تجربة غير مسبوقة! - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 10:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تجربة غير مسبوقة!

نشر فى : الأربعاء 24 مارس 2010 - 9:34 ص | آخر تحديث : الأربعاء 24 مارس 2010 - 9:34 ص

 ربما كان مرض الرئيس مبارك وسفره للعلاج بالخارج لإجراء عملية جراحية فى مستشفى ألمانى، يبدو بمثابة تجربة غير مسبوقة فى حياة الشعب المصرى.. تابعها الناس بكثير من الاهتمام ــ على الأقل مع صدور أول بيان رسمى ــ وبقدر غير قليل من التوقعات وانتظار المفاجآت. وربما كانت أجهزة الحكم، والمحيطون والمقربون من سدّة الرياسة هم الأكثر حساسية وشعورا بالخطر والمخاطرة. وهم أيضا أكثرهم اطلاقا للشائعات. فهؤلاء هم الرابحون أو الخاسرون من أى تغيير محسوب أو غير محسوب.

وهى تجربة غير مسبوقة، لأن المصريين فيما يبدو اعتادوا تقديس حكامهم إلى درجة الخلود. ولم ينظروا إليهم على أنهم بشر من البشر، شأنهم شأن غيرهم من الحكام والرؤساء والملوك الذين يمرضون ويصحون، ويذهبون ويجيئون، ويضحكون ويبكون. وبعضهم يشيخون ويتركون مناصبهم مبكرا. والبعض الآخر يحتفظ بموقعه حتى النهاية، مثلهم مثل عشرات غيرهم فى كل عصر وأوان.

وهى تجربة غير مسبوقة أيضا، لأنها المرة الأولى التى يبادر فيه النظام إلى الإعلان عن حالة المرض، ويحددها تحديدا دقيقا بأنها حصوات فى المرارة تستدعى استئصالها. وهى حالة منتشرة يعرفها المصريون جميعا فى الريف والحضر، سمعوا عنها من أهليهم أو عانوا منها وعالجوها. وعرفوا أنها ليست بالمرض العضال ولكنه مرض عادى يغلب عليه الشفاء.

ولكن الجديد فى كل ذلك هو الإعلان عن المرض فى بيان رسمى، يطلع الرأى العام على الحالة والدواعى الطبية لاستئصال المرارة فى أحد أكبر المراكز الطبية فى العالم. ويبدو وكأن الشعب المصرى لأول مرة قد أصبح شريكا فى المرض والتشخيص والعلاج. أى أنه بات امتدادا لأسرة الرئيس التى صاحبته بما فى ذلك قرينته وأولاده وأحفاده.. إنها عادة مصرية ريفية أصيلة، أن يرافق جميع أفراد الأسرة المريض إلى المستشفى.. وربما لو استطاع المصريون لذهبوا جميعا إلى هايدلبرج!

وهو ما قد حدث بالفعل من بعض الأفراد القريبين والإعلاميين الفضوليين وبعض الذين ليس لهم فى الطور ولا فى الطحين! ممن لا يدركون تقاليد الزيارة للمستشفيات فى الخارج. وقد تجاوبت السلطات الألمانية والمستشفى الألمانى مع الاحتياجات النفسية والسياسية للمريض المصرى غير العادى، بإصدار نشرة طبية يومية، لم يعتادوا إصدارها حتى مع زعمائهم ورؤسائهم.

وربما شجع على ذلك إحساس عميق، بأن الرئيس لابد أن يظل حاضرا فى موقعه رغم الغياب. ولذلك بقى قرار التفويض للدكتور نظيف مجرد شكل بغير مضمون. فنحن لم نتعود أن يكون للرئيس نائب فى أى وقت من الأوقات. ولحسن الحظ فإن مصر ليست لديها أسلحة نووية تحتم على نائب الرئيس أن يحافظ على «شفرتها» فى غياب الرئيس.. وقد غابت أوجه المقارنة بين الظروف التى تم فيها تعيين السادات قبل سفر عبدالناصر بساعات، والظروف التى عين فيها الفريق مبارك نائبا قبل سنوات من اغتيال السادات. وهكذا فكل رئيس له طريقته ورؤيته. ولعل هذا هو السبب فى اللهفة الزائدة على حالة المريض الذى يغادر هايدلبرج خلال هذه الساعات.

تبدو لهفة النظام على تأكيد أن كل شىء كما هو لم يتغير. وحين يعود الرئيس مبارك وأسرته بالسلامة لأرض الوطن، فسوف يجد كل شىء على حاله. وسوف يستأنف المصريون حياتهم كما اعتادوا. وتهدأ أعصاب الذين خافوا من المفاجآت، حين يمسك الرئيس مبارك بمقاليد السلطة، التى لم يتركها لهم لحظة واحدة رغم الغياب!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات