«تفاهم الضرورة» بين أنقرة وطهران لا يبنى تحالفا - صحافة عربية - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 9:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«تفاهم الضرورة» بين أنقرة وطهران لا يبنى تحالفا

نشر فى : الأربعاء 23 أغسطس 2017 - 8:35 م | آخر تحديث : الأربعاء 23 أغسطس 2017 - 8:35 م
نشرت جريدة الحياة اللندنية مقالا للكاتب «جورج سمعان» جاء فيه أن زيارة رئيس الأركان الإيرانى الجنرال محمد باقرى تركيا جاءت فى مرحلة يتبدل فيها المشهد الإقليمى سريعا، ولعل أحد أبرز تجليات هذا التبدل يكمن فى تفاهم الضرورة بين واشنطن وموسكو فى الساحة السورية، على رغم ما بينهما من توتر يؤشر إلى قيام نوع من آخر من الحرب الباردة. هذا التفاهم دفع الكرملين إلى تقديم مصلحته فى العلاقة مع البيت الأبيض على أى مصلحة أخرى، سواء كانت مع طهران أو أنقرة. يتماشى هذا مع منطق الكبار حين يجلسون إلى الطاولة. ولا شك فى أن تركيا وإيران لا يريحهما لجوء موسكو إلى القاهرة للمساعدة فى إقامة منطقتى خفض توتر فى الغوطة الشرقية لدمشق أو شمال حمص. هذه الخطوة تباركها واشنطن، وتدعمها عواصم خليجية ما دام أنها تعزز حضور حليفها المصرى فى بلاد الشام، وتعيد إليه شيئا من دوره القديم، وتحد من غلواء خصومها من دول الطوق.
أبعد من هذا التفاهم الدولى المقلق، تتوجس إيران وتركيا من إقامة القوات الأمريكية عددا من القواعد فى سورية كأنها باقية لسنوات، وأن يكون ميدان هذا الانتشار فى مناطق الشمال خصوصا، انطلاقا من الدعم الذى توفره الولايات المتحدة لـ«قوات سورية الديموقراطية».
وتتزامن زيارة الجنرال باقرى أيضا مع انطلاق الحرب على «داعش» فى تل عفر. ومعروف أن تركيا ترفض دخول «الحشد الشعبي» هذه المدينة التى تسكنها طائفة كبيرة من التركمان. وتتزامن أيضا مع إصرار الرئاسة فى إربيل على إجراء استفتاء على قيام دولة كردية، وهو استحقاق بات قريبا... إلا إذا نجح معارضوه الكثر فى تأجيله. ولا حاجة إلى تكرار ما ساقته طهران وأنقرة من تهديدات لإربيل إذا مضت فى هذا الاستحقاق المقرر فى الخامس والعشرين من الشهر المقبل. وتاريخ اعتراضهما على استقلال كردستان طويل منذ أن حطت الحرب العالمية الأولى رحالها إلى اليوم. خوفهما أن تمتد «العدوى» إلى الكرد فى تركيا وإيران، لذا هما تنذران بأن مثل هذه الخطوة سيزعزع استقرار العراق ويترك آثارا سلبية على المنطقة كلها. هذا إضافة إلى ما تعانيه المنطقة العربية من تفكك وشرذمة وحروب، وآخرها الأزمة بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة ثانية.
إنها إذا مرحلة تفرض على تركيا وإيران عقد زواج مصالح مرحلى أو تفاهم الضرورة، تماما كما هى حال روسيا وأمريكا هذه الأيام، فى سورية أو غيرها، بعيدا من الخلافات والتناقضات فى الأهداف والمصالح والتناحر لاقتطاع مناطق سيطرة ونفوذ وفتح أسواق فى المنطقة العربية. كلتاهما تحتاج إلى الأخرى مرحليا فى حمأة الصراع على الإقليم. فى هذا الإطار يجب وضع زيارة الجنرال باقرى، على أنها محطة إلزامية فرضتها ظروف يواجهها البلدان، لكنها لا يمكن أن تطوى عقودا من التوتر والخلاف بينهما، أو تشكل منطلقا أو خطوة نحو بناء تحالف استراتيجى. ستظل لكل منهما سياستها الخاصة، سواء فى العراق أو سورية، وحتى فى آسيا الوسطى والجمهوريات السوفييتية السابقة. تسعى كل منهما إلى بسط سلطتها وتجارتها وتوسيع فضاء أمنها فى الإقليم على حساب العرب... وإسرائيل أيضا. لأشهر، كان الرئيس رجب طيب أردوغان يصر على رحيل الرئيس بشار الأسد، ويندد بالتمدد الفارسى فى المنطقة. وكان قبل ذلك يهاجم بشدة نورى المالكى، حليف طهران الأول، ويتهمه بتأجيج الصراع المذهبى فى العراق. وفى بدايات لقاءات أستانة، كان ممثل أنقرة يطالب بانسحاب الميليشيات الشيعية و «حزب الله» من سورية. المسئولون الإيرانيون هددوا تركيا مرارا وحذروها من التدخل فى أزمة جارتها الجنوبية، واتهموها بدعم الحركات الإرهابية. وليس خافيا دعمها حزب العمال فى حربه مع أنقرة. مثلما ليست خافية تفاهمات «الحشد الشعبى» مع هذا الحزب الذى وفرت له الأزمة السورية وقيام «داعش» فرصة التمدد نحو جبل سنجار والشمال السورى، وهو ما أثار ويثير حفيظة إربيل.
زيارة رئيس الأركان الإيرانى أنقرة قد لا ترتب على طهران تعقيدات مماثلة لتلك التى تواجه حكومة الرئيس أردوغان. فالجمهورية الإسلامية حرصت، على رغم كل ما شاب تاريخ العلاقات مع تركيا، على تفاهمات اقتصادية معها تتيح لها بابا لخرق العقوبات الأمريكية المتجددة، وتعينها على حفظ نفوذها فى عدد من البلاد العربية، خصوصا سورية والعراق. وهى تفيد حتما من الفتور بين القاهرة وأنقرة، وما يمكن أن يطاول العلاقات بين الأخيرة وعواصم خليجية بسبب وقوفها إلى جانب الدوحة، ومواصلة رعايتها قوى الإسلام السياسى خصوصا «الإخوان». فى حين يطمح الرئيس التركى إلى تعاون مع موسكو وطهران، يعينه على مواجهة السياسة الأمريكية حيال الكرد فى بلاد الشام، وعلى مواجهة أوروبا التى أدارت له ظهرها وتسوق إليه شتى الاتهامات فى شأن حقوق الإنسان والسعى إلى بناء ديكتاتورية.
ومهما كانت مخاوف واشنطن من بناء تحالف بين موسكو وطهران وأنقرة، لا يمكن هذه القوى الثلاث الذهاب أبعد من عقد صفقات أو مقايضات مرحلية، تشمل الوضع فى تل عفر ومستقبل محافظة إدلب التى باتت بيد عناصر «جبهة فتح الشام» (النصرة). مثل هذه المقايضات أو «تفاهم الضرورة» لا يبنى حلفا استراتيجيا، خصوصا أن الدول الثلاث ترتاب واحدتها من نيات الأخرى فى أكثر من ملف وساحة، وعينها على أمريكا وأوروبا!

الحياة ــ لندن

 

التعليقات