مستقبل سوريا فى رأى مؤسسة «راند» - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الأحد 3 نوفمبر 2024 10:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مستقبل سوريا فى رأى مؤسسة «راند»

نشر فى : الجمعة 21 نوفمبر 2014 - 8:25 ص | آخر تحديث : الجمعة 21 نوفمبر 2014 - 8:25 ص

خرجت مؤسسة راند RAND للوجود من رحم الحرب العالمية الثانية، وتقدم منذ ذلك الوقت الاستشارات والنصح للكثير من الشركات الخاصة وللحكومة الأمريكية، وحكومات أجنبية أخرى فى قضايا متنوعة ومتشعبة، ابتداء من سياسات الصحة العامة وصولا للتصدى للقضايا الأمنية وتهديدات الإرهاب الدولى. واشتقت «راند» اسمها من «البحوث والتنمية Research and Development «، وقد تأسست عام 1948 على يد مجموعة صغيرة العدد من خبراء مؤسسة دوجلاس للصناعات العسكرية، وأدركت هذه المجوعة، بإلهام من دروس الحرب العالمية الثانية، أن استمرار السلام العالمى أمر غير مضمون، وأن على من يدعمون السلام أن يعملوا دون كلل أو ملل لتعزيز هذا المسعى بالحفاظ على مستوى متوفق من القدرة العسكرية. ومنذ نشأتها يتساءل كثيرون من المراقبين عن علاقتها بالبنتاجون والاجهزة الاستخباراتية الأمريكية.

•••

وخرج عن راند قبل نهاية الشهر الماضى تقريرا هاما حول الشأن السورى ركز على ديناميكيات الحرب الأهلية من خلال تتبع مسارات محددة، وانتهى بعرض سيناريوهات مستقبلية أربعة.

ويرى التقرير أن نظام بشار الأسد لدية القدرة على استمرار السيطرة على ما يعرف تاريخيا بالساحل ودمشق، وهى بالأساس المناطق الخاضعة لسيطرته حاليا. ويساعده فى ذلك اعتماده المطلق على نخبة قتالية من العلويين لديها قوة تسليحية مميزة مقارنه ببقية الجيش السورى، ومقارنة بمستوى تسليح كل القوى العسكرية المعارضة. ولا يعتبر التقرير أن الضغط على نظام الأسد للتخلص من ترسانة الاسلحة الكيميائية الكبيرة التى أمتلكها من قبل تعنى قرب انتهاء القتال، أو تعنى أضعاف قدرات نظامه العسكرية. فتسليم الأسلحة الكيميائية لأطراف خارجية خلال الأسابيع الأخيرة لا يعنى قرب سقوط نظام الأسد أو تمتع خصومه بأى تفوق قتالى. إلا أنه من الصعوبة بمكان كذلك القضاء عسكريا على القوى المعارضة للأسد. فالمعارضة المسلحة تعكس موزاييك غريبا لميليشيات تتلقى الدعم من عدة نظم حكم عربية وغير عربية، أو جماعات خارج منظومة الدول، ولكل منها مصالحها الخاصة والمتضادة فى أغلب الأحيان.

ويتوقع التقرير أن يزداد نفوذ القوى المتشددة بين أوساط المعارضة المسلحة المختلفة. فمن خلال تجنيد المزيد من المقاتلين الأجانب واستمرار تمكنهم من الوصول لساحات القتال السورية، سيعد ذلك كله بمثابة عناصر دفع ايجابية لدولة الخلافة الإسلامية مقارنة بمنافسيها من أعداء نظام الأسد. ولطالما أستمر أمد القتال، زاد القلق من سيطرة تنظيم داعش أو جماعات متطرفة مثل القاعدة واتباعها على ساحة المعارضة فى الوقت الذى لا يبدو أن القوى المعتدلة المعارضة سيكون لها أى حظوظ فى المستقبل. ويستبعد التقرير حدوث أى تطورات دراماتيكية تغير من توازن القوى على الأرض، إلا أن الاستثناء يبقى حالة حدوث مفاجأة تدفع القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة للتدخل المباشر فى سوريا عسكريا وعلى الأرض.

ويؤكد التقرير أن للصراع فى سوريا تأثيرات خطيرة تتعدى حدود هذه الدولة. فالجهات الداعمة لنظام الأسد مثل روسيا وإيران وحزب الله أنما يدعمونه خدمة لمصالحهم الخاصة. ومن أهم التأثيرات الإقليمية المستقبلية المزعجة يتمثل فى عودة الكثير من المقاتلين الأجانب لبلادهم، وهو ما يهدد بزيادة احتمال وقع عمليات إرهابية فى عدد من الدول.

•••

فى نهاية تقريرها خلصت راند إلى أربع سيناريوهات لن يخرج المستقبل السورى بعيدا عنها، وهذه السيناريوهات الأربعة تبدأ من صراع طويل الأمد بين دويلات سورية صغيرة. وتعكس هذه الرؤية استمرار الوضع القائم، ونشأة عدة دويلات تعمل بشكل شبه ذاتى فى مختلف أرجاء سوريا، منها دول علوية يديرها الأسد، ودولة كردية فى شمال شرق سوريا، ودولة إسلامية معتدلة تسيطر على المنطقة الواقعة بين ضواحى دمشق والحدود الإسرائيلية، ودولة الخلافة داعش وتمتد من حلب إلى الحدود العراقية.

ثانى هذه السيناريوهات يتخيل انتصار الأسد. وهنا لن يعنى النصر اختفاء المخاطر والتهديدات لنظام الأسد. ثالث السيناريوهات يفترض هزيمة نظام الأسد وانهياره. إلا أن التقرير يرصد أن مثل هذا السيناريو سيستغرق وقتا طويلا، ولن يتثنى له النجاح إلا عندما يحصل المعارضين على أسلحة أكثر تطورا، مثل الصواريخ المحمولة المضادة للطائرات. وسيعنى سقوط الأسد استمرار العنف بين مختلف الفصائل المعارضة المسلحة، مع بروز تنظيم داعش باعتباره أحد أقوى هذه الفرق المعارضة.

أما رابع السيناريوهات فيتخيل حدوث تسوية تفاوضية رغم أنها أقل هذه السيناريوهات قابلية للحدوث. إن هذه النتيجة تعتمد على استئناف محادثات السلام المتوقفة حاليا، وإنشاء حكومة شاملة وغير طائفية فى سوريا تتألف من أعضاء نظام الأسد وأعضاء من مختلف الفصائل المتمردة. وفى جميع الاحتمالات، فإن التسوية سوف تنص على إيجاد ممر آمن لخروج الأسد وعائلته من سوريا، وهو ما سيتطلب وجود دولة مضيفة تقدم له حق اللجوء. كما إن هذه التسوية سوف تعنى خلق حكومة وحدة وطنية جديدة يصاحبها تشكيل جيش جديد يشارك فيه السنة على أعلى المستويات. وسيكون من شأن هذا الجيش لاحقا أن ينقلب ضد داعش وجبهة النصرة.

•••

فى النهاية يبقى أن المعضلة السورية إلى زاد تعقيدها وتفاعلاتها بما أصبحت معه المشكلة الأساسية لا تتمثل فى بقاء أو اختفاء نظام الرئيس بشار الأسد من السلطة. اليوم وبعد ثلاث سنوات من القتال، وبعد تدخلات غير مسبوقة من أطراف متعددة فى سوريا، اهتزت الدولة وأهتز نسيج سوريا العرقى والطائفى والقومى بما أصبح معه تخيل بقاء خريطة سوريا الحالية فى المستقبل المنظور شيئا من محض الخيال.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات