بدايات سقوط النظام فى سوريا - محمد مجاهد الزيات - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 7:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بدايات سقوط النظام فى سوريا

نشر فى : الأحد 22 يوليه 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 22 يوليه 2012 - 8:00 ص

أسفرت عملية تفجير مكتب الأمن القومى فى دمشق فى مقتل أهم القيادات التى كانت تتشكل منها خلية الأزمة السورية، وتتخذ القرارات الخاصة بالمواجهة بين النظام والمعارضة السورية السياسية والمسلحة، وكانت هذه الخلية يرأسها إداريا وزير الدفاع السابق حسن تركمانى، وتضم وزير الدفاع، ووزير الداخلية ونائب وزير الدفاع، ورئيس الأركان، وقادة أجهزة المخابرات الرئيسية الأربعة، وكانت اجتماعاتها تُعقد فى مكتب الأمن القومى التابع للقيادة القطرية لحزب البعث الذى يرأسه هشام بختيار أحد القيادات الحزبية ومن الحرس القديم لتأكيد الهيمنة الحزبية على القرار العسكرى والإيحاء بتماسك النظام بمؤسساته الحزبية والعسكرية والأمنية.

 

ويعتبر مقتل نائب وزير الدفاع العماد آصف شوكت بمثابة ضربة قاصمة للرئيس السورى، فهو رجل الأسرة داخل القوات المسلحة، والشخصية الأقوى نفوذا وبما يتجاوز نفوذ وزير الدفاع باعتباره رجل المخابرات العسكرية بالأساس، ومن اقوى القيادات العلوية وزوج أخت بشار الأسد، ويهيمن على شبكة من القيادات العلوية تتصدر قيادة الفرق والألوية الرئيسية فى الجيش السورى وأجهزة الأمن.

 

●●●

 

ولا شك أن تفجير مبنى الأمن القومى، وخلال اجتماع يضم النخبة العسكرية والأمنية ذات الولاء القوى للنظام يحمل الكثير من الدلالات التى من أهمها:

 

أنه يُمثل اختراقا أمنيا غير مسبوق، وأكثر جرأة تجاه أهم مؤسسة تعبر عن طبيعة النظام السورى الذى تندمج فيه المؤسسة العسكرية والأمنية فى الإطار الحزبى الطائفى.

 

أن مقتل آصف شوكت يعنى افتقاد بشار الأسد لأهم القيادات الداعمة له، وأنه لم يتبق سوى اللواء ماهر الأسد، كقيادة موثوق بها ويعتمد عليها، وإن كانت سيطرته الأساسية على فرقة الحرس الجمهورى والفرقة الرابعة التى تحمى مؤسسات النظام فى دمشق وضواحيها، ويصبح النظام والأسرة مكشوفة ودون قيادات مهيمنة من داخلها على قطاعات القوات المسلحة وأجهزة الأمن.

 

أن الحادث فى مجمله قد هز دائرة صنع القرار الرئيسية العسكرية والأمنية والسياسية فى النظام، وأيا كانت القيادات البديلة لمن قُتِلوا، فلن تكون بنفس قدرات وأهمية القيادات السابقة أو تُمثل مصدر ثقة للرئيس السورى.

 

من المُرجح أن هذا الحادث بما رتبه من إيجابيات يمكن أن يدفع المعارضة العسكرية السورية إلى تبنى استراتيجية مواجهة جديدة تستهدف اغتيال القيادات الرئيسية السياسية والعسكرية الأمنية والحزبية كخيار بديل، يمكن أن تحسم المواجهة مع النظام. ورغم ما يمثله هذا الحادث من أهمية عسكرية وسياسية، إلا أن تقييم الأوضاع فى سوريا ميدانيا، وعلى المستويات المختلفة، يُشير إلى الملاحظات التالية:

 

لا يزال الجيش السورى أو على الأقل الفرق المدرعة الرئيسية والفرق الميكانيكية الثلاث وكذلك فرقتى القوات الخاصة، وفرقة الحرس الجمهورى متماسكة إلى حد كبير، ولم تشهد انشقاقات استراتيجية أو تُمثل نوعا من الانهيار أو فقد لسيطرة القيادة التابعة للنظام عليها، كما لم تشهد أجهزة المخابرات الأربعة (المخابرات الجوية، والمخابرات العسكرية، والمخابرات العامة، والأمن السياسى) انشقاقات كبيرة ذات تأثير حتى الآن.

 

أن ذلك يعنى أنه لا تزال لدى النظام القدرة على مواصلة العمليات العسكرية، بل أنه يُرجح أن تكون هذه المواجهة أكثر دموية خلال الأيام القادمة لتحقيق نبوءة وزير الخارجية الروسى بأن عمليات الحسم قد بدأت فى دمشق، وفى محاولة يائسة لاستئصال الوجود العسكرى للمعارضة المسلحة، خاصة داخل العاصمة والمدن الرئيسية، إلا أن تصاعد نشاط المعارضة العسكرية، وحرص جيش سوريا الحر على عدم التمركز فى المدن، والخروج إلى الضواحى، وتجنبه المواجهة المباشرة مع النظام واستخدام أسلوب حرب العصابات يُضعِف من قدرة الجيش النظامى على ملاحقته، ويُفقِد الجيش النظامى القدرة على عملية الحسم، كما يتوقع.

 

كما أنه من المُرجح أن يؤدى اغتيال قيادات عسكرية على هذا المستوى، لكسر عامل الخوف ويُغرى قيادات عسكرية غير مرتبطة بالنظام بدرجة كبيرة للانشقاق عليه، وهو ما يمكن أن يُمثل متغيرا كبيرا فى إطار المواجهة بين الجيش والمعارضة، وينقل الأزمة السورية إلى مستويات أخرى من المواجهة وزيادة عدد الضحايا.

 

وتُقدر مصادر عسكرية متعددة أن اتساع انتشار عمليات الجيش النظامى فى مواجهة جيش سوريا الحر ما بين إدلب فى الشمال، ودرعا فى الجنوب، ودير الزور فى الشرق، ومناطق متعددة فى شوارع بعض المدن والمناطق الريفية، يُمثل نوعا من الضغط المتزايد على وحدات هذا الجيش، وزيادة واضحة فى تكاليف العمليات واستنزاف لعناصر التسليح على اختلافها، لا يمكن أن تغطيها المساعدات الروسية أو الإيرانية، وتطرح الكثير من الاحتمالات حول القدرة على المواصلة لفترات طويلة.

 

●●●

 

وهكذا يتضح أن الأزمة السورية، وخاصة بأبعادها العسكرية والأمنية، قد بدأت تتدحرج إلى مستوى آخر تتصاعد فيه حدة المواجهة ويزداد تبعا لذلك نزيف الدم، مع بداية تراجع قدرة النظام استراتيجيا عن الحسم، واقتراب المعارضة المسلحة من نقطة توازن يمكن أن تدفع القيادة السورية للتراجع عن مواقفها السياسية السابقة، الأمر الذى يمكن ان يفتح الباب أمام فرص للخروج من الأزمة، وقبول القيادة السورية الخروج الآمن من السلطة إذا نجح الموقف الدولى فى تحقيق نوع من التفاهم مع روسيا وإيران، يُبقى على مصالحهما فى سوريا مع نجاح مجلس الأمن الدولى فى اتخاذ قرارات تضغط بصورة أكثر على القيادة السورية.

محمد مجاهد الزيات مستشار أكاديمى فى المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
التعليقات