25 يناير.. رمانة الميزان فى الانتخابات! - أكرم السيسى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:47 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

25 يناير.. رمانة الميزان فى الانتخابات!

نشر فى : الأربعاء 24 يناير 2018 - 9:15 م | آخر تحديث : الأربعاء 24 يناير 2018 - 9:15 م
تتعرض كل الثورات لضربات ارتدادية قاسية، فهى كالسمكة التى تُقطع رأسها ويظل ذيلها حيا متحركا فى كل الاتجاهات، ولكن فى النهاية يلقى الذيل حتفه مثل رأسه، هكذا علمتنا الثورة الفرنسية 1789 – أم الثورات ــ تبادلت الجمهوريات والملكيات من 1792 إلى 1870، حتى وصل المستقر إلى الجمهورية الخامسة 1958.

وبالمثل تعرضت ثورة 25 يناير لكثير من الحروب، أولها انقضاض الوجه الآخر لحكم الفساد، أمسك التنظيم الدينى بزمام الدولة، وكتبوا دستورا يخدم أفكارهم العقائدية، ولولا 30 يونيو لوقعت مصر فى سجن الدولة الدينية التى لا تعرف الانتخابات الديمقراطية إلا مرة واحدة، نراها فى جمهورية «الملالي» الإيرانية، مرجعيتهم الأخيرة «آية الله». وفى تركيا تنتهى مدة رئيس وزرائها، فينقلب على الدستور ويعدله ليصبح حاكما أبديا؛ وفى السودان يستمر الإخوان ثلاثين عاما، ولدعم بقائهم يختلقون حروبا خارجية، فبعد تقسيم السودان وإبادة الآلاف فى دارفور، يتحالفون مع أعداء «مصر»، ويبثون الكراهية بين الشعبين الشقيقين، ويرفعون شعار «مصر عدو بلادى»، ويتنازلون عن أراضيهم «جزيرة سواكن» نكاية فى مصر!!

انتفضت شعوب هذه الدول أكثر من مرة، ولكن هيهات، فالإفلات من الحكم الدينى لا يأتى بسهولة، فهم ينكلون بمعارضيهم فى سبيل «الخلافة»، معتقدين امتلاك «الحقيقة المطلقة»، والإسلام لم يحدد نظام الحكم جمهوريا كان أو ملكيا، فلا توافق بين الثابت والمتغير، ولا بين المقدس والمدنس، فالخلط بينهما يكسر الثابت ويدنس المقدس، وتكون هزيمة للدين وليس للسياسة، تلك حقيقة أثبتها التاريخ.

وكى نقتنع بهذا، نستدعى مشهدا لعبقرى الواقعية صلاح أبوسيف، فى فيلم «الزوجة الثانية» (1967) يُبرر الشيخ مبروك للعمدة (صلاح منصور) ارتكاب كل المعاصى، يُقنع أبوالعلا (شكرى سرحان) تزويج زوجته للعمدة بقوله: «وأطيعوا الله ورسوله وأولى الأمر منكم»!، تعبير تكرر مرارا لتبرير ظُلمات العمدة!، والفيلم لا يخلو من الإسقاطات السياسية للحاكم الظالم والطماع الذى يُسخر نفوذه لتحقيق أغراضه، هكذا فعل مبارك، فمحاولته توريث الحكم بطريق غير شرعى مثل زواج «العمدة» من «فاطمة» ــ مخالفة للشرع ــ لإنجاب وريث لما اكتسبه هو وزوجته من الحرام! 

***

وكسابقاتها، لم تسلم 30 يونيو، حاول فلول النظام السابق اختطافها، ومن سوء حظ 25 يناير أن تاريخها ارتبط بتاريخ الاحتفال بعيد الشرطة التى أدت دورا بطوليا ضد الاحتلال الإنجليزى فى الاسماعيلية فى مثل هذا اليوم 1952، فانتهز الفلول هذا التاريخ لخلط الأوراق، فأصبح احتفالهم به غير احتفال الشعب بثورته! 

ولكن ها هى قد جاءت الفرصة ليؤكد كل من يريد حكم مصر مستقبلا أنه مع ثورة 25 يناير ــ الثورة الأم؛ لأنها ستكون رمانة الميزان فى الانتخابات القادمة، والتى أراد القدر أن تكون بداية الحملة الانتخابية مع ٢٥ يناير، وعلى الجميع ألا ينسى انتخابات 2012 عندما أسقط الشعب مرشح النظام القديم لأنه سخر من الثوار المرابطين فى التحرير بأنه سيقدم لهم «الشيكولاتة»، غير عابئ بطلباتهم! 

إن نتائج 2012 لم تُحلل بطريقة علمية، لم يضع المحللون فى اعتباراتهم تأثير حالة الاستقطاب الشديدة فى هذه الانتخابات، وتُعرف فى علم تحليل الخطاب بـ«العناصر الخارجة عن النص» (Extraــlinguistic)، فَهِم الفريقان نتائجهما بشكل خاطئ، اعتقد الفائز حصوله 51,73% مؤيدين، والخاسر 48,27%، بينما الحقيقة عكس ذلك، فكلاهما كان مرفوضا من الغالبية العظمى، وكلاهما رُفِض بالنسبة التى حصل عليها منافسه، لأنهما يمثلان وجهيّ نظام الحكم البائد، وأن حقيقة الأصوات المؤيدة للمتنافسَين معا هو الفارق بين النتيجتين 3,46 %، ودليلنا أن هذه النسبة هى تقريبا التى خسرها مرشح الرئاسة فى 2014 الذى دَعّم ثورة 30 يونيو وانحاز لمطالب الشعب فى استرداده لمبادئ ثورة 25 يناير، وحصل على تأييد بنسبة 96,91%! 

واليوم تستعد مصر لانتخابات جديدة، تبدو «استفتاءً» بنكهة «انتخابات»، يغيب عنها المنافسون الأقوياء، وهذا لأن الرئيس أعطى الأولوية لتثبيت أركان الدولة التى اهتزت عقب 25 يناير، فكانت الحريات فى أضيق حددودها، وأُعطيت الأولويات للبناء وللتعمير، ولمحاربة الإرهاب، ولهذه السياسة معارضون يرون الأولوية لبناء المؤسسات ولبناء العقول اللتين ستحميان كل المكاسب فى المستقبل وستعطيان دفعة كبيرة لنهضة حقيقية. 

***

أيا كانت وجهات النظر، فإننا أمام واقع جديد، أقيمت فيه مشروعات ضخمة، لا جدال فى أهميتها، ولكن نحن أمام مرحلة جديدة تبدأ بدورة رئاسية جديدة، لابد أن تكون لها معالم غير مسبوقة ينتظرها الشعب من الرئيس فى برنامجه الانتخابى، يسترد بها شعبيته التى تأثرت بسبب الإصلاحات الاقتصادية الصعبة التى لم يجروء على اتخاذها أحد من قبل. 

أولا: التأكيد على أن للرئيس فترتين رئاسيتين فقط.

ثانيا: العمل على فصل الدين عن السياسة لتثبيت «مدنية» الدولة.

ثالثا: الانحياز لمبادئ 25 يناير (عيش، حرية وعدالة اجتماعية)، والتى كانت سببا مباشرا فى اعتلاء جيل جديد للقيادة. 

رابعا: تحقيق العدالة الاجتماعية:

أ‌ــ بتفعيل «المواطنة» الحقيقية، فلا نسمع وزيرا يرفض تعيين «ابن الزبال» فى القضاء، ولا نرى حالة انتحار لشاب متميز لعدم قبوله فى وزارة الخارجية بسبب وضعه الاجتماعى.

ب‌ــ بعمل حزمة إجراءات مالية تُحمِل القادرين العبء الأكبر، فتُفرض ضرائب تتناسب ودخل كل فرد وليست نسبة ثابتة لا تُميّز بين الملياردير والمواطن العادى. 

خامسا: أن يكون المشروع القومى الجديد الذى يعدنا به الرئيس هو ثورة فى «التعليم»، تعليما متميزا يخلق مبدعين لا تابعين، يؤدى لنقلة نوعية للوطن، ويضمن لنا القضاء على التعصب الدينى. 

سادسا: التأكيد على تحويل مصر من «شبه» دولة إلى دولة «حقيقية»: 

1ــ بالعمل على الفصل التام بين السلطات وبالأخص الاستقلال التام للقضاء.

2ــ ببناء مؤسسات الدولة بناء «حقيقيا» وليس «اصطناعيا»، وذلك باستبدال «أهل الثقة» بـ«أهل الخبرة».

3ــ باتباع نظرية «الانتخاب الطبيعى» التى تضمن «البقاء للأصلح»، حتى تُفرز الآلاف مثل «محمد صلاح»؛ وحتى لا نجد مؤسسة تشريعية ورقابية لا تنفذ حكما قضائيا باتا بإلغاء عضوية أحد أعضائه، فيستمر المجلس لعدة سنوات غير مكتمل العدد القانوني! أو مجلس له تركيبة مختلة ــ غالبيته لرجال الأعمال وللضباط ــ وحتى لا نسمع أحد قيادات الشرطة السابقين مهاجما أحد نواب البرلمان: «إحنا اللى جبناك، وإحنا قادرين ننزلك من على الكرسي»!، كما قال العمدة: «الدفاتر بتاعتنا والتواريخ بأيدينا، حد حيحاسبنا؟!»؛ وحتى لا يقول منافقا لمسئول فاسد: «يا سلام ع الإنسانية، يا سلام ع الحِنيَّة»؛ أو مؤسسات ضعيفة لا تستطيع استرداد ما نهبه الفاسدون بشهادة السلطات السويسرية: «لم نجد الجدية الكافية لاسترداد حقوق الشعب المصري»، أو مؤسسة تشريعية لا تجرؤ على سن تشريعات إصلاحية بتعديل قانون الإيجارات القديم، وقانون الأحوال الشخصية للسماح للأب باستضافة أبنائه فتكون مصلحة الأبناء فوق كل اعتبار، وتشريع لاستقلال هيئة الخبراء الحائرة بين السلطتين التنفيذية والقضائية متعارضا مع الفصل بين السلطات.

فالعلم ودولة المؤسسات هما الحل!
أكرم السيسى أستاذ متفرغ بكلية اللغات والترجمة (قسم اللغة الفرنسية)– جامعة الأزهر
التعليقات