محافظة الوادي الجديد وواحة الخارجة - محمود عبد المنعم القيسونى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محافظة الوادي الجديد وواحة الخارجة

نشر فى : الثلاثاء 22 مارس 2022 - 7:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 22 مارس 2022 - 7:25 م

محافظة الوادى الجديد والتى أنشئت أواخر الستينيات من أغنى المحافظات من حيث المقومات السياحية، فهى محافظة الأمن والأمان ومساحتها تساوى ربع مساحة أرض مصر، يتوج ذلك أنه ليس بها ملوثات قط لا فى هوائها ولا مياهها ولا زراعاتها والتى لا تستخدم الكيماويات.

قريبا بإذن الله تعالى سيكون لها الصدارة فى مجال السياحة العلاجية والاستشفائية نظرا لتوافر الإمكانيات الطبيعية النادرة والمنتشرة على أرضها؛ فبها عدد ست عيون كبريتية ساخنة بدرجة حرارة ٤٤ درجة مئوية ذات قدرات علاجية كبيرة مثل توسيع الأوردة الدموية والشرايين، وعلاج أمراض الجهاز العصبى وبخاصة الروماتيزم والتهابات الأعصاب المزمنة، وأمراض الجهاز الحركى. بها أيضا عدد ستة مواقع للعلاج بالدفن فى الرمال الغنية بالأملاح والمعادن والتى تعالج أمراضا مثل مشاكل العمود الفقرى والروماتويد المفصلى والعضلى وخشونة الركبة والانزلاق الغضروفى وآلام الرقبة وعرق النسا مع إذابة دهون الكبد وعلاج النقرس وأمراض أخرى. هناك كذلك ثلاثة مواقع للعلاج بالطمى فهو مسكن قوى للآلام ويحسن الدورة الدموية ومضاد للالتهابات ومعالج للأمراض الجلدية مثل الصدفية والبهاق. هذا بالإضافة لتوافر الزيوت النباتية والأعشاب التى تستخدم فى علاج بعض الأمراض دون استخدام أى مواد كيميائية.
• • •
كانت هناك محاولة من مؤسسة يابانية عام ٢٠٠٤ للتعاقد على شراء أو إيجار مساحة أرض كبيرة بالمحافظة لبناء قرية لإقامة المسنين اليابانيين فيها هربا من رطوبة وبرد بلادهم القاسى مقابل تقديم العديد من الخدمات لأهل الواحة مثل تعليم الصغار والكبار حرف يدوية وفنية تعينهم فى رزقهم وتفيد المجتمع بصفة عامة، لكن للأسف فشلت المساعى وقتها ولا أعلم السبب فى ذلك رغم أننى كنت مقتنعا أن تفعيل هذا المشروع سيأتى بفوائد رائعة بكل المقاييس. أيضا واجب الإشارة إلى اختفاء جيش قمبيز، الذى كان قوامه خمسين ألف مقاتل مدججين بالسلاح والعتاد عام ٥٢٥ق.م، وسط بحر الرمال الأعظم فى نطاق الوادى الجديد. لاشك أن اكتشاف هذا الجيش سيحدث دويا عالميا هائلا؛ لأن هذا القطاع شديد الجفاف ما يعنى أنهم سيكونون خمسين ألف مومياء سليمة وأسلحة وعتاد كأنها صنعت بالأمس ولنا أن نتخيل توابع ذلك على سياحة الوادى الجديد.

المحافظة تضم محميتين طبيعيتين تم إعلانهما بقرارات وزارية وهما محمية الجلف الكبير والتى ذكرت تفاصيلها فى مقالتى بعنوان (واحة ومركز الداخلة)، أما المحمية الثانية فهى محمية نيزك جبل كامل والتى أعلنت بقرار رئيس مجلس الوزراء فى مارس عام ٢٠١٢ وتقع فى منطقة توشكى فى المساحة بين جبل كامل وجبل العوينات بالقرب من محمية الجلف الكبير وعلى بعد نصف كيلومتر من الحدود السودانيه و١١٢ كيلومتر من الحدود الليبية، وعلى ارتفاع ٦٠٠ متر من سطح البحر. وهو نيزك عند ارتطامه بهذا الموقع بسرعة قدرت بثلاثة ونصف كيلومتر في الثانية، كان وزنه ما بين خمسة وعشرة طن من الحديد الصلب والنيكل الخالص، تسبب في فوهة قطرها حوالي ٤٥ متر وعمقها ١٦ متر وعمرها حوالي ٥٠٠٠ سنة. طول فوهة اصطدام النيزك نحو ٤٥ مترا وعمقها ١٦ مترا وعمرها نحو ٥ آلاف سنة. والعينات المأخوذة من الفوهة تم تحليلها وكانت بالغة الأهمية لدراسات جيولوجيا كواكب المجموعة الشمسية. للأسف تم الإعلان عن تفاصيل هذا الاكتشاف بجميع شبكات الإنترنيت وبالصحف والمجلات العالمية ما تسبب في عمليات سرقه منظمة لمعظم كتلة النيزك، ما دفع علماء مصر للتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من النيزك، وتمكنوا فعلا من نقل ما تبقى، منه ٨٣٠ كيلوجرام فقط، لما يسمى بالمتحف الجيولوجي المصري، أول الطريق للمعادي، واليوم الفوهة خالية من آثار وتوابع هذه الصدمة.

توقعاتى أنه بسبب توابع التغيرات المناخية القاسية خلال العشرين سنة القادمة ستحدث هجرة كبيرة للمواطنات وللمواطنين القاطنين على السواحل الشمالية إلى محافظات الجنوب أى إلى مصر العليا وبالذات لمحافظة الوادى الجديد. الآتى أخبار صادمة حقا: فخلال سنين التسعينيات من القرن الماضى تم مد خط سكة حديد ممتاز من سفاجا البحر الأحمر إلى قنا ثم إلى الأقصر ثم لواحة الخارجة ثم واحة باريس جنوب الخارجة. وبالإضافة لعربات ركاب هذا القطار تم إضافة عربة قطار الملك فاروق للسياحة الفاخرة المميزة. تم سرقة كامل الخط بعد ثورة يناير مباشرة ولكن الحمد لله لم يتم سرقة عربة الملك.
فى العام الحالى ٢٠٢٢ قامت سائحة فرنسية بزيارة واحات المحافظة وأخذت تردد على مسمع من العاملين فى مجال السياحة أنها مذهولة من طبيعة وجمال وآثار وشعب هذه المحافظة المضيافة.. ما أثار دهشتها أنها المحافظة الوحيدة بمصر غير المذكورة فى مطبوعات الإرشاد السياحى المنتشرة بوطنها فرنسا، فالذى جذبها لهذه الزيارة ما بلغ مسامعها من أصدقاء مصريين مقيمين بفرنسا وهو ما يثير التساؤل لماذا. فأشهر الأطعمة هى الفريك والعيش الشمسى. كما تمتاز بمنتجات وفنون الفخار وجريد النخل والقفاطين الرائعة الجمال للسيدات.
• • •
واحة الخارجة كان يلقبها الفراعنة بهيبت أى المحراث، كما كانت تلقب بمنمون أى مقر الإله آمون، وسميت بالخارجة فى العصر المملوكى وهى بوابة الخروج من عمق الصحراء. منخفض الخارجة أكثر جهاته انخفاضا عند قصر الزيان بالقرب من بلدة بولاق، حيث يصل المنخفض إلى ١٨ مترا تحت سطح البحر، ومورد مياه الواحة من طبقتين من الصخر الرملى النوبى تقعان على عمق ٤٠ــ٦٠ مترا تقريبا مشبعتين بكميات هائلة من المياه الجوفية، ويقدر تصريف المياه منها بما يزيد على خمسة ملايين متر مكعب فى العام مما يتيح التوسع الزراعى خصوصا عند سهل باريس الخصيب الذى يزيد سمك الطمى فيه على المترين.
هذه الواحة تضم عاصمة المحافظة (مدينة الخارجة) وهى أكثر واحات الصحراء الغربية تطورا حيث تحوى على أغلب التسهيلات للحياة العصرية؛ فبها مطار (ليس دوليا لكن به كامل العناصر لتحويله لمطار دولي) يستقبل رحله واحدة إسبوعيا من مصر للطيران ورحلتين الأحد والأربعاء من طائرة الخدمات البترولية، كما يوجد بها أربعة فنادق برخص سياحية وخمسة برخص محلية، وبها عينان كبريتيتان ساخنتان، وموقعان للدفن بالرمال، وموقع للعلاج بالطمى، الواحة تبعد عن وادى النيل مسافة مائتى كيلومتر غرب الأقصر وأسوان. بحيرة ناصر، للأسف، لا يوجد بها خط سكة حديد يصلها بالواحة. بينما كان هناك خط ذو إمكانيات محدودة ممتد من محطة وصلة الواحات شمال نجع حمادى حتى واحة الخارجة تم مده منذ أكثر من قرن وتم إلغاؤه منذ فترة.

هذه الواحة تضم آثارا هامة منها معبد هيبيس لعبادة ثالوث طيبة المقدس آمون وموط وخنسو وهو شبه كامل يمثل العصر الفرعونى والفارسى والبطلمى والرومانى ويقع على مساحة ٧٩٨ مترا مربعا، وأمام مدخله آثار للبحيرة المقدسة ومرسى للسفن. معبد هيبيس من أهم معابد الصحراء الغربية، جدرانه عليها نقوش ورسومات جميلة محتفظة بألوانها رغم آلاف السنين، وبالمعبد طريق كباش صغير ويلاحظ أن أمامه شجرة أكاسيا عملاقة عمرها مائتان وخمسون سنة.
خلف المعبد أطلال مدينة هيبت الرومانية القديمة وقصر الهندرك ثم جبانة البجوات أو مدينة الخلود وهى تقع على ربوة مرتفعة منتشر عليها صخور مقابر هيبت الفرعونية وعليها بنايات الجبانة القبطية والتى يبلغ عددها مائتين وثلاثة وستين مزارا (منها ثلاثون مخربا) بنيت على شكل قباب. عدد كبير من هذه القباب توجد بها تصاوير ملونة بعضها فى حالة طيبة، ومن المزارات مزار الخروج ومزار السلام، على جدران المزارات مخربشات باليونانية والقبطية والعربية، تضم حكما ومواعظ وأبيات شعر تشير إلى حتمية الموت واستحالة الخلود. أما أكبر أبنية البجوات فكانت عبارة عن كنيسة وسط الجبانة وحالة مبانيها جيدة.

على بعد كيلومترين من الخارجة يوجد مرتفع كبير يشرف على الواحة يسمى كوم الناضورة كان يستخدم فى عهد الأتراك كمركز مراقبة لكشف طريق درب الأربعين، كما كان عليه مركز لتحصيل الضرائب على السلع التى تحملها القوافل القادمة من السودان مثل العاج والأبنوس وريش النعام والتوابل والعبيد، كان يلقب كوم الناضورة أيضا بقصر الناضورة وبه أطلال معبد رومانى، على جدرانه كتابات فرعونية ونقش بارز للإلهة أفروديت. هناك أيضا قصر الدير وهو أطلال دير مسيحى يشبه الحصن الكبير يتوسطه بوابة خشبية كبيرة كان يستخدم لإقامة الطقوس الدينية وكفندق يأوى إليه التجار العابرون أمنا من غارات اللصوص وقطاع الطرق.

• • •

مدينة الخارجة القديمة عبارة عن أبنية من الطوب اللبن على الطراز الإسلامى تتوسط كل مجموعة منها عين مياه عزبة للشرب، تفصل بينها شوارع ضيقة متعرجة ومسقوفة بأخشاب الدوم والنخيل وكان لكل شارع بوابة لسهولة دفاع الأسر عن نفسها ضد هجمات عصابات الصحراء. أما قصر الغويطة فيقع على ربوة مرتفعة على بعد ١٧ كم جنوب مدينة الخارجة مطل على طريق درب الأربعين، كان معبدا فارسيا ثم جدده البطالمة وخصص لعبادة ثالوث طيبة المقدس آمون، موط، خنسو. جدران المعبد غنية بالنقوش مثل بطليموس الثالث لابسا تاج الوجه القبلى ونقش ثانٍ له وهو لابس تاج الوجه البحرى ونقش لإله النيل (حابي)، وينتهى المعبد بقدس الأقداس. بجوار المعبد وأعلاه توجد قلاع مراقبة درب الأربعين.

قصر الزيان هو معبد مقام لعبادة الإله آمون ويقع جنوب قصر الغويطة كان أيضا يستخدم لمراقبة درب الأربعين. معبد دوش يقع فى واحة دوش الصغيرة جنوب منخفض الخارجة وهو الذى كان مخصصا لعبادة الآلهة إيزيس وقد اكتشف فى جبانة قديمة مجاورة له مجموعة من أوراق البردى مسجل بها إقامة عائلات مسيحية هربا من اضطهاد الرومان. دير المنيرة يقع عند المدخل الشمالى لمنخفض الخارجة وهو حصن شيد فى العصر الرومانى لحماية القوافل وتقع بجواره عين تروى مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية.

كما بالواحة محمية مستقبلية وهى منطقة أم الدباديب وهى تقع بالجزء الشمالى للواحة ومساحتها ٣٥٠٠ كيلومتر مربع، حيث تحتوى على مقومات ثقافية وتراثية وجيولوجية هامة من حضارات فرعونية ورومانية وقبطية وإسلامية قديمة. بها كذلك تنوع بيئات من سهول ووديان وواحات غير مأهولة، وتنوع بيولوجى ثرى من نباتات برية ونباتات الطلح ونخيل البلح ونخيل الدوم كما تعيش فيها الغزلان وبها ثلاثة عيون.

محمود عبد المنعم القيسونى المستشار السابق لوزير السياحة ووزيرة البيئة
التعليقات