عن قانون الإيجارات الزراعية وعما فعله مبارك بمصر والمصريين - ريم سعد - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن قانون الإيجارات الزراعية وعما فعله مبارك بمصر والمصريين

نشر فى : الأحد 22 يونيو 2014 - 7:55 ص | آخر تحديث : الأحد 22 يونيو 2014 - 7:55 ص

بعد أيام قليلة يكون قد مر 22 عاما على واحد من أخطر القوانين التى صدرت فى عهد مبارك ومن أكثرها دلالة على عمق الضرر الذى أحدثه بالبلاد. فى لحظات كهذه ربما وجب التذكير بالبديهيات أن الحالة المؤلمة التى عليها مصر والمصريين الآن من فقر وأمراض بدنية واجتماعية وتبعية وتشوهات سياسية.. إلخ ليست نتاج عوامل الطبيعة أو ضربات الأقدار وإنما هى بفعل فاعل هو مبارك وحكم مبارك وأعوان مبارك والمستفيدين من فساد حكمه وعصره.

•••

فى الرابع و العشرين من يونيو 1992 أصدر مجلس الشعب المصرى قانون 96/1992 بتعديل بعض أحكام قانون 178/1952. الأخير هو قانون الإصلاح الزراعى الأول أما تعديلاته فعرفت رسميا بقانون تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر فى الأراضى الزراعية وعرفت لدى الفلاحين بقانون طرد المستأجرين. أعطى القانون الجديد مهلة خمس سنوات انقضت فى الأول من أكتوبر 1997 وهو اليوم الذى فقد فيه ما يقرب من مليون عائلة أراضى كانوا حتى صدور القانون يتمتعون فيها بحيازة آمنة. الغالبية الساحقة منهم كانوا من صغار المزارعين الفقراء وبفقدان الأرض فقدوا مصدرا رئيسيا لرزقهم ولأمانهم الغذائى أيضا.

كان تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر جزءا من قانون الإصلاح الزراعى الأول والذى صدر فى 9 سبتمبر 1952، والذى لم تقتصر أهميته على إعادة توزيع الأراضى المنزوع ملكيتها خارج الحد الأقصى المنصوص عليه فقط، ولكن الجانب الأهم والأكبر أثرا من القانون كان هو الخاص بتنظيم العلاقات الإيجارية، حيث حدد الإيجار بسبعة أمثال ضريبة الأرض، بالإضافة إلى جعل العلاقة تعاقُدية وغير محددة المدة، ولم يكُن يُسمَح للمالك بطرد المستأجر (أو ورثته) إلا فى حالة عدم دفع الإيجار المتفق عليه، كما أن المستأجرين كانوا مسجلين فى الجمعيات التعاونية الزراعية كحائزين، شأنهم شأن الملاك الذين يزرعون أراضيهم.

ومع الوقت، تزايد تذمر الملاك من هذا الوضع، حيث لم يكن باستطاعتهم مثلا بيع أرضهم المحملة بمستأجرين دائمين بسعر السوق ولا تأجيرها للغير بشكل غير رسمى وبسعر أعلى، كما كان يفعل ملاك آخرون ممن كانت أراضيهم غير مأهولة «بالمستأجرين الدائمين». لم تناقش المشكلة بأية جدية وكانت القوى السياسية فى مجملها غير رافضة للقانون فيما عدا حزب التجمع واتحاد الفلاحين (تحت التأسيس آنذاك) لكن اعتراضاتهم ذهبت أدراج الرياح رغم أن موقف حزب التجمع لم ينكر وجود إشكالية خاصة بالوضع القائم وقدم اقتراحات جدية للتعامل معها، كان أهمها اقتراح إنشاء صندوق لإقراض المستأجرين بغرض شراء الأراضى من الملاك بسعر السوق ثم تقسيط السعر على فترة طويلة.

•••

تزامن صدور القانون مع فترة ما يعرف بسياسات التحرير الاقتصادى والتكييف الهيكلى تحت توجيه وضغوط صندوق النقد الدولى، ورغم أن إلغاء قانون الإيجارات و«تحرير» سوق الأراضى الزراعية تماشى تماما مع هذه السياسات إلا أن القانون لم يصدر بدافع ضغوط خارجية بل بمصالح داخلية لملاك أراض أرادوا استعادتها. يذكر أن القانون صدر عن مجلس شعب امتلأ بالملاك ولم يكن به مستأجر واحد. ويذكر أيضا أن القانون صدر دون أى دراسات ودون حتى وجود قاعدة بيانات عن حجم المتضررين، ناهيك عن الأخذ فى الاعتبار أية وسيلة لتلافى الأضرار الوخيمة التى طالتهم. عوضا عن ذلك تم توظيف الصحف الحكومية لممارسة الضغط الجماعى عن طريق رسم صور نمطية كاريكاتورية للملاك والمستأجرين لخدمة موقف الملاك. فتم تصوير الفلاحين ككسالى يشاهدون أفلام الفيديو ويهجرون الأراضى كى يسافروا إلى الخارج ليقتنوا سلعا استهلاكية أكثر واستخدمت تلك الصورة كدليل للظلم الواقع على كبار الملاك. وعلى النقيض، مثل كبار الملاك فى صورة أبناء الطبقة الوسطى المعوزين ولكن باحترام والذين لا حيلة لهم إزاء الاضطهاد الذى يتعرضون له من قبل طغاة عديمى الرحمة. وكانت عملية تكوين هذه الصورة وإبرازها كحقيقة إحدى الأدوات التى استخدمها الملاك لتغيير القانون. كما تم توظيف الشريعة الإسلامية حيث دعى مفتى الجمهورية وشيخ الأزهر لجلسة مجلس الشعب التى تمت فيها مناقشة القانون وأعلن فتحى سرور أن المفتى وشيخ الأزهر قررا أن قانون الإصلاح الزراعى كان باطلا شرعا لأن عقود الإيجار كانت غير محددة المدة.

ومع اقتراب لحظة طرد المستأجرين فى الأول من اكتوبر 1997 ساد توتر شديد وبدا أن انفجارا ما على وشك الوقوع خاصة مع ازدياد وتيرة الاحتجاجات والتى اتسم بعضها بالعنف فى عدد من القرى خلال الأشهر التى سبقت تاريخ الإخلاء، وأدى جو الترقب الذى سبق آخر موعد لتطبيق القانون إلى تقليص المشكلة فى لحظة الأزمة تلك، حيث رأت بعض الجماعات السياسية المعارضة فيها أملا لثورة، بينما تمثلت مشكلة الحكومة فى الجانب الأمنى فقط وركزت جهودها فى تجنب لحظة الفوضى والاضطرابات التى توقعها الكثيرون. ومع مرور تلك اللحظة بسلام نسبى ودون حدوث الانفجار المتوقع، تم اعتبار أن الأزمة قد انتهت. ومن المدهش فعلا أن تفقد قضية المستأجرين أهميتها بالرغم من عدم تناول مشكلة أساسية وهى فقدان مليون عائلة لمصدر رزقهم الأساس. وقد شهدت بنفسى خلال فترة بحثية طويلة فى عدة قرى بالريف المصرى خلال السنة التى أعقبت طرد المستأجرين حالة الإفقار التى عاشها فلاحون كانوا فقراء أصلا والتى تعاملوا معها عن طريق ممارسات مؤسفة شملت إخراج الأبناء (خاصة البنات) من المدارس، وتزايد الاعتماد على تشغيل الأطفال، وبيع ممتلكات وأصول الأسرة كالحيوانات والمصاغ.

•••

كان لهذا القانون آثار وخيمة بعيدة المدى نشعر بوطأتها الآن وإن كان العديد منا لا يدرك علاقتها بهذا القانون الكارثة المسئول بشكل كبير عن تفاقم مشكلة الفقر الريفى والبطالة وأزمة الغذاء، حيث كانت الغالبية العظمى من المستأجرين تعتمد على الأرض لضمان أمنها الغذائى ومع تغيير الوضع أصبحت سوق الإيجارات مفتوحة وارتفع الإيجار بشكل باهظ علاوة على أن التعاقد ليس قانونيا ولا مسجلا وأصبح النمط السائد هو التأجير لفترة قصيرة تصل إلى موسم زراعى واحد. نتج عن ذلك ابتعاد المستأجرين عن زراعة المحاصيل الغذائية الرئيسية واتجاههم إلى المحاصيل النقدية التجارية بهدف بيعها لتسديد قيمة الإيجار الباهظة، هذا إضافة إلى النتائج البيئية الوخيمة والإضرار بحالة الأراضى الزراعية جراء الاستخدام المفرط للأسمدة الكيماوية بهدف الحصول على محصول أكبر والإحجام عن استخدام الأسمدة البلدية المفيدة للتربة ولكن أثرها لا يظهر إلا على المدى الطويل.

ومن الجدير بالذكر أن نفس المبدأ القانونى القاضى باحترام حق الملكية، وأن نفس الاهتمام الاقتصادى بـ«تحرير السوق» ونفس المبدأ الشرعى القاضى ببطلان العقد غير محدد المدة جميعها ينطبق بحذافيره على الوضع الخاص بالعلاقة الإيجارية للمساكن فى المدن الكبرى، حيث يشغل هذه المساكن مستأجرون دائمون يدفعون أجورا ضئيلة وثابتة لكن الدولة لم تستبح سكان المدن كما فعلت مع مزارعى الريف لسببين رئيسيين. الأول هو أن مستأجرى ومالكى المساكن لا يقفان على طرفى النقيض من حيث الوضع الطبقي، كما هو الحال فى الأراضى الزراعية حيث إن عددا كبيرا من أبناء الطبقة الوسطى والأثرياء يستفيدون من ثبات إيجار المساكن فى المدن على عكس الوضع فى حالة الأراضى الزراعية. أما السبب الثانى فيتضمن اختلاف طبيعة النشاط الاحتجاجى بين الريف والحضر حيث إنه من السهل على الحكومة السيطرة على احتجاجات بعض القرى هنا أو هناك لكنها تعمل ألف حساب لاحتمالات خروج سكان المدن إلى الشوارع.

هكذا بضربة واحدة تم إفقار وتهميش ما يقرب من 10% من سكان مصر عن طريق آليات احترفها نظام مبارك واستخدمها بنفس الطريقة فى جبهات أخرى عديدة. ما بيننا وبين مبارك وعصره ليس «شوية زعل» بل ثأر كبير مع من خرب البلاد حتى أعماقها وسمم منابع الحياة فيها.

التعليقات