ديترويت ٢٠١٥.. الحكاية والفصل الأخير - أحمد بهاء الدين - بوابة الشروق
الإثنين 17 يونيو 2024 4:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ديترويت ٢٠١٥.. الحكاية والفصل الأخير

نشر فى : الخميس 22 يناير 2015 - 11:20 ص | آخر تحديث : الخميس 22 يناير 2015 - 11:20 ص

أجبرنا معرض ديترويت هذا العام على متابعة فعالياته، بشكل أو بآخر نجح فى إعلان عودة الشركات الأمريكية للمنافسة الحقيقية فى السباق التقنى التى تشهده صناعة السيارات العالمية، بعد سنوات طويلة من التراجع، ربما يعتقد البعض أن بدايتها كانت خلال الأزمة الاقتصادية العالمية ولكن الحقيقية أن الأزمة كانت الجزء الأخير من تلك القصة، فتراجع الشركات الأمريكية بدأ من منذ فترة طويلة جدا، ربما منتصف التسعينيات.

كانت السوق الأمريكية وقتها هى الأكبر عالميا من حيث حجم المبيعات، وكانت بطبيعة الحال مطمع لجميع شركات السيارات فى أوروبا وآسيا، الثمانينيات شهدت ظهور الشركات الآسيوية بقوة فى الأسواق الأمريكية، ولكن لم يكن ظهورها وتحقيقها لمبيعات غير متوقعة مقلقا لأصحاب الدار أو الثلاثة الكبار، كما تسميهم الصناعة، چنرال موتوز وفورد وكرايسلر.

كانت ثقتهم قوية، ليس فقط بمنتجاتهم بل بولاء العميل الأمريكى لعلاماته المحلية أيضا! عاما بعد عام بدأت مبيعات الأجانب تنمو، وأصبحت مبيعات الشركات الأوروبية والآسيوية واقعا لا يقبل الجدل، الغريب أن الشركات الأمريكية لم تتعامل مع الموقف بجدية كافية! كان نمو مبيعات الأجانب يدفعهم دائما لحاله غريبة من الغرور! كانت تصريحاتهم دائما تؤكد أنهم على دراية كاملة بمتطلبات واتجاهات العميل الأمريكى بشكل كامل، وأن العالم لن يشهد إنتاج أى سيارة تستطيع تلبية تلك المتطلبات إلا وإن كانت علامتها أمريكية.

غرورهم كان ينمو باستمرار، شهدت أواخر التسعينيات أرقاما قياسية للأجانب وكانت بعض الشركات الأسيوية والأوروبية تحتفل بمرور سنوات على افتتاحها مصانع فى أمريكا وقتها، والتهامها لحصص محترمة فى أكبر الأسواق العالمية، وبدأت سيارات وطرازات محددة فى تسجيل مبيعات تاريخية، مبيعات وضعتها بسهولة على قائمة السيارات الـ20 الأكثر مبيعا فى أمريكا.

استمرت حالة الإنكار من ناحية الأمريكان، والعجيب أنهم كانوا عن قناعة كاملة باتجاهاتهم فى الصناعة! الاتجاهات التى لم تعد قادرة على إرضاء العميل الأمريكى بشكل واضح، فبالرغم مما خلفته أزمة الطاقة من معايير وقوانين عالمية كان أهمها ضرورة الاتجاه إلى الترشيد، فالأزمة لم تترك مجالا أمام العلماء والمهندسين سوى العمل والاجتهاد لتطوير الصناعة بشكل سريع، كان المطلوب محركات أصغر حجما وأكثر كفاءة، المعادلة التى لم تلقَ استحسانا من الشركات الأمريكية بطبيعة الحال! فالصناعة الأمريكية كانت تعتبر محرك الست أسطوانات صغيرا، وكان الطبيعى أن تحمل سيارة عائلية وليست رياضية محركا مكون من ثمانية أسطوانات.

ظلت الصناعة تتطور، الغزو الأجنبى تحول مع الوقت لاحتلال، وظلت مبيعات الأمريكان فى انخفاض مستمر حتى جاء عام ٢٠٠٢، وقتها لم يعد هناك مجالا للإنكار، وبالرغم من سيطرة الشركات الأمريكية على مبيعات سوقها المحلى إلا أنه بات واضحا أن نسبة ضخمة من العملاء فى أمريكيا تفضل السيارات الأجنبية، التى حققت مزايا تفتقر إليها السيارات المحلية، مثل الجودة الأوروبية والكفاءة الآسيوية.

ورغم أن إدراك الأمريكان للحقيقية جاء متأخرا جدا، فإن الثلاثة الكبار لم يتحركوا بالسرعة المطلوبة، فقد كانت مشاكل التضخم تحاصر كياناتهم العملاقة من كل ناحية، من الجانب الآخر كان الأجانب واعيين جيدا للأزمة التى تمر بها الصناعة فى أمريكا، فربما يدرس يوما ما استغلالهم المثالى لمشاكل الصانع الأمريكى.

الجزء الأخير فى تلك القصة كان الانهيار الذى أوشك أن يصيب الصناعة الأمريكية بشكل كامل خلال الأزمة الاقتصادية فى ٢٠٠٨، حتى إن أوضاع الكيانات العملاقة استوجبت تدخل مباشر من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وتم منح القروض من قبل الإدارة الأمريكية لـ«الثلاثة الكبار» على أساس إعادة الهيكلة.

أداء الشركات الأمريكية كان مدهشا فى السنوات الماضية، ركزت على المبيعات بشكل رئيسى، وحققت أهدافها بلا شك ولكن واجهتها مشكلة جديدة خلال الفترة الأخيرة، تركيزها على المبيعات أبعدها بشكل كبير عن السباق التقنى لصانعى السيارات.

فى بداية كل عام بعد الأزمة الاقتصادية كان ينطلق معرض ديترويت دون أن تخطف السيارات الأمريكية الأضواء، فالابتكارات والحداثة كانت دائما فى الأجنحة الأوروبية والأسيوية، ولكن حققت الشركات الأمريكية خلال السنوات الماضية مكاسب تؤهلها أخيرا للعودة بشكل من الأشكال لهذا السباق، فالتطوير يتطلب دائما سيولة ضخمة.

كتبت انطلاقة معرض ديترويت هذا العام الفصل الأخير فى حكاية تراجع الأمريكان، فقد شاهدنا لأول مرة تغيير جذرى فى المفاهيم الأمريكية، عبرت عنها من وجهة نظرنا فورد GT الجديدة، فلو رجع بنا الزمن لعشرة سنوات فقط وسألنا مهندسى فورد عن إمكانية طرح تلك السيارة الرياضية «الأسطورية» بمحرك متوسط الحجم من ست أسطوانات أعتقد أن سخريتهم كانت لتسبق إجابتهم.

الأحداث التى مرت بها الصناعة الأمريكية كانت كفيلة بتغيير المعتقدات، الدورة الحالية لمعرض ديترويت أكدت انضمام الشركات الأمريكية أخيرا للسباق التقنى، ربما لا تحتل بعد مركزا متقدما، ولكن من المؤكد أنها على الطريق الصحيح.

أحمد بهاء الدين المشرف العام على ملحق السيارات بجريدة الشروق
التعليقات