ليس شرفًا أن تعترف عواصم «طبخ الانقلابات» بثورتنا - أميمة كمال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 5:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ليس شرفًا أن تعترف عواصم «طبخ الانقلابات» بثورتنا

نشر فى : الأحد 21 يوليه 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 21 يوليه 2013 - 8:00 ص

لا أعرف ما إذا كان وفد رجال الأعمال المصريين أعضاء الغرفة الأمريكية والذى غادر إلى الولايات المتحدة فى زيارة «إقناعية» قد عاد إلى أرض الوطن مكللا بالنجاح. أم أن الوفد مازال لديه ما يقدمه للإدارة الأمريكية حتى تقتنع أن ملايين المصريين قد قرروا أن يصنعوا مستقبلا مغايرا لهذا الوطن. وإن هذا المستقبل المغاير اسمه ثورة.

ولا يبدو الأمر يسيرا لكى نعرف ماذا همس به السيد ويليام بيرنز مساعد وزير الخارجية الأمريكى فى أذن رئيسه جون كيرى عن نتائج زيارته «الإقناعية» مع كل الرءوس الكبيرة فى مصر. وهل وجدها ثورة أم انقلابا؟

ومازال الوقت مبكرا أن نعرف ما إذا كانت السيدة كاترين آشتون، الممثل الأعلى للاتحاد الأوربى للسياسة الخارجية، عندما وصلت بلدها عائدة من القاهرة بعد زيارة «اقناعية» سوف تكتب فى تقريرها لوزراء الاتحاد الأوربى بأن ما يصنعه جموع المصريين على أرضهم هو ثورة أم انقلاب. ولكن ما أعرفه جيدا أن انتفاضات الشعوب تحصل على اللقب بكونها ثورات من أهلها. فعندما يصر الناس على أن ما فعلوه سوف يخلق حتما حياة أفضل، ومستقبلا مغايرا تماما لما ثاروا عليه من واقع ظالم، عندها فقط تكون الانتفاضة ثورة. أما إذا رضوا بنفس الواقع الذى انتفضوا ضده، فلا تكون انتفاضتهم ثورة، حتى لو حصلوا على شهادات من كل الكرة الأرضية.

 لذلك فعلى العائدين والمغادرين فى رحلات «إقناعية» أن يكفوا عن اقناع الآخرين بأن مصر تعيش حالة ثورية، وأن عزل الرئيس وأهله وعشيرته، الذين وقفوا فى وجه تقدمه ونهضته الحقيقية هو جانب من تلك الحالة الثورية. حتى لو جاء الهدف مطابقا مرحليا لرغبة المؤسسة العسكرية فى إعادة سيطرتها على الساحة. لا تقنعوا الآخرين بثورة مصر، فالثورة تعلن عن نفسها.

●●●

والسؤال ماذا سيكون رأى الإدارة الأمريكية أو مسئولى الاتحاد الأوربى إذا ما أتخذت الحكومة الحالية قرارا بفتح الباب لبيع كل ما تبقى من شركات قطاع الأعمال العام لكبرى الشركات العالمية. أو تجرأت وطرحت السكك الحديدية فى مصر للخصخصة، أو أعلنت عن طرح مرفق مياه الشرب، بل وكل البنية التحتية فى كل المحافظات للاستثمار الأجنبى. ألا يجد ذلك تجاوبا من الإدارة الأمريكية، وداخل اروقة الاتحاد الأوربى. بل وليس من المستبعد أن يسارع كل طرف منهما للإعلان عن مساندته لتلك الثورة، ودعمه لقادتها.

ألا يثلج صدر السيدة آشتون لو أعلنت الحكومة الحالية عن نيتها التصالح مع كل المستثمرين الأجانب والعرب الذين اشتروا شركات قطاع الأعمال فى سنوات مبارك بتراب الفلوس، مع أن البيع فى حالات عديدة منها تم عبر عمليات فساد ممنهج بين المستثمرين وبعض الوزراء وكبار المسئولين طبقا لأحكام قضائية نهائية، وهو ما يستوجب المحاسبة؟

وهل ستعتبر السيدة أشتون أو السيد بيرنز أن ما يحدث فى مصر انقلاب لو أن الحكومة الحالية قد قررت أن تتصالح مع رجل الأعمال حسين سالم وتعفو عنه، وأن تستأنف تصدير الغاز مرة أخرى لإسرائيل، بنفس الأسعار المضحكة التى ظللنا نصدر بها أيام الرئيس المخلوع. أو اتخذت إجراءات تزيد بها من عمق العلاقات التجارية مع إسرائيل. أم أنه فى هذه الحالة ستعتمدها ثورة؟

●●●

وماذا لو قررت الحكومة الحالية أن تستولى على المصانع المغلقة والتى هرب أصحابها بعد أن حصلوا على ملايين الجنيهات من البنوك، وأعادت تشغيلها لصالح العمال. أو تفرض حدا أقصى لتملك الأراضى الزراعية للشركات الكبرى. هل ستعتبر المسئولة الأوربية أو المسئول الأمريكى أن مايحدث فى هذه الحالة ثورة، أم سيختلط عليهما الأمر؟

وماذا لو نجح بعض الوزراء فى الحكومة الجديدة فى تمرير تعديل على قانون العمل يغل يد رجال الأعمال المصريين والأجانب عن فصل العمال، أو أن يمنح القانون مزيدا من الضمانات التى تلزم المستثمرين بصرف 10% من الأرباح للعمال جبرا. هل سيصب هذا فى ميزان حسنات الثورة، أم سيكون شهادة إثبات بأن ماحدث انقلابا؟

وهل ستتهلل السيدة آشتون وتنفرج أساريرها لو نجحت الحكومة الحالية فى إجبار رجال الأعمال على تطبيق حد أدنى للأجور داخل القطاع الخاص مثل القطاع العام والحكومى، أو فى صدور قانون للحريات النقابية يلزم كل صاحب عمل بالموافقة على إنشاء نقابة عمالية داخل منشآته للدفاع عن حقوق العاملين. وهو الأمر الذى ظل مرفوضا من رجال الأعمال المصريين منذ أن كان اتحاد الصناعات يرأسه إسماعيل صدقى فى القرن الماضى، وحتى جلال زوربا فى القرن الحالى. وكيف سيتقبل المسئولون فى عواصم طبخ الانقلابات قرارا تتخذه الحكومة الحالية بإلغاء قانون تجريم الاحتجاجات والاعتصامات، الذى اصدره المجلس العسكرى، وقت أن اعترفت كل القوى الغربية بأن ما يحدث فى مصر هو ثورة بامتياز؟

وماذا لو اصدرت الحكومة قرارا بفرض ضرائب على الملايين التى يحققها المستثمرون المصريون والأجانب كأرباح من تعاملاتهم فى البورصة، أو نتيجة لعمليات الاستحواذ التى تصل بالمليارات، أو لو فرضت قيودا على تحويل الأرباح للخارج بالنسبة للأموال الساخنة التى تضارب فى البورصة. أو أجبرت المستثمرين الأجانب على إعادة استثمار جزء من أرباحهم داخل مصر مرة أخرى مثل ما تفعله الجزائر. أو لو مست الحكومة بعض المزايا التى حصل عليها أغنياء هذا البلد.

●●●

وهل سيعتبر أصدقاؤنا فى الخارج ما يحدث فى مصر ثورة لو أن الحكومة رأت من أجل تخفيف الضغط على الدولار ولحماية الجنيه أن تمنع استيراد بعض السلع الكمالية من امريكا او بعض الدول الأوربية. أو أن ترفع قيمة الرسوم الجمركية على استيراد بعض السلع الاستهلاكية والتى استوردنا منها  13.4 مليار دولار فى العام الماضى وحده. أو لو قررت بناء صروح جديدة من شركات القطاع العام أو أخذ تجربة التعاونيات مأخذ الجد من أجل إنتاج السلع التى يحتكرها بعض رجال الأعمال المصريين والأجانب من أجل تخفيض أسعار بيعها فى السوق المحلية. لو فعلت الحكومة (وهى لن تفعل) بعضا من هذه القرارات لهتف الملايين أنها «الثورة» ولصرخ السادة والسيدات فى أوروبا وأمريكا أنه «الانقلاب».

فليس شرفا كبيرا أن تعترف عواصم طبخ الانقلابات بثورتنا. يكفى أن نصدق نحن.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات