الوجه البرىء للشرطة - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 4:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الوجه البرىء للشرطة

نشر فى : الإثنين 21 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 21 يناير 2013 - 8:00 ص

تغرى أحوال مؤسسة الشرطة متابعيها بالتأمل، والتساؤل حول طبيعة الدور الجديد الذى سوف تلعبه، خاصة بعد تغيير وزير الداخلية، وبعد أن شهدنا عدة وقائع عنف متتالية فى الشهور الأخيرة، ربما أسهمت بشكل ما فى اختيار وزير جديد، هذا الاختيار الذى أحاطت به الشكوك، والذى أثار علامات استفهام حول ولاء الشرطة المستقبلى.

 

•••

 

أثناء خدمة الوزير السابق، وخلال فترة زمنية محدودة قد لا تتجاوز العام، تعاقبت الأحداث الجسيمة التى أسقطت قتلى وجرحى، والتى ربما كان أشدها وطأة وقسوة؛ عملية القتل المفزعة التى جرت فى ستاد بورسعيد، مخلفة صدمة كبيرة، وكان آخرها حتى لحظة كتابة هذه السطور؛ عملية الهجوم المسلح التى قادتها مجموعات دينية منظمة ومسلحة، قاصدة المحتجين أمام قصر الاتحادية الرئاسى. وقعت أحداث عنف أخرى مثل الهجوم على مقر حزب الوفد، ومحاصرة قسم الدقى، لكنها لحسن الحظ لم تنته تلك النهاية المأساوية ولم ينتج عنها قتلى. 

 

فى الحادثتين الأوليين، اتخذت الشرطة وضعية المتفرج الذى لا يحرك ساكناً؛ شاهد جمهور المنازل كيف وقف جنود الأمن المركزى يتفرجون على مذبحة بورسعيد، وكذلك فعل الضباط والجنود فى محيط قصر الاتحادية؛ فى المرتين لم تتدخل القوات الأمنية إلا فى وقت متأخر جداً وبجهد أقل بكثير من المطلوب، وفى المرتين كانت هناك حصيلة معتبرة من القتلى والجرحى. خرج وزير الداخلية «الأسبق» فى نهاية الأمر، ليؤكد أن قوات الشرطة قد التزمت الحياد، وأنها تبذل أقصى جهدها لحماية أمن المنشآت والمواطنين.

 

يضعنا هذا الأداء أمام احتمالات ثلاثة؛ أولها أن نفترض انعدام الكفاءة التام، وضحالة الفكر والتدريب فى قيادات مؤسسة الشرطة، بحيث يعجز أفرادها عن التعامل مع الأحداث بما يحفظ فعلياً حياة وأمن المواطنين، وثانيها هو أن الشرطة لم تتجاوز بعد الرغبة فى الانتقام مما نالها منذ الخامس والعشرين من يناير 2011، وأنها تريد أن يشعر هؤلاء الذين زلزلوا كبرياءها بأنهم غير قادرين على تولى أمورهم دونها، وبالتالى القبول بأساليب القمع التى تنتهجها واستعطافها للعودة إلى سابق العهد، وثالث تلك الاحتمالات هو وجود حالة من التخبط وعدم الوضوح، فيما يتعلق بالدور الأساسى لمؤسسة الشرطة، وولاءها، حيث يمكن تصور أن الشرطة لا تزال فى حالة ترقب، وأنها قد تختار الانحياز إلى الطرف الأقوى أيا ما كان، ذلك الطرف الذى سوف يضمن لقياداتها الاحتفاظ بالنفوذ والسلطة والامتيازات، ومن ثم فإنها تفسح المجال للمتصارعين وتترك الفرصة ليحقق أحد الأطراف الفوز بوسائله الخاصة دون تدخل منها، وبما يكفل عدم توجيه اللوم إليها مرة أخرى واتهامها بممارسة العنف والقمع، فيما تحتفظ على وجهها بسيماء البراءة.

 

•••

 

لا يخرج دور الشرطة فى كل الأحوال عن حفظ الأمن فى المجتمع وحماية سلامة الأفراد، لكن مرور سنوات طويلة قضاها أفراد الأمن بعقيدة وثقافة معينة، يبدو أنه جعل التغيير عسيراً، فقد اقتصر دور الشرطة فى تلك السنوات على تقديم فروض الولاء والحماية للنظام الحاكم ورموزه فقط، ثم حدث شرخ كبير فى تلك المنظومة، ولم يعد واضحاً إن كان النظام الجديد سوف يسير على نفس المنوال ومِن ثَمَّ يمكن التحالف معه، ونقل فروض الولاء والطاعة والحماية إليه، أم أن الأمور قد تغيرت بالفعل، ومِن ثَمَّ يجدر انتهاج سلوك جديد، ولا يمكن بالطبع فى هذا الإطار، استبعاد وجود صراع داخلى على الرضاء بالتبعية للنظام الحالى الذى قد لا يلقى التعاطف أو القبول من بعض قطاعات الشرطة وقياداتها.

 

•••

 

أظن أن جهاز الشرطة فى غِنَى هذه اللحظة تحديداً عن إعادة اختبار قوته، ووضعها فى مواجهة الشعب من جديد، كما أن ادعاءات الوقوف على الحياد مرة أخرى وبعد أن أتى النظام الحاكم بوزير يحسب عليه، لن تكون مثمرة، فالناس الذين نزلوا إلى الشوارع وسقطوا مصابين بالرصاص على الهواء مباشرة، لن يصدقوا أبداً أن هذا الوجه المسالم ظاهرياً، هو بالفعل برىء من دمائهم، وسواء كان هذا الاحتمال أو ذاك هو الأقرب إلى الواقع، فإن الاستنتاج النهائى هو أن وزارة الداخلية مازالت فى أمس الحاجة إلى عملية مراجعة شاملة؛ مراجعة للمبادئ التى تنتهجها، والعقيدة التى تزرعها فى أفرادها، وكذلك مراجعة للآليات والأدوات التى تستخدمها وتعمل من خلالها، وعلى رأس كل ما سبق هى فى حاجة إلى قيادات تملك رؤية مختلفة أكثر اتساعاً وإنسانية.

 

 

 

 طبيبة وكاتبة

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات