الجدار الحديدى وما وراءه.. الماضى والحاضر - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الخميس 23 أكتوبر 2025 2:24 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

الجدار الحديدى وما وراءه.. الماضى والحاضر

نشر فى : الأربعاء 22 أكتوبر 2025 - 8:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 22 أكتوبر 2025 - 8:13 م

مع التحول الكبير فى الحرب على قطاع غزة، وتحرير جميع الأسرى الأحياء، وما يبدو أنه انتهاء للمرحلة المكثَّفة من القتال، ينبغى العودة إلى مناقشة عدد من الفرضيات الأساسية فى الصراع مع العالم العربى ومع الفلسطينيين.

 


وكنقطة انطلاق لهذا النقاش، يمكن الاستعانة بكتاب أورى بار يوسف «ما وراء الجدار الحديدى: ما الذى ينقص فى مفهوم الأمن الإسرائيلى» (منشورات كنيرت زمورا دفير)، الذى صدر سنة 2024. ويجادل بار يوسف فى أن هذه العقيدة التى صاغها جابوتنسكى فى مطلع عشرينيّات القرن الماضى، ووضعها بن جوريون فى صلب مفهوم الأمن بعد حرب الاستقلال، حقّقت غايتها واستهلكت نفسها. وبحسبه، فمنذ سنة 1967، لم يكتفِ العالم العربى، بدرجات متفاوتة، بعملية تقبُّل مستمرة لوجود إسرائيل، بل كان فى الإمكان أيضًا التوصّل إلى سلام شامل لولا انغماس إسرائيل فى احتلال الأراضى ورفْضها الاعتراف بالفرص التى فُتحت أمامها لتسوية تُنهى الصراع. ويعرض الكتاب تصوُرًا لتسوية شاملة مع العالم العربى على أساس حدود 1967، وإقامة دولة فلسطينية، ومبادرة السلام العربية. ولإثبات أطروحاته، يقدّم الكتاب نقاشًا تاريخيًا منظَمًا فى مسار الصراع، مكتوبًا بروح موضوعية إلى حدّ ما، لكنه يعانى عمليًا جرّاء انحيازات جوهرية فى معظم أجزائه.
ثمة أساس لقول إن إسرائيل كان ينبغى أن تُصغى إلى مقترحات السادات سنة 1971. ومعلوم أنه عقب "حرب أكتوبر"، وعلى الرغم من المخاوف الكبيرة، فقد وقّعت إسرائيل اتفاقين مرحليَين مع مصر، ثم توصلت معها إلى اتفاق سلام سنة 1979. كما توصلت إلى اتفاق سلام مع الأردن سنة 1994. وفى عهد كل من حكومة رابين ونتنياهو وباراك على السواء، أجرت إسرائيل فى تسعينيات القرن الماضى مفاوضات جدّية بشأن اتفاق سلام مع سوريا، فى ظلّ مطالبة الأخيرة بالعودة إلى طبريا وتجاوُز الحدود الدولية، وبـ«بخل سورى مفرط» فى الاستعداد للتطبيع. كذلك، توصلت إسرائيل إلى اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية (1993)، الذى كان يُفترض أن يكون مقدّمة لتسوية نهائية بين الطرفين ولحلّ المشكلة الفلسطينية. لذلك، يصعب القول إن إسرائيل لم تبحث عن فرص للتسوية مع جيرانها أو لم تعمل على تحقيقها.
• • •
يخصص بار يوسف نقاشًا مطوَّلًا لفكرة أن عرفات لم يكن هو مَن بادر إلى الانتفاضة الثانية، لكنه يمتنع تمامًا من معالجة أسئلة حاسمة أُخرى فى هذا السياق، على غرار «ألم يقفز عرفات إلى الانتفاضة بعد اندلاعها، ويشجعها، ويُدِرْهَا؟» وقبل ذلك، «كيف تعامل مع عمليات «حماس» ضد إسرائيل خلال مسار أوسلو، وما الذى كان مستعدًا لفعله إزاءها؟»، و«ما كانت رؤيته لمبادئ الفلسطينيين الأساسية، وما تصوُّره لمستقبلهم؟»، و«لماذا فشلت كل الجهود معه فى وقف الانتفاضة الثانية؟».
ولا يتساءل بار يوسف عن سبب رفْض الفلسطينيين المقترحات التى وُضعت على الطاولة فى 3 محاولات جدّيّة للتوصُّل إلى سلام معهم: معايير كلينتون سنة 2000، واتصالات أولمرت - عباس ومحادثات أنابوليس سنة 2007، ومبادرة كيرى سنة 2014، وجميعها تضمّنت اقتراح إقامة دولة فلسطينية مع تعديلات حدودية طفيفة ومتبادلة، فى مقابل تخلٍّ فلسطينى فعلى عن حق العودة إلى داخل إسرائيل، باستثناء تنازلات رمزية من الجانب الإسرائيلى. ويتجاهل بار يوسف تمامًا أن حق العودة (ومعه حلم زوال إسرائيل فى المستقبل)، أى محو ما يعتبرونه ظُلْمًا سنة 1947، وليس إقامة دولة مستقلة ضمن حدود 1967، يشكّل جوهر الأيديولوجيا الفلسطينية التى لم يجرؤ أى زعيم فلسطينى على الخروج عنها، ولا يخصص لذلك كلمة واحدة.
بل حتى إنه يشيد بمبادرة السلام العربية لسنة 2002، ويرى فيها الإطار المناسب لحل الصراع الذى فشلت إسرائيل فى تبنّيه. لكنه فى عرضه للمبادرة، يغفل، فى جملة أمور غفل عنها، عن الإشارة إلى البند المتعلّق بحلّ عادل ومتَّفَق عليه لقضية اللاجئين وفق القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1948. ويبدو أن بار يوسف لا يرى أهمية لهذا البند، كما لا يقلقه أن قبول إسرائيل المبادرة يعنى اعترافًا قانونيًا بالقرار 194، على الرغم من أنه لا يحمل صفة إلزامية قانونية، الأمر الذى سيحوّله فعليًا إلى جزء مُلزِم من القانون الدولى، وهو ما امتنعت إسرائيل دائمًا من فعله؛ فمبادرة السلام العربية تتحدّث عن حلّ متَّفق عليه وفق القرار 194، وهو ما يشبه، على سبيل المثال، اقتراح حلّ متَّفَق عليه لمسألة السيطرة على الضفة الغربية وفق برنامج بتسلئيل سموتريتش. ويبدو أنه مقتنع أيضًا بأن المطالب الفلسطينية بحلّ متَّفَق عليه وعادل لقضية اللاجئين ستكون معقولة، ولن تتضمّن تطبيقًا واسعًا لحق العودة المنصوص عليه فى القرار 194، الذى جاء فيه: «إن اللاجئين الراغبين فى العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم يُسمح لهم بذلك فى أقرب وقت ممكن عمليًا».
• • •
أخيرًا، يبدو أن بار يوسف لم ينتبه أيضًا إلى أن الشرق الأوسط ساحة لحروب أهلية دامية تمتد من ليبيا إلى السودان وسوريا والعراق واليمن، وسابقًا الجزائر ولبنان، إذ وقفت الجامعة العربية عاجزة أمامها جميعًا. ومع ذلك، فإنّ بار يوسف يعتقد فيما يبدو أن للجامعة العربية قدرة كبيرة حين يتعلق الأمر بالصراع مع إسرائيل.
وفى هذه الأثناء، وبعد حرب 7 أكتوبر، والتغيّرات فى سورية (فهل ما زال بار يوسف يقترح الانسحاب من الجولان؟)، وتعزُّز المحور الموالى للولايات المتحدة فى المنطقة، ربما تُفتح فرص لتقدُّم حذر ومحدود نحو تسويات. وللمرّة الأولى فى العالم العربى، الذى أنهكته الإخفاقات، تبرز بدايات عمليات تحديث ناجحة، مع عقبات اجتماعية وثقافية أكبر كثيرًا فى السعودية. ويبقى أن نرى إلى أيّ مدى ستتسرّب هذه العمليات إلى قلب العالم العربى وتؤثّر فيه وفى الصراع العربى-الإسرائيلى. يبدو أن فرص التقدّم نحو تسويات، وفى مقدمتها توسيع اتفاقات أبراهام، تتزايد، وهى مشروطة بوضع إنهاء الاحتلال الإسرائيلى هدفًا مركزيًا. بالنسبة إلى إسرائيل، فإن إنهاء الاحتلال والانفصال عن الفلسطينيين هو ضرورة وجودية.
غير أن كتاب بار يوسف، الباحث فى موضوعات الانحيازات الإدراكية والتنافر المعرفى وتأثيرهما فى صناعة القرار، يُعَدُّ عرضًا يعكس توجُّهًا سائدًا لدى شرائح واسعة فى النخبة الإسرائيلية؛ فهؤلاء قلقون بعمق، وعن حق، من تصاعد النزعات المسيانية والتيارات الداعية إلى الضمّ فى إسرائيل، والتى بلغت ذروتها فى الائتلاف الذى يشكّل الحكومة الحالية، ويشعرون، وبحق أيضًا، بأن غياب استجابة مناسبة للصراع مع الفلسطينيين يمكن أن يقود إلى نهاية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، ويهدّد وجودها نفسه. ونتيجة لذلك، فقد توصّل كثيرون داخل هذه النخبة إلى قناعة فحواها أن السبب الرئيس لاستمرار الصراع هو إسرائيل، متناسين أو مقلّلين من تقدير طبيعة المنطقة الفعلية التى نعيش فيها.
إنّ اندلاع الحرب قبل عامين، وهزيمة محور المقاومة، يثبتان أنه فى هذا الحى الصعب (الشرق الأوسط) لا يزال الجدار الحديدى بعيدًا عن استهلاك دوره، إنما العكس، فهو كما فى الماضى شرط أساسى لأى تسويات بين إسرائيل وجيرانها. وهذا لا يُعفى إسرائيل، بطبيعة الحال، من المبادرة وبذل جهود جدّيّة من جانبها تتناسب مع خطورة المرحلة الراهنة.


عيزر غات
معهد دراسات الأمن القومى
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

من الصحافة الإسرائيلية أبرز المقالات من الصحف الإسرائيلية
التعليقات