عقيدة ترامب فى الشرق الأوسط - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 5 ديسمبر 2024 6:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عقيدة ترامب فى الشرق الأوسط

نشر فى : الإثنين 23 أبريل 2018 - 10:10 م | آخر تحديث : الإثنين 23 أبريل 2018 - 10:10 م

نشرت مجلة The Atlantic مقالا للكاتب «مارتن إنديك» يتناول فيه عقيدة ترامب ومبدأه تجاه منطقة الشرق الأوسط كما ظهرت واضحة فى خطابه للشعب الأمريكى بعد الضربة الثلاثية الموجهة ضد سوريا على خلفية اتهام نظام الأسد باستخدام الأسلحة الكيماوية، ويرغب ترامب فى الانسحاب التدريجى من منطقة الشرق الأوسط باعتبارها منطقة مضطربة ويترك مسئولية حمايتها وحفظ السلام والاستقرار فيها إلى حكامها بالأساس، بالإضافة إلى إعلانه أن الولايات المتحدة لن تتدخل لإسقاط أى طاغية فى الشرق الأوسط، وأنها سوف تتعامل مع كل الحكام الديمقراطيين والاستبداديين، على أن يكون المبدأ الحاكم هو مصلحة أمريكا أولا.

مساء يوم الجمعة 13 إبريل 2018، كانت «الضربة الثلاثية ضد سوريا» أول أزمة تواجه جون بولتون كمستشار للأمن القومى للرئيس ترامب منذ تسلمه لمهام عمله، وقف بولتون وراء الكاميرات فى غرفة الاستقبال الدبلوماسية بالبيت الأبيض، بينما ألقى رئيسه ــ ترامب ــ خطابا للأمة يوضح فيه «لماذا هاجمت الطائرات والصواريخ الأمريكية والبريطانية والفرنسية أهداف مرتبطة ببرنامج سوريا للأسلحة الكيماوية؟».

بالطبع كان الخطاب يتضمن بعض الكلمات «الترامبوبة» الكلاسيكية ومنها: الحديث عن بشار الأسد بوصفه «وحشا»، والاقتصاد الأمريكى باعتباره «الأعظم والأقوى... فى تاريخ العالم»، وأمل ترامب المستمر فى «أن تصبح الولايات المتحدة الأمريكية على وفاق مع روسيا».

وجاء نص الخطاب كما يلى «رفاقى الأمريكيين، يوم الثلاثاء، شن الديكتاتور السورى بشار الأسد هجوما مروعا بأسلحة كيميائية على مدنيين أبرياء باستخدام غاز الأعصاب القاتل، انتزع الأسد أرواح رجال ونساء وأطفال لا حول لهم ولا قوة. كان موتا بطيئا ووحشيا بالنسبة للكثيرين، حتى الأطفال قتلوا بوحشية فى هذا الهجوم الهمجى للغاية. لا يجب أن يعانى أى من أطفال الرب مثل هذا الرعب أبدا».

«الليلة أمرت بتنفيذ ضربة عسكرية محددة الهدف فى سوريا على المطار، الذى شن منه الهجوم الكيميائى. إن من مصلحة الأمن القومى الحيوية للولايات المتحدة منع وردع انتشار واستخدام الأسلحة الكيميائية القاتلة. ليس هناك أدنى شك فى أن سوريا استخدمت أسلحة كيميائية محظورة، وانتهكت التزاماتها المنصوص عليها فى معاهدة الأسلحة الكيميائية، وتجاهلت دعوات مجلس الأمن الدولى».

«لقد فشلت سنوات من المحاولات السابقة لتغيير سلوك الأسد، وقد فشلت فشلا ذريعا، ونتيجة ذلك لا تزال أزمة اللاجئين تتفاقم، ولا يزال استقرار المنطقة يتزعزع ويهدد الولايات المتحدة وحلفاءها».
«الليلة، إننى أدعو كل الدول المتحضرة إلى الانضمام إلينا فى السعى إلى إنهاء المجزرة وسفك الدماء فى سوريا والقضاء على الإرهاب بكل أنواعه وأشكاله. نسأل الله أن يعطينا الحكمة فى الوقت الذى نواجه فيه تحدى عالمنا المضطرب جدا. نصلى من أجل حياة الجرحى ونفوس أولئك الذين قضوا، ونأمل أنه طالما أن أمريكا تنتصر للعدالة، فإن السلام والوئام، سيسودان فى النهاية».

صرح ترامب بأنه تم تدمير مركز للبحث والتطوير فى مجال الأسلحة الكيميائية ومرفقين للتخزين لتقليل قدرات الأسد وليس القضاء عليها وإرسال إشارة بأن الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لن يتسامحوا مع استخدام أسلحة الدمار الشامل. لم يتم استهداف أى أهداف أخرى للنظام، ولم يتم تدمير أى طائرة سورية، ولم يتم تهديد أى قواعد روسية أو إيرانية، ولم يتم اختراق أى منطقة دفاع جوى روسية. كانت، كما وصفها وزير الدفاع «جيمس ماتيس» بعد ذلك، «تسديدة لمرة واحدة».

باعتباره قائد عام للقوات المسلحة، وفى ظل وجود بولتون «المتطرف المحب للحروب»، كان من الممكن أن يصر ترامب على شن هجوم أكبر. ولكن قراره بعدم القيام بذلك أكد على الرسالة المستترة فى خطابه ألا وهى عقيدته تجاه الشرق الأوسط والتحول نحو فك الارتباط به.

***

«لا يمكننا تطهير العالم من الشر، أو التصرف واتخاذ إجراءات ضد الطغيان والسلطوية فى كل مكان فى العالم»، هكذا قال ترامب، فى تناقض صارخ مع «جون كنيدى» والذى كان مبدأه «دفع أى ثمن، تحمل أى عبء... لضمان بقاء ونجاح الحرية». بدلا من ذلك، نجد أن ترامب عازما على تقليص دور الولايات المتحدة وانخراطها فى المشكلات العالمية والحد من التزاماتها قائلا «لا يمكن لأى قدر من الدماء الأمريكية أو الثروات أن تؤدى إلى سلام وأمن دائم فى الشرق الأوسط، إنه مكان مضطرب. نحاول جعله مكان أفضل»، ولكنه ظل يكرر: «الشرق الأوسط مكان مضطرب».

أضاف الكاتب أن ترامب يروج الآن ويؤكد على أن «الشرق الأوسط مكانا مضطربا». ومن الواضح أنه لم يعد منطقة استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة لاستثمار فيها، باستخدامه للقوة الأمريكية، كان ترامب ينوى إنشاء رادع قوى ضد استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية، لأنه أعلن أنها «مصلحة أمنية وطنية حيوية للولايات المتحدة». لكن هذا الاهتمام الحيوى سيظل محددا بشكل ضيق،على النقيض من ذلك، فإن «مصير المنطقة» يكمن فى أيدى شعوبها كما قال ترامب.

وبعبارة أخرى، لن يكون هناك جهد لإسقاط الأسد، أو أى طاغية شرق أوسطى آخر. ولكن من أجل حماية الشعب الأمريكى، سوف يستمر ترامب فى تدمير داعش فى سوريا، «ولكن باستخدام قوة صغيرة». ولكن الأمر متروك للأصدقاء الأمريكيين الإقليميين «لضمان عدم استفادة إيران من القضاء على داعش»، وصرح ترامب قائلا «لقد طلبنا من شركائنا فى الشرق الأوسط تحمل مسئولية أكبر لتأمين منطقتهم». لقد تحملت الولايات المتحدة الكثير وأخذت بزمام الأمور فى منطقة الشرق الأوسط للحد من المكاسب التى حققتها إيران فى الهيمنة على المنطقة، كما وجه انتقادات لاذعة للملف النووى الإيرانى. وأعلن ترامب أن مبدأه وعقيدته تجاه الشرق الأوسط ستكون مشابهة لمبدأ الرئيس أوباما. أى اتباع سياسة الانسحاب التدريجى من منطقة الشرق الأوسط.

إن منتقدى ترامب الذين يزعمون أن ضرب منشآت الأسلحة الكيميائية السورية يجب أن يكون جزءا من استراتيجية أوسع، يبدو أنهم لم يفهموا رسالة ترامب، ربما تخيلوا أنهم يمكنهم أن يدفعونه إلى تبنى جهد أكثر طموحا لإعادة تشكيل سوريا. لكن ترامب لديه بالفعل استراتيجية فى الشرق الأوسط. قد تكون ليست الاستراتيجية المفضلة بالنسبة لهم، وربما أيضا قد لا تكون الاستراتيجية المفضلة بالنسبة لبولتون. وسوف يقوم ترامب بإحتواء كل شركاء أمريكا فى الشرق الأوسط، المستبدين والديمقراطيين على حد سواء، ويبيع لهم كل الأسلحة التى يستطيعون تحمل تكاليفها. ولكن تبقى مهمتهم وحدهم تحمل أعباء التعامل مع هذا المكان المضطرب.

أوضح ترامب أنه فى حالة استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية مرة أخرى سوف يتم توجيه ضربات عسكرية مرة أخرى. ولكن إذا أراد الأسد الاستمرار فى ذبح شعبه بالأسلحة التقليدية، فالأمر متروك للآخرين للتعامل معه. أى إن «مصير المنطقة يكمن فى أيدى شعبها»، وليس فى يد ترامب.

***

لقد أعلن ترامب فى يوم 29 مارس عن نيته فى مغادرة سوريا، معلنا عن أن القوات الأمريكية ستغادر سوريا قريبا جدا قائلا لندع الآخرين يعتنون بها، أعلن ذلك بوضوح أمام حشد من أنصاره.

لكنه أوضح بالفعل نواياه فى سوريا، على مدى العام الماضى عندما تجنب مرارا مساعدة إسرائيل ــ أقرب حليف لأمريكا فى الشرق الأوسط ــ لقد حاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مرارا وتكرارا طلب مساعدة ترامب فى تأسيس خطوط حمراء فى سوريا ضد إنشاء إيران لقاعدة جوية ومصانع لصواريخ موجهة بدقة لإيصالها إلى حزب الله وتجاوز مرتفعات الجولان من قبل الميليشيات المدعومة من إيران. بدلا من ذلك، اضطر نتنياهو إلى السفر سبع مرات إلى موسكو ليطلب من بوتين المساعدة التى لم يستطع تأمينها من ترامب. لكن فى ظل غياب مشاركة ترامب، ليس لدى بوتين أى مصلحة فى تحدى شريكه الإيرانى فى سوريا.

وقد ترك هذا إسرائيل لفرض خطوطها الحمراء من خلال مهاجمة المنشآت والقوافل الإيرانية. والآن فإن وعود طهران بالانتقام تزيد من التوترات وهناك مواجهة شاملة تلوح فى الأفق، يمكن أن تغمر لبنان أيضا. وإذا حدث ذلك سوف يصبح المكان المضطرب أكثر اضطرابا.

وبالمثل، يسعد ترامب فى اليمن بمساعدة صديقه ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان فى المستنقع، حيث يوفر كل الأسلحة والمخابرات التى يمكنه استخدامها. لكن لن يكون هناك أى تدخل دبلوماسى أمريكى لتعزيز التسوية السياسية التى قد تساعد السعودية على صياغة استراتيجية خروج ضرورية لإنهاء الأزمة الإنسانية. ومن الذى يستفيد فى هذه الأثناء؟ بطبيعة الحال، إيران، والتى من خلال تزويدها للمتمردين الحوثيين بالصواريخ والأسلحة، تبنى موقع نفوذها على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، دون أى تكلفة على نفسها.
يختتم الكاتب قائلا علينا ألا نتخيل أن جون بولتون سيكون قادرا على تغيير عقيدة ترامب وتوجهه الجديد نحو فك الارتباط بمنطقة الشرق الأوسط، وترك مسئولية حماية أمن واستقرار المنطقة «المضطربة» لحكامها وشعوبها. بالفعل ربما أراد هجوما أكثر قوة. وربما أراد إثارة مواجهة مع روسيا. لكن فحصه لنص ترامب فى غرفة الاستقبال الدبلوماسية هو صورة تحكى ألف كلمة.

إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى
النص الأصلى

التعليقات