فكرة الشيطان فى العقائد والأديان.. وفى الإسلام - رجائي عطية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فكرة الشيطان فى العقائد والأديان.. وفى الإسلام

نشر فى : الأربعاء 22 ديسمبر 2021 - 8:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 22 ديسمبر 2021 - 8:40 م

للأستاذ العقاد كتاب رائع فى «إبليس» وقوة الشر، أرجو أن أعود إليه، ولكنه فى حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ــ يبدأ حديثه عن «الشيطان» فى عقيدة الإسلام، بشىء من الكلمة التمهيدية التى بدأ بها كتابه «إبليس»، وقال فيها إن معرفة الإنسان للشيطان كانت فاتحة خير، لأنه لم يعرف الشيطان إلا بعد أن عرف الخير والشر، وعرف الفرق بين الشر والضرر. وختم كتاب إبليس بكلمة عن مقاييس الحقائق التى تعددت وتنوعت، فلا تقاس كلها بمقياس الحساب أو المعمل أو مقياس التجربة المحسوسة، وبخاصة ما كان منها متصلا بالضمير والوجدان.
وبعد حديث فى العقائد والأخيلة، وما تمتلئ به سيرة النوع الإنسانى فى نحو مائة قرن يدركها التاريخ، من أحاديث الخرافة، يخلص إلى أنه بعد هذه الرحلة الطويلة إلى القرن العشرين، لم يستطع علم العلماء أن يقيم الفوارق الحية المحسوسة بين خلق وخلق، بفارق واحد كالفارق الذى نفهمه ونحسه ونحياه حين نتكلم عن الخلائق الإلهية والخلائق الملكية أو الخلائق الشيطانية، أو عما يجعلها من الخلائق السماوية أو الخلائق الأرضية أو الخلائق الجهنمية.
* * *
إن الإيمان فيما يقول ــ شوق عميق من أشواق النفس الإنسانية، تنساق إليه بباعث من فطرتها.. أما النفاذ إلى أسرار الإيمان، فيحتاج إلى أناة الفكرة مع رحابة الصدر وقياس كل حقيقة بما يناسبها من المقاييس والخصائص.
على أن مراحل الانتقال فى تصور روح الشيطان ــ أو تصور الشيطان ــ قد تكون من أوضح المعالم لمتابعة الضمير الإنسانى فى ارتقائه وتمييزه.
وإنه لمن السهل أن نعرف الإنسان بمقدار ما يشعر به من نفور ــ أو خـوف ــ من الشر!
ولكن التعرف على الإنسان بالقياس إلى ما يتمثله من مثل عليا ــ ليس بهذه السهولة، لأن المثل العليا تبتعد بطبيعتها عن الواقع وتمتزج بالآمال والفروض.
ونحن ــ بالمقارنة بين مراحل الانتقال فى تصور فكرة الشيطان وسلطان الشر ــ نستطيع أن نبين مرحلة العقيدة الإسلامية من هذه المراحل، وأن نعرف منها مدى قوة الضمير الإنسانى فى مواجهة قوة الشر..
لقد بدأ الإنسان خطواته المتعثرة فى طريق الخير والشر؛ بدأها حيوانا ضعيفا يفهم الضرر ولكنه لا يفهم الشر ولا يدريه، ونظر إلى الأرواح كلها على أنها ضارة تلاحقه بالأذى ويتوسل إلى مرضاتها بالشفاعة والضراعة، أو بالضحايا والقرابين.
ثم انقسمت الأرواح عنده إلى ضارة وغير ضارة، ولا تمتنع غير الضارة عن الضرر؛ محبة للخير أو كارهة للشر، بل لأنها خاصية موروثة من الأسلاف.
ثم طالت رحلة الإنسان فى هذه الطرق فيما يقول الأستاذ العقاد، حتى سنح له بصيص من التمييز بين الضرر الذى يجوز والضرر الذى لا يجوز، وسنح له هذا البصيص من عادة الارتباط بالعهود والمواثيق بينه وبين أربابه وبينه وبين عشرائه وخلفائه، فالضرر المستغرب هو ما كان مخالفا للعهود والمواثيق.
هنالك عرف الشر والخير، وعرف التمييز بين ما يجوز وما لا يجوز، وظهرت بين الأمم المتقدمة قوى الشر الكونية التى تتصرف فى الوجود وراء عمر الإنسان الواحد ووراء أعمار الأجيال.
وأرفع ما ارتفع إليه الإنسان فى هذه المرحلة ــ فيما يقول الأستاذ العقاد ــ هو عقيدة 
الهند، فعقيدة الثنوية، فعقيدة مصر الفرعونية.
عقيدة الهند أن المادة كلها شر أصيل فيها، فلا خلاص منه إلا بالخلاص من الجسد.
وعقيدة الثنوية أن الشر من عند إله الظلام، وأن الخير من عند إله النور، والغلبة أخيرا تكون لإله النور بعد صراع طويل.
وعقيدة مصر الفرعونية، أن الإله «سبت» شرير مع أعدائه ومخالفيه، وربما كان منه الخير لأتباعه ومؤيديه، ولم يكن خلاص الروح عندهم منفصلا عن خلاص الجسد.
وربما كانت عقيدة مصر الفرعونية ــ فى رأى الأستاذ العقاد ــ هى أقرب هذه العقائد الثلاث إلى تنزيه الضمير الإنسانى من لوثات الوثنية، لأنها جعلت للشر نزعة منفردة بين نظم الأكوان، كأنها ضرب من التمرد.
ثم تميزت من بين عقائد القبائل البدائية والحضارات العليا ـ عقائد الديانات الكتابية، وتميزت بين ديانات الأولين، الديانة العبرية والديانة المسيحية والديانة الإسلامية.
ولأن البداية كانت مع الديانة العبرية، وكانت جسرا بين الوثنية والتوحيد والتنزيه، لم تتميز فيها قوة الخير وقوة الشر بفاصل حاسم، فكان الشر من عمل الشيطان أحيانا ومن عمل الحية أحيانا، وكان بهذه المثابة يتراوح بين ضرر لا يجوز، وبين ضرر مادى يأتى من حيوان كريه إلى الناس لما ينفثه من سموم قاتلة.
وكانوا ينسبون العمل الواحد مرة إلى المعبود «يهوا»، ومرة إلى «الشيطان».
ثم انتقلت فكرة الشيطان مرحلة واسعة بعد ظهور المسيحية، فتم الانفصال بين الصفات الإلهية والصفات الشيطانية.

فى الإسلام
وانتقلت فكرة الشيطان إلى أبعد مراحلها بعد ظهور الإسلام، فهو قوة الشر لا مراء، ولكنها قوة لا سلطان لها على ضمير الإنسان ما لم يستسلم لها بهواه أو بضعف منه عن مقاومة الإغواء.
«إِنَ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ» (الحجر 42).
«إِنَ كَيْدَ الشَيْطَانِ كَانَ ضَعِيفا» (النساء 76).
«وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُواْ 
أَنفُسَكُم» (إبراهيم 22).
فمن أطاع الشيطان فقد أطاع نفسه فظلمها ولم يظلمها الشيطان:
«قَالاَ رَبَنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (الأعراف 23).
وما يكون لشيطان أن يطلع على الغيب أو ينفذ إلى أسرار العالم المجهول:
«لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِى الْعَذَابِ الْمُهِينِ» (سبأ 14).
وما يكون للشيطان أن يضر أحدا بسحره..
«وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَ بِإِذْنِ اللهِ» (البقرة 102).
وما كان لهم من سحر إلاَ أن تضل الأبصار والبصائر كأنما ضلال المسحور ضرب من ضلال المخمور.
إِنَمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ» (الحجر 15).
«يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَهَا تَسْعَى» (طه 66).
* * *
فما كان سحر الشيطان إلَّا ضربا من الخيال أو الخبال، وما كان له ــ بأى قوة ــ أن يهزم ضمير الإنسان.
وبهذه العقيدة الوجدانية الفكرية ـ أقام الإسلام عرش الضمير، وَثَلَّ عرش الشيطان.
ومن حق البحث الأمين المنصف أن يضيف هذه العقيدة، إلى عقائد الإسلام فى الله، وفى النبى، وفى الإنسان.. فإذا ما أبان له الإنصاف ذلك، صار جليا أمامه أنه من المحال أن يكون الإسلام صورة منسوخة أو محرفة من ديانة سبقت، وعرف أن الإسلام أتى فى أطوار الإيمان بغاية ما ارتفع إليه ضمير المؤمن فى جميع الديانات.

Email :rattia2@hotmail.com
‏www.ragai2009.com

التعليقات