انتصارٌ للعدالة أم ابتزازٌ للرياض؟ - نادر بكار - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 7:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انتصارٌ للعدالة أم ابتزازٌ للرياض؟

نشر فى : الخميس 22 سبتمبر 2016 - 9:15 م | آخر تحديث : الخميس 22 سبتمبر 2016 - 9:15 م
هجمات الحادى عشر من سبتمبر قبل خمسة عشر عاما من الآن كانت وحشية همجية يرفضها الشرع ويستنكرها العقل، وقد لاقت أمتنا قبل هذا التأريخ وبعده من ويلات نفس الإرهاب ما لاقت، واكتوت به قبل غيرها عشرات المرات.. بل دفعت بغير ذنب من جرائه أنهارا من دماء شعوبها فى العراق وأفغانستان واليمن ما دفعت... لذا فحين يقدم الكونجرس الأمريكى اليوم على إصدار تشريع يفتح الباب أمام عائلات الضحايا الأمريكيين لمقاضاة الحكومة السعودية بزعم الانتصار للعدالة فنحن هنا أمام محاولة ابتزاز واضحة.

***

(٢)

ألمانيا استمرت فى دفع ما قيمته مليارات الدولارات تعويضا لعائلات ضحايا أفران الغاز النازية.. وبغض النظر عن صدق ادعاء اليهود من عدمه، فإن ألمانيا لم تدفع التعويضات انتصارا لقيمة العدل أو اعترافا بالجرم... ألمانيا دفعت لأنها فقط هُزمت!
لم تدفع روسيا تعويضات لملايين قضوا نحبهم فى معسكرات اعتقال سيبيريا ولا لملايين غيرهم قتلتهم الشيوعية بدم بارد فى أركان العالم المختلفة... لم تدفع روسيا تعويضات لآلاف السيدات الألمانيات اللواتى اغتصبن بعد سقوط برلين سواء على أيدى الجنود السوڤييت أو نظرائهم من جنود التحالف... لم تدفع هى ولن يدفع منهم أحد.. ببساطة لأنهم منتصرون!

***

(٣)

من سيقاضى الولايات المتحدة عما فعلته فى هيروشيما وناجازاكى؟ أليست هذه من أكبر جرائم الإنسانية فى القرن الماضى إن لم تكن واحدة من أكبر الجرائم على مدى التاريخ؟ تناقشت يوما مع أستاذ أمريكى حول تبريره إلقاء القنبلة الأولى على هيروشيما، وبين أخذ ورد ومناورة وتهرب ختم كلامه يومها بقوله: حسنا... لسنا مجرمى حرب فقط لأننا انتصرنا!... كان مصيبا إلى أقصى حد!
أحرقت الولايات المتحدة ڤيتنام، وشردت وقتلت ونكلت بالملايين فى أفغانستان والعراق، وبين الحقبتين كانت تتلاعب بمآسى الشعوب فى لبنان والصومال ودول أمريكا اللاتينية وغيرها... فمن يقاضيها اليوم عن كل ذلك؟ كان إرهابا مجسما مدعوما بالصوت والصورة ومذيلا بالاعتراف بل بالتفاخر والتباهى... لن يقاضيها أحد ليس لأنها بريئة بل لأنها قوية!

***

(٤)

أعداد ليست بالقليلة من منتسبى تنظيم (داعش) العائث فى أرضنا فسادا هم غربيون أوربيون قد أتوا إلينا من باريس ولندن وأمستردام.. فهل يقاضى أبناء العراق والأردن وسوريا حكومات تلك الدول قصاصا لمقتل أبنائهم على يد مواطنى تلك الدول؟
أمّا بقية (داعش) فمسئولون سابقون بجيش البعث، ذلك الذى حلته واشنطن وسرحت أفراده فى واحدة من أكبر خطايا إدارة بوش بعد اجتياح العراق... فعلى من يعود أبناء العراق طلبا لحقوقهم؟

***

(٥)

هل يمكن للبرلمان العراقى أن يصدر اليوم تشريعا يعطى العراقيين الحق فى مقاضاة بريطانيا على كل ما اقترفته فى العراق؟ لا أتحدث عن حقبة الاستعمار الطويلة بل فقط عن حرب العام ٢٠٠٣ التى اعترف (تونى بلير) صراحة بخطئه فيها؟ نحن لسنا هنا أمام أوهام أو ظنون؛ هذا رئيس حكومة لندن الذى اتخذ قرار بلاده بالغزو يعترف بعد صدور تقرير لجنة تقصى الحقائق البريطانية بإدانة حكومته أن القرار كان خطأ... هكذا بكل بساطة!

وتقرير آخر صدر حديثا من قلب المؤسسة البرلمانية البريطانية أيضا يدين للمرة الثانية حكومة خليفة بلير بسبب قرارها التدخل فى الشأن الليبى وما خلفه ذلك من قتل ودمار وفوضى وإرهاب نشاهدها على مدى اليوم فى ليبيا منذ خمس سنوات وإلى الآن.. فهل أقصى ما يطمح إليه الضمير الإنسانى أن يخرج رئيس وزراء مستقيل ليعتذر إلينا وينتهى الأمر كسابقه؟ للأسف حتى الاعتذار نفسه أصبح مشكوكا فيه!

الحقيقة أن هذا العالم متحضر جدا... متحضر إلى درجة أنه حريص على الإثبات العملى أن من يمتلك القوة يمتلك كل شىء وقادر على فرض كل شىء.