حكمت محكمة جنايات بورسعيد بالإعدام على 11 متهما فى قضية «مذبحة بورسعيد» التى راح ضحيتها 73 من مشجعى النادى الأهلى عقب مباراته مع النادى المصرى فى 1 فبراير 2012. شمل الحكم أيضا أحكاما أخرى تراوحت بين السجن المشدد لمدة 15 عاما والحبس لمدة عام واحد، وبهذه الأحكام صار ملف هذه المذبحة المروعة فى طريقه إلى الإغلاق.
دعونا نفكر قليلا فى ما إذا كان هذا الحكم بالإعدام بالجملة يعنى أننا حصلنا على حق الشهداء. مجموعة «ضد الإعدام» التى أنتمى إليها هى ضد إعدام أى شخص يستوى فى ذلك المتهمون فى القضايا الجنائية والسياسية، يستوى فى ذلك مبارك ومرسى وقتلة الأطفال وقتلة المتظاهرين سواء كانوا من أفراد الداخلية أو الإخوان. قد نتفق أو نختلف فى هذا الأمر لكننا هنا لا نناقش المبدأ بقدر ما نحتاج إلى النظر إلى الواقع والطريقة التى يتم بها القبض على المتهمين وطريقة سير التحقيقات وصدور الأحكام، وبصرف النظر عن موقفك من عقوبة الإعدام لابد أن نقر أن هذه العقوبة الخطيرة النهائية التى يستحيل معها تدارك الخطأ يلزمها نظام عدالة كفء وعادل فما بالك بأوقات كالتى نعيشها والتى يغيب فيها الحد الأدنى من ضمانات سير العدالة. الجميع يختبر بنفسه ويوميا الظلم والتلفيق وانعدام الكفاءة، فلماذا نفترض كمال النزاهة والكفاءة حين يأتى الأمر إلى أخطر عقوبة على الإطلاق والتى تنتهى بسلب حياة إنسان؟ إن وجود عقوبة الإعدام فى أى دولة معناها أن المجتمع يفوض هذه الدولة للقتل بإسم أفراده. أنا لا أثق فى كفاءة ونزاهة هذه السلطة فى أمر بسيط كقراءة عداد الكهرباء أو رصد مخالفة السيارة فكيف أثق فى كفاءتها ونزاهتها وأقر ضمنيا بسلامة جميع الخطوات التى تؤدى بإنسان إلى حبل المشنقة؟ أنا لا أفوض هذه السلطة أن تقتل باسمى لأنى لا أثق فى كفاءتها ولا عدالتها ولا أريد تحمل ذنب أرواح قد تكون بريئة.
***
مذبحة بورسعيد من أبشع الجرائم وأعتقد أن الجميع يتفق أن ملابساتها هى على الأقل مريبة وبها الكثير من الغموض وكل التفاصيل تشى بمسئولية جسيمة لأجهزة السلطة وعلى رأسها الداخلية. أخشى أن هذا الحكم الأخير يفتح الطريق لنسيان المذبحة وطى صفحتها ولإفلات الجناة الحقيقيين من العقاب.
إن الانزعاج الشديد من الحكم على 11 شخصا بالإعدام ليس تفريطا فى حق الشهداء بل على العكس. دم الشهداء غالى جدا ولهذا السبب تحديدا لابد ألا نكف عن المطالبة بحقهم. هل أتى حقهم مع الحكم بالإعدام على هؤلاء الأشخاص خاصة وليس لدينا وسيلة لمعرفة مسئوليتهم الفعلية؟ ما أثر هذا الحكم على حق الشهداء وهو الذى سيتسبب فى غلق الملف وضياع الحقيقة إلى الأبد؟ على مدى الأربع سنوات الماضية ضاع منا شهداء كثيرون وعلى التوازى وخلال السنة الماضية أصبح لدينا رصيد ضخم من أحكام الإعدام. لابد أن نلاحظ أن أحكام الإعدام قد صارت كروت فى لعبة سيئة لا علاقة لها بالحق ولا الحقيقة إنما تستخدم إما للتنكيل والترهيب لخصوم سياسيين أو كرشوة وترضية لرأى عام روعته الجرائم فَشُلّ تفكيره وقل تدقيقه فى التفاصيل. ونحن مع كل زيادة فى أحكام الإعدام نبتعد ولا نقترب من حق الشهداء فقد صارت تستخدم للإيحاء بالقصاص ولا أخطر على حق الشهداء من ذلك الإيحاء.
إن الجرائم المروعة تتبعها صيحات المطالبة بالإعدام وكأنه الحد الأقصى للمطالب فهل هو كذلك بالفعل وهل يصح أن تقاس غلاوة الشهيد بعدد المحكوم عليهم بالإعدام خاصة مع استحالة اليقين الكامل أن هذا المتهم تحديدا هو من نفذ الجريمة فعلا؟ مطلب الحد الأقصى ليس الإعدام بل هو الحقيقة والمحاسبة وحق الشهداء لابد أن يأتى بالطريق الصعب وأوله الإصرار على معرفة الحقيقة كاملة ثم الإصرار على المحاسبة الكاملة لكل من تورط بالتخطيط أو التواطؤ أو الإهمال أو التنفيذ بالطبع. حق الشهداء يأتى مع محاسبة الكبير قبل الصغير وليس بإعدام 11«صغير» ممن لا ظهر لهم ولا دية فى سبيل إغلاق الملف.
***
دم الشهداء أغلى من ذلك ومن العار توريطهم فى هذه اللعبة. إن الاعتراض على صدور أحكام إعدام بالجملة فى ظروف ملتبسة ليس استهتارا بضرورة القصاص وعقاب الجناة، بل على العكس فإنه من باب احترام الشهداء وقضيتهم نريد لهم قصاصا عادلا ونبيلا وألا تلوث ذكراهم أى شبهة ظلم أو ترضية سياسية على حساب أرواح أخرى.