وطن الكناريا - محمد موسى - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وطن الكناريا

نشر فى : الأحد 24 مايو 2009 - 10:37 ص | آخر تحديث : الأحد 24 مايو 2009 - 10:37 ص

 فى ملعب النادى النوبى الصغير، وبأربعة صفوف من المدرجات، كان فريق الإسماعيلى يلعب أول مباراة له بعد مصرع لاعبه رضا فى حادث سيارة، نهاية عام 1965.

تغلب اللاعبون على أحزانهم، ونجحوا فى تسجيل أول هدف، فلم يصرخ الجمهور أو يصفق، بل نهض أحدهم على استحياء، ونظر إلى الجانب الآخر من شارع الثلاثينى، حيث مقابر المدينة، وقال مغالبا دموعه: سجلنا جون يا رضا. لحظتها أجهش جيران المدرج فى بكاء صامت.

حضر والدى هذه المباراة، وحكى لى عنها. ورأيته بعد ذلك يتخذ من مباريات الإسماعيلى مادة وحيدة للعزاء فى متاهة النكسة والاستنزاف، وما سيلى من سنوات العناء الردىء الذى جعله الله لبنى البشر فى الحياة.

المدينة التى تجسد حلما أخضر بين أزرق بحيرة التمساح وأصفر الصحراء، عاشت منذ إنشائها على أنغام السمسمية وأهازيج كرة القدم، وعندما خرج أبناؤها فى تغريبة الهجرة، كانوا يتابعون الإسماعيلى، بطل مصر وأفريقيا وقتها، يجوب الدول العربية يلعب لصالح المجهود الحربى، ويفتتح أدغال السمراء أمام الغزو المصرى التالى. كان أبناء الإسماعيلية يمنحون فريقهم الحب والتشجيع العاطفى المجنون، فيمنحهم السلوى والكبرياء.

هذا الفريق بأزرق البحر وأصفر عصافير الكناريا هو أهم ثروات الإسماعيلية، وهو ما زال قادرا على إثارة الدهشة والرعب، ويمتلك لاعبوه، وهم من أفضل أجياله على مر العصور، جرأة تغيير تاريخ الكرة فى مصر.

يموت صيادون مجهولون على أطراف بحيرة التمساح وهم يهربون من مواسم منع الصيد، ويحزن الفلاحون لموجة صقيع أكلت زهر المانجو فى أمشير، وينتظر العرسان دورهم فى شقق المحافظة بالسنوات، كلها أخبار مهمة لأبناء مدينة الخديو، لكن أخبار الدراويش أكثر أهمية. يطربون أكثر لتمريرة حمص، ولمسات عمر جمال وعبد الله السعيد وأحمد خيرى، ويتابعون الصعود البيانى لأحمد سمير فرج، ويعشقون محمد محسن أبو جريشة مهما عمل، لأنه ريحة الحبايب.

إنه النادى الوحيد الذى لا تتوقف أزهاره عن التفتح، ولا يتأثر بخروج الحريفة بعد أن يطلبوا مزيدا من أنوار العاصمة، أو تطلبهم العاصمة.

زائر الإسماعيلية يوم الجمعة سيندهش. نصف دائرة من الملاعب الخضراء تحتضن المدينة من الشمال، بامتداد الطريق الدائرى، يخرج إليها مئات الشباب بعد صلاة الجمعة، يتدربون على اختراع سجلته المدينة باسمها، اسمه كرة الدراويش.

ملاعب الشوارع فى الإسماعيلية تخبر بأنها ستبقى وطن الكنارى، حتى بعد أن خرجت كرة القدم من براءة الهواية وبهجتها، إلى تجهم البيزنس وصرامته، وأصبحت إمبراطورية تدار بالملايين. تتحكم الفضائيات فى مشاعر جماهيرها، ويلعب اتحاد الكرة دور القاضى الذى يغضب منه الجميع. تنتهى المباريات فى الملاعب ولا تهدأ المواجهات بين كل الأطراف، وبالتوازى مع وتيرة العنف العام فى البلد، أصبح التشجيع بلطجة وخناقة وشتيمة فى الآخرين. مناخ لن ترى فيه جارك فى المدرجات يهمس بها محبا صادقا عاشقا لكرة القدم: سجلنا جون يا رضا.

محمد موسى  صحفي مصري