أيّها الثوّار.. شكر الله سعيكم - امال قرامى - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أيّها الثوّار.. شكر الله سعيكم

نشر فى : الثلاثاء 22 أبريل 2014 - 7:55 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 22 أبريل 2014 - 7:55 ص

تعيش تونس منذ أسبوع، وبعد صدور الأحكام بشأن المتورطين فى قتل المشاركين فى الثورة، على وقع الجدل والتراشق بالتهم، والبحث عن شمّاعات يلقى عليها كلّ طرف المسئولية: مسئولية عدم إيلاء ملفّ شهداء الثورة والجرحى كلّ الاهتمام، واعتباره أولويّة الأولويات اعترافا بالجميل، وردّا للاعتبار لمن وهبوا أنفسهم من أجل أن ينعم جميع التونسيين بمناخ التحرّر من نظام عبث بمصيرهم، وغابت فيه العدالة الاجتماعية والحرّيات.

•••

ولأوّل مرّة توجّه أصابع الاتهام إلى الجميع بلا استثناء بمن فيهم:

ــ رئيس الجمهورية الذى جشّم نفسه عناء وضع «شعار الثوّار» على كلّ بدلة رسمية يرتديها مقسما أنّه لن يخلعه إلاّ بعد أن ينال أهالى الشهداء والجرحى حقوقهم.

ــ الفاعلون السياسيون فى الحكومات المتعاقبة ذات التوجه الليبرالى أو الإسلاموى، أو «التكنوقراطى».

ــ وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية التى عجزت عن ضبط قائمة الشهداء وشككت فى قائمة الجرحى.

ــ نوّاب الشعب الذين شكّلوا لُجينة وعدت بإنصاف أهالى الشهداء وجرحى الثورة.

ــ المعارضة السياسية التى التزمت أكثر من مناسبة بالوفاء لدماء الشهداء.

ــ الناشطون الحقوقيون ومختلف مكونات المجتمع المدنى الذين قادوا معارك شرسة، وما استطاعوا أن يجعلوا قضية الشهداء فى سلّم الأولويات.

ــ الهيئة العليا للحقوق والحريات التى كان من المفروض أن تعالج هذا الملفّ إذ بها تتنكّر لأهالى الشهداء والجرحى وتفضّل معالجة ملفّ الانتهاكات داخل السجون.

ــ النخب الثقافية التى اكتفت بتخليد ذكرى الشهداء تدوينا وتوثيقا سينمائيا ومسرحيا إلى غير ذلك من ضروب الإبداع.

ــ أهل القانون الذين قادوا نضالات من أجل صياغة الدستور، واستقلالية القضاء وفاتهم الانكباب على قضيّة أهالى الشهداء وتكييفها قانونيا هل هى من اختصاص القضاء المدنى أم العسكري؟ ولم صدرت الأحكام دون مستوى انتظارات الأهالى بحيث استعاد المتهمون حريتهم، وضاعت الحقيقة بضياع أدلة الإدانة. وبدل أن نردّد من قتل شكرى بلعيد ومحمد البراهمى صرنا نقول من هم القناصة؟ ومن قتل الشهداء؟ ومن أصدر الأوامر؟ أسئلة لا تجد لها تفسيرا ولا أجوبة تفحم السامعين كلّ ما جادت به قريحة القضاة فى المحاكم العسكرية: بن عليّ هو الذى سُلطت عليه أقسى الأحكام أمّا وزير الداخلية الأسبق ومن لف لفه من قيادات وأمنيين وغيرهم فلا غبار عليهم «ولا هم يحزنون».

ــ الإعلاميون الذين قادوا معارك من أجل حرية الإعلام وإصلاح القطاع، والإعلاميون الذين تهافتوا على الدعاة وأشباه الدعاة، ورؤساء أحزاب دعوا إلى تعدد الزوجات وزواج القاصرات، ومؤخرا الجهاديين المروجين لثقافة الموت، ولم يعتبروا قضيّة أهالى الشهداء وجرحى الثورة مثيرة للرأى العامّ، محققة للكسب والسبق الإعلامى.

ــ شرائح من الشعب التونسى التى تفرّغت للاحتجاجات والاعتصامات والمطالب الشعبوية فى خلط واضح بين الحقوق واللاحقوق، بين المشروع وغير المشروع، ولم تعر الاهتمام لمن مكّنهم من التعبير عن طموحاتهم ورغباتهم.

•••

وهكذا صارت المسئولية مشتركة فى حجب الحقائق، ومأسسة النسيان والتنكّر للثوّار، والتقصير فى معالجة الملفات، وسوء ترتيب الأولويات. فهل تُجدى السرديات التى صيغت لتمجيد الأموات، وبعض الأغانى الوطنية؟ هل هو أقصى ما يمكن تقديمه لشهداء الثورة وجرحاها.. قدرة على نظم الخطاب، وبلاغة، وكلام، وشعارات، وتفنّن فى إسدال الحجاب على عوراتنا؟

يبدو أنّنا شعوب تلهيها الحكايات والقصص والأساطير، نريد أن نعترف بالشهداء من خلال سرد بطولاتهم، و«كفى المؤمنين».. أنّهم يترحمون على الشهداء، ويتلون بعض آيات، ويفتتحون الجلسات بالإشادة ببطولات الشهداء، ونريد أن ندفنهم مرّتين: المرّة الأولى حين ماتوا وقبروا، والمرّة الثانية حين أزحناهم من تاريخ بناء المسار الانتقالى فلم نستحضر قضيتهم إلا من خلال التلاسن والتنابز والاتهامات المتبادلة.

•••

لم يتمسك الشعب التونسى بالحقّ فى معرفة الحقيقة: كلّ الحقيقة حول ما جرى أثناء الثورة، لم يرغب فى ملاحقة الجناة، ولم يحرص على تحديد هويّة المسئولين عن القتل العمد، وإلحاق الأذى بأجساد النساء والرجال، وتعطيل حقهم فى الحلم بغد أفضل.

فهل ستلازم عقدة الذنب الجميع ؟ وهل سيستبد الشعور بالعار بالجميع، أم أنّنا سنطوى الصفحة وسنتعوّد على النسيان دون أدنى شعور بالخجل لأنّنا ببساطة أتقنا توظيف هذا الملفّ وامتهنا البكاء عند اللزوم، واكتسبنا مهارة فى إحداث «الضجيج».

التعليقات