا يوقف تنفيذها أى إشكال، فإن الداخلية رفضت إطلاق سراحهم، واحتالت لعدم تنفيذ الحكم، فقدمت بالمخالفة للقانون استشكالا أمام محكمة غير مختصة لمعارضة خروجهم، ولعدم اختصاص المحكمة، فإن نظر القضية تأجل، وبقى الجميع فى السجن لم يغادروه.

تحدى الأحكام القضائية بلغ ذروته حين قررت محكمة جنايات القاهرة هذا الأسبوع إطلاق سراح معتقلين من سراى المحكمة فى مقدمتهم الدكتور محمود حسين الأستاذ بكلية الهندسة، وهو ما كان يعنى أنه لا توجد بحقهم أى شبهة إدانة، والأمر الذى فاجأ الأجهزة الأمنية التى لم تكترث بالحكم، ولم تأبه به فحملت المجموعة إلى سجن طرة، فيما يعد «اختطافا» لأنهم كان ينبغى أن يعودوا إلى بيوتهم مباشرة.

هؤلاء جميعا كانوا بدورهم دعاة الإسلام الوسطى، لذلك فلم يفاجئنى قرار لجنة شئون الأحزاب رفض طلب إنشاء حزب الوسط، لأن المفاجأة الحقيقية أن وكيل مؤسسيه المهندس أبو العلا ماضى استدعى لحضور اجتماع اللجنة.

ولم يستدع إلى نيابة أمن الدولة، ثم عاد إلى بيته ولم يلحق بسابقيه إلى سجن طرة، وهى مكرمة لم يقدرها الرجل، الذى سمعته محتجا فى بعض الفضائيات، فى حين كان ينبغى عليه أن يبعث إلى «جماعتنا» ببرقية شكر. وربما كان ذلك خطأ رابعا أرجو ألا يحاسب عليه!






فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.