خَــــــطْوَة - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خَــــــطْوَة

نشر فى : الجمعة 21 يناير 2022 - 10:20 م | آخر تحديث : الجمعة 21 يناير 2022 - 10:20 م

جرَّبت من قبيل التفكُّه وَصفةً لعملِ نوع من أنواع البسكويت، لم يكُن عندي أملٌ كبيرٌ في النجاح؛ إذ أعرف مقدارَ مهارتي في عالمِ الطهو، وأدرك جيدًا أسبابَ فشلي الذي يتكرر. اعتدت أن أسبقَ مرحلة الإعدادات إلى النهايات؛ أقفز على الخطواتِ المُتراتبة، وأسارع بالانتقالِ من واحدةٍ لأخرى قبل إتمامِها، وأحيانًا ما أضيف من بناتِ أفكاري ما أتصوره ابتكارًا حميدًا. أعاهد نفسيَ على الالتزام بكل خَطوة؛ لكني سرعان ما أنحرف دون مقاوَمة تُذكَر، والنتيجةُ حتمًا معروفة؛ تأخذ طريقَها فورًا إلى سلَّة القمامة.
• • •
الخَطْوة اسم مرة من الفعلِ خطا، وهي المسافةُ التي يقطعها المرءُ بقدَمٍ مُتقدمة على الأخرى، ثمَّة خطوةٌ سريعةٌ تُعرَف بالهرولةِ؛ وتشير إلى مرحلةٍ ما بين السير والعدو، يستخدمها الواحد منا في حالِ تأخره عن مَوْعد، أو معرفته بوقوعِ حدثٍ جَلل يتطلبُ سرعةَ التدخُّل. أحيانًا ما تكون الخَطْوةُ مجازيةً، وأحيانًا ما تُعرِب فقط عن المعنى الحرفيّ.
• • •
من الخُطى المَجازية ما لا يُعَد ولا يُحصى؛ ثمَّة خطوةٌ مترددة، وأخرى واثقة، كما أن هناك خطوةً جريئةً تعبر الحواجز، وخطوةً مُوفَّقة سديدة تأتي في محلِّها. لا يُمكن أيضًا إغفالُ الخطوةِ الواسعة التي تكني تحقيقَ إنجازٍ ما؛ ترقّي في مجالِ عملٍ وَعر أو تقدُّم في دراسة صعبة مُرهِقة أو تتويج لشراكةٍ عاطفيةٍ مُلهِمة. على الدرب ذاته تأتي الخطوةُ المُؤثرة التي تغيِّر وتبدِّل وتترك بصمةً؛ وتكون في أغلب الأحوال سابقةَ الإعداد، مدروسةً؛ لا تزيد عما هو مُقدَّر لها ولا تنقُص.
• • •
إذا اتخذ المرءُ خطوةً إلى الخلف؛ فقد تراجع عن أمرٍ انتواه، وإذا نصح واحدٌ آخرَ بأن يمضي في طريقِه خطوةً خطوة؛ فالمُراد التأني في تنفيذ ما يهم به، إذ قد يهدم التسرعُ ما بنى، وقد يأتي بنتائج مُعاكسة، ولا شكَّ أن المرءَ ما انطلق يعدو؛ غابت عنه بعضُ مَعالمِ الدرب وسقطت منه التفاصيلُ، أما إذا تروَّى؛ فقد ملك الزمامَ، وجمع من المعلومات ما يُتيح له المُضيَ على أرض أكثر صلابةً ووضوحًا.
• • •
إذا قيل خطوة عزيزة؛ فتعبير رقيقٌ يستخدمه المُضِيفُ إذ يرحِّب بضيفه. الخطوةُ التي قادت الزائرَ إلى محلِّ الزيارة مُقدَّرة مُثمنة، والودّ حاضر بين الطرفين، والمسافة التي يُرمَز لها بالخطوةِ تحمل وقعًا مُحببًا مرغوبًا.
• • •
إذا خطى الطفلُ خطوتَه الأولى؛ كان ذاك يومَ عيد يتحاكى به أفراد العائلة ويحتفلون، وفي عقود خلت؛ حين كانت الصدورُ أرفقَ والحياةُ أقلَّ ضغطًا وكآبة، اعتاد الناسُ أن يغترفوا من الموروثَ الغنائيَّ وأن يردِّدوا في حبور: تاتا خطي العتبة، والظن أن العتبةَ المعنيةَ لا تقتصر على ما حوى البيتُ بين جنباته، بل عتبة أكثر اتساعًا؛ تقود الطفلَ إلى فضاءاتٍ شاسعة ومساحات أرحب، ولعل الضيقَ الذي صار إليه سكانُ الأرض قد ترك أثرَه؛ فلم يعد الاحتفاءُ بأول خطوةٍ وكلمةٍ وابتسامةٍ، بارزًا كما كان. على كل حال؛ البشر من أضعفِ المَخلوقات حركةً عند مولدها، فالحصان يستغرق ساعاتٍ كي يثبت على سيقانه ويتخذ أولى خطواتِه بل ويتمكن من الركضِ خلال أيام، أما الإنسان فعام أو بعض عام، يخطو مُتسندًا ويسقط مرات فما إن يشبّ ويمضي ليشقَّ الحياة؛ تدعو الأم التي لا تعدم سببًا للدعاء: يجعل لك في كلِّ خطوةٍ سلامة.
• • •
المشيُ رياضةٌ قائمةٌ بذاتها، ولها مُنافسات احترافية كُبرى تقوم على قواعد مُحدَّدة يتقنها المشاؤون، فالخطوةُ الواحدةُ مَحسوبة، والقاعدةُ الأساسية أن تكون إحدى القدمين على اتصال بالأرض عند أي لحظة، فإذا اختل الشرطُ وإن عفوًا، وتغير شكلُ الخَطْوة؛ استُبِعَد المشَّاءَ من مضمار السباق؛ حيث الخطأ ليس بمُغتفَر.
• • •
خطواتُ لعبة الشطرنج مَعروفة، وكثير خُططِه مَحفوظة؛ وأبطاله ملو السمع والبصر في عالمٍ أشبه بالرقعة التي تضمُّ مربعاتُها ملوكًا وعساكر وبيارق. رغم طول الوقت الذي قد تستغرقه المباراة؛ فخطوة واحدة ماكرة، قادرة على إنهاءِ المعركة وحسم المصائر.
• • •
درجنا في سنوات الدراسة على اتباع منهاجٍ مُحدَّد لحلِّ مَسائل الرياضة والفيزياء. لا تهم النتيجةُ بقدر ما تهمّ كل خطوة يكتبها الطالبُ؛ فالواقع أنها تشير إلى أسلوب تفكيره، وقدرته على التنظيم والاستنباط، أما النهاية فمحض تتويج لسلسلةٍ من العملِ الجاد.
• • •
بعيدًا عن الحسابات والعلم؛ ثمّة أشخاصٌ خلع عليهم الناسُ قدرات خارقة، تتلخص في قَطعِ مسافاتٍ مهولة بخطوةٍ واحدةٍ. يُدعى هؤلاء ”أهلُ الخطوة“، وهم ينتقلون حسب الروايات من قرية إلى أخرى ومن مَركز إلى بَلدة إلى مدينة؛ قاطعين الحدود في لمح البصر، عابرين التُرعَ والأنهارَ، متجاوزين الجبالَ والوِديان، بل ويراهم المؤمنون بمعجزاتهم وكراماتهم في مكانين متنائيين، تفصلهما آلاف الأميال في اللحظة ذاتها.
• • •
خطوةٌ ذكيةٌ وأخرى تتَّسم بتواضع العقل؛ كلتاهما ذات وقع لا يُنكَر على حَلبةِ السياسة، ما إن يتحرك اللاعبون حتى تُحتَسَب النقاطُ وما إن يخطو الواحد منهم خطوةً حتى يتلقى الرد، أما المتفرجون فخطواتهم آجلة؛ لكنها حتمًا تترك آثارًا غائرة.

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات