الوطن العربى ومخاطر الطائفية - وليد محمود عبد الناصر - بوابة الشروق
الخميس 22 مايو 2025 4:21 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الوطن العربى ومخاطر الطائفية

نشر فى : الأربعاء 21 مايو 2025 - 9:25 م | آخر تحديث : الأربعاء 21 مايو 2025 - 9:25 م

يدفعنا التأمل فى تطورات دارت فى سياق المشهد السياسى الداخلى السورى منذ سقوط نظام الرئيس السورى السابق بشار الأسد فى ديسمبر 2024، خاصة انطلاق حالات عنف تجاه أبناء أقليات، سواء مذهبية أو عرقية، داخل سوريا، سواء تم ذلك تحت شعار «الثأر» و«الانتقام» من معاناة فى عهد النظام السابق، مثلما حاول البعض إيجاد مبررات للعنف ضد «العلويين»، أو جاء ذلك فى إطار تحريض ثم استجابات لذلك التحريض من منطلقات تكفيرية أو تخوينية ضد أقليات مذهبية، مثل العلويين والدروز والإسماعيليين، أو حدث الشحن والتعبئة تحت شعار الحفاظ على وحدة أراضى الدولة، كما هو الحال تجاه الأكراد، يدفعنا كل ذلك إلى التوقف والبحث بجدية فى مضمون ودلالات هذه التطورات وكذلك السعى لتصور ما يمكن أن تئول إليه الأمور إذا ما استمر المسار الحالى على نهج التصعيد من هذا الجانب أو ذاك، ليس فقط بالنسبة لسوريا بل بالنسبة للوطن العربى ككل، وبلدان الشام والهلال الخصيب على وجه الخصوص فى المرحلة المقبلة.
وبدايةً دعونا نتفق على أن مخططات التفتيت الطائفى كانت دائمًا حاضرة فى أذهان كل القوى التى سعت لاستعمار الوطن العربى قديمًا وحديثًا أو للهيمنة على مقدراته والسيطرة على عملية صنع القرار ببلدانه، وذلك ما شهدناه على سبيل المثال لا الحصر مع عصر الحملات الصليبية ثم غزو التتار، وفى التاريخ الحديث تكرر الأمر نفسه مع الموجات المتلاحقة للاستعمار الأوروبى، ثم من جانب بعض الدول غير العربية الواقعة فى منطقة الشرق الأوسط ومن جانب قوى دولية كبرى، سعت ولا تزال للسيطرة على الوطن العربى وثرواته وتوجيه الأمور فيه بما يخدم مصالحها، وبالتالى فكل هؤلاء يسعون بالتأكيد لمنع عوامل التكامل أو التقارب داخل الوطن العربى وداخل كل قطر من أقطاره لأن ذلك لا يصب فى خدمة مصالحهم وأهدافهم.
وبالتالى، فإنه يتعين التصدى، سواء من منطلق وطنى أو قومى عربى أو حضارى إسلامى، لأى دعوة، أيًا كانت مبرراتها، للانسياق وراء نمط من التحريض التخوينى أو التكفيرى ضد أى طائفة تمثل جزءًا أصيلًا وثابتًا من النسيج الوطنى لأى دولة عربية ولها إسهام تاريخى لا ينسى فى تطور الحضارة العربية الإسلامية على مدار التاريخ باعتبار هذه الطوائف جزءا لا يتجزأ من مجتمعاتها وأسهمت فى مراحل نهضتها ودافعت عن أوطانها وقت تعرضت للغزوات الخارجية والاحتلال الأجنبى ورفضت فى مناسبات تاريخية كثيرة سابقة الانصياع لتلويح قوى إقليمية أو دولية معادية للعرب بأن توفر لها الحماية فى مواجهة شركائها فى الوطن والتاريخ والثقافة الاجتماعية والعادات والتقاليد والمصلحة والمصير.
وبالرغم من أن تلك الطوائف رفضت فى مجملها على مر التاريخ أن تكون مطية لقوى إقليمية أو دولية تود استخدامها كرأس جسر لتحقيق التشرذم الداخلى داخل الوطن العربى ككل أو داخل بعض أقطاره، ورفضت أن تلعب دور الطابور الخامس لتنفيذ أو خدمة مخططات تلك القوى والمساس بوحدة أراضى بلدانها وسلامة أراضيها، إلا أنه يجب التحلى بالواقعية وتصور أنه إذا شعرت تلك الطوائف بأن وجودها فى حد ذاته مستهدف من جانب فئات أو تيارات داخل المجتمعات العربية ذات الأغلبية العربية والسنية المسلمة، وأن بقاءها حية فى الوجود صار يتعرض للتهديد فإنه لا يجب استبعاد أن تتعلق بأى قشة يلقيها لها طرف أجنبى لضمان استمرار وجودها وحياتها.
ولا يجب نسيان أن بعض تلك الطوائف عندما تعرضت لهجمات وتحريض من بعض الحكومات والقوى داخل الوطن العربى على أسس قومية عربية، التى لم تتسم آنذاك بعمق الوعى ولا بعد النظر ولا اتساع الأفق، فى عقود سابقة شهدت بزوغ الفكر والحركة القومية العربية، فإن بعض مكوناتها تصادقت، بل وفى حالات بعينها تحالفت، مع قوى إقليمية ودولية معادية للمصالح العربية، ولا يجب السماح بتكرار ذلك المشهد، ولكن هذه المرة يأتى خطر تكراره من جانب من يطرح العداء لتلك الطوائف من بعض المنطلقات السلفية أو الأصولية أو الجهادية السنية الإسلامية، التى تتسم أيضًا بضيق الأفق والنظر وبالابتعاد عن صحيح وجوهر الإسلام الشامل بمعناه الحضارى والذى ساهم فى نهضته أقليات غير إسلامية وبالتأكيد أقليات مذهبية أو لغوية غير سنية وغير عربية، على مدار عصور ازدهاره وفى أوج مجده.
وبالتالى فإن هناك مسئوليات جسام تقع على عاتق العديد من الأطراف فى هذه المرحلة الهامة شديدة الحساسية والتعقيد التى توجد بها من المؤشرات ما ينذر بإمكان انزلاق سوريا، وربما يتلوها مباشرة بلدان عربية أخرى، خاصة فى منطقة الشرق الأوسط، على الأقل فى المرحلة القريبة القادمة، إلى مستنقع الصراعات الطائفية التى لن يكون هناك رابح من ورائها من جانب أى طرف عربى أو غير عربى ممن يساهم فى تكوين النسيج الوطنى للبلدان العربية ومن ثم يشكل عماد الوطن العربى ككل، بمن فى ذلك بالطبع من هم من غير العرب أو من غير المسلمين، بل سيكون الرابح الأول منها هى تلك الأطراف الإقليمية والدولية التى لا تضمر خيرًا لمستقبل البلدان العربية وشعوبها من العرب وغير العرب ومن المسلمين وغير المسلمين، سواء كدول منفردة أو بشكل جماعى كوطن عربى.
وعلى الجانب العربى، فإن الحكومات، بدءًا بالطبع بالسلطات السورية وحكومات البلدان المجاورة فى منطقة المشرق العربى فى آسيا التى لدى كل منها أيضًا تعدد فى الطوائف ما بين دينية أو قومية أو عرقية أو مذهبية ــ ولغوية، وبعضها يتداخل بدرجة أو بأخرى مع الطوائف المتواجدة فى سوريا، عليها مسئولية تبنى السياسات واتخاذ الإجراءات وإصدار التصريحات التى توجه رسائل طمأنة واضحة لكل الطوائف أنها تمثل جزءًا لا يتجزأ من تكوين تلك البلدان وشعوبها وتاريخها وعطائها الحضارى وثقافتها وحاضرها ومستقبلها ومصيرها.
وسوف يكون من الهام أن تتضمن التطمينات التى أشرنا إليها فى الفقرة السابقة إجراءات أمنية جادة لتوفير الأمن لتلك الطوائف والحفاظ على حياة أبنائها وأعراضهم وممتلكاتهم كمواطنين متساوون فى الحقوق والواجبات مع بقية مواطنى سوريا والبلدان العربية الأخرى المعنية، ويرتبط بذلك أهمية تطبيق القانون على الجميع وعدم التهاون مع من يرتكب، سواء بشكل فردى أو جماعى، اعتداءات على المواطنين من أبناء تلك الطوائف أو يهدد حياتهم تحت أى مسمى، على أن يتزامن مع ذلك إخلاء سوريا والبلدان المجاورة لها من المسلحين من غير أبناء تلك البلدان الذين تكاثر عددهم منذ انتهاء الحروب فى أفغانستان والبوسنة وغيرها مما كان يتم تجنيد أبناء جنسيات كثيرة ومختلفة للقتال فيها تحت رايات دينية جهادية، وانتقل الميدان إلى بلاد الشام والهلال الخصيب فى أعقاب الغزو الأمريكى للعراق عام 2003 وما أدى إليه من فوضى وغياب سلطة لبعض الوقت، وتكاثر عددهم على خلفية بعض التطورات التى طرأت فى سوريا بشكل خاص خلال ما سمى بـ «الربيع العربى» عام 2011 وما تلاه من اقتتال أهلى فى ذلك البلد العربى الحبيب.
ويجب أن يتواكب مع ذلك إطلاق حوار وطنى موسع لا يستبعد ولا يهمش أى طرف إلا من يستخدم العنف والسلاح ضد جزء آخر من أبناء وطنه، وإطلاق مثل هذه الحوارات هى بالتأكيد مسئولية أساسية للحكومات بحيث يعبر كل طرف مشارك عن مخاوفه ومصادر قلقه وعن مطالبه وتطلعاته وآماله والأرضية التى يقف عليها، مما يزيد اللحمة الوطنية وينهى أى خلافات بين أبناء الوطن الواحد بشكل سلمى وحضارى وديمقراطى. ولكن مسئولية الحوارات الوطنية لا تقف عند حدود الحكومات بل يجب أن يلعب فيها المثقفون العرب، وليس فقط السوريون، دورًا محوريًا، ومعهم وسائل الإعلام، سواء التقليدية أو الجديدة، وذلك لدعمها والترويج لها وضمان فاعليتها، وجدية مضمونها ونتائجها، بما يتوافق مع نموذج الدولة الوطنية الجامعة التى تحفظ لكل أبنائها حقوقهم على أساس المواطنة وبغض النظر عن الانتماء الدينى أو العرقى أو القومى أو المذهبى أو اللغوى أو الجهوى لكل منهم.

وليد محمود عبد الناصر مفكر وكاتب مصرى
التعليقات