الرسالة التى يفترض أن تصل لإثيوبيا - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 9:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرسالة التى يفترض أن تصل لإثيوبيا

نشر فى : الأربعاء 24 يونيو 2020 - 8:50 م | آخر تحديث : الأربعاء 24 يونيو 2020 - 8:50 م

ما هى الرسالة المصرية الواضحة التى يفترض أن تصل إلى إثيوبيا، كى تقنعها بأن استمرارها فى محاولة فرض الأمر الواقع على مصر بشأن حقوقها المائية غير قابلة للاستمرار والنجاح؟!
كتبت وكتب غيرى كثيرون عن حسن النية الكبير الذى تعاملت به مصر مع إثيوبيا، منذ إعلانها عن فكرة إنشاء سد النهضة فى إبريل ٢٠١١ وحتى هذه اللحظة. ومن الواضح لنا جميعا الآن أن لدى إثيوبيا تصورا قديما، يتلخص فى ضرورة التصرف فى مياه النيل الأزرق باعتباره نهرا إثيوبيا خالصا.
مصر بدأت أخيرا تتعامل مع الحكومة الإثيوبية بالطريقة الصحيحة، وهى حسن النية المصحوب بالوضوح وتسمية الأشياء بمسمياتها الصحيحة، خصوصا منذ تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر الماضى، وقال وقتها إن مصر لن تقبل بسياسة الأمر الواقع، ونهاية بما قاله وزير الخارجية سامح شكرى لوكالة أسوشيتدبرس مساء الأحد الماضى بأن «عدم قدرة مجلس الأمن على إقناع إثيوبيا بعدم بدء ملء سد النهضة من دون اتفاق، فسوف نجد أنفسنا فى وضع يتعين علينا التعامل معه، وعندما يحين الوقت، سنكون صريحين وواضحين للغاية فى الإجراء الذى سنتخذه».
هذه العبارة شديدة الأهمية، ومن الضرورى أن تصل الرسالة إلى إثيوبيا بصورة لا بأس بها. من سوء الحظ هى تعتقد أننا فى موقف ضعف وأنها قادرة على فرض تصوراتها علينا، حتى لو وصل الأمر إلى تعطيشنا.
ومن الواضح أنها لا تدرك خطورة مخططها علينا، ونرى قادتها يتصرفون بصورة عنجهية، تزيد حدة وسفورا يوما بعد يوم.
لن نخوض فى الأسباب التى تجعل أديس أبابا تتصرف بهذه الطريقة المتعالية والمتغطرسة، سواء كانت استقواء بقوى دولية وإقليمية، أو إحساسا كاذبا بقوة متخيلة.
وبما أن مصر مدت يدها بالسلام منذ ٩ سنوات، ووافقت على بناء سد النهضة، ودخلت فى مفاوضات ثبت أنها عبثية، وعرضت على إثيوبيا معادلة «نقدر حقكم فى التنمية، مقابل أن تقدروا حقنا فى الحياة». بما أن كل ذلك قد حدث ولم يؤدِ إلى نتيجة، فقد حان الوقت لكى نتعامل معهم بصورة مختلفة.
إذا عجز مجلس الأمن عن إقناعهم بالتفاوض الجاد، وإذا عجزت القوى الكبرى عن إقناعهم بضرورة الاتفاق العادل فعلينا أن نبعث لهم برسالة واضحة تقول مفرداتها: «نحن كنا كرماء جدا معكم وما نزال نريد حلا سلميا، واتفاقا لمصلحة البلدان الثلاثة، لكن إصراركم على سياسة العناد والتعامل مع النيل الأرزق باعتباره نهرا يخصكم فقط، فسوف يدفعنا دفعا إلى حل أخير، وهو أننا سندافع عن حياتنا بكل ما نملك من قوة».
هذه الرسالة تقول للإثيوبيين: «عليكم أن تقتنعوا بشىء جوهرى وهو أنكم بهذه الطريقة لن تنعموا بالتنمية التى تتخيلوها، ولن تكونوا قادرين على حجز المياه لتوليد الكهرباء وتصديرها، بينما نعانى نحن من العطش، وإذا كنتم تعتقدون أنكم ستحققوا تنمية، على حساب حقوقنا، وأن أديس أبابا وسائر قرى إثيوبيا وحقولها، سوف تخضر وتزدهر على حساب القاهرة وقرى مصر وحقولها، فإن ذلك لن يحدث.. إما أن ننعم بالتنمية والتقدم معا أو ندخل فى صدام سندفع ثمنه معا».
من الأسف الشديد أن الحكومات الإثيوبية المتعاقبة لم تفهم إلا لغة واحدة فى تعاملها مع مصر، وهى لغة القوة والصرامة والخشونة. لا أقصد أى إساءة للشعب الإثيوبى الذى يتم تضليله منذ زمن بصورة ممنهجة.
المفارقة أن إثيوبيا لم تجرؤ على تنفيذ سد النهضة أو حتى الإعلان عنه طوال عقود، لأن الحكومات المصرية المختلفة، كانت تتعامل معهم بالطريقة التى يفهمونها، وفى اللحظة التى تعاملنا معهم بالود والتعاون والأخوة، رأينا منهم وجها مختلفا متحديا ومتغطرسا.
أؤمن إيمانا راسخا بضرورة استنفاذ كل سبل التسوية السلمية، لأن الحرب ــ لا قدر الله ــ كارثية، وسيدفع ثمنها شعوب البلدان الثلاثة، وسوف تتأثر التنمية ومستويات الحياة لنا جميعا. لكن فى اللحظة التى سنصل فيها إلى قناعة نهائية بأن إثيوبيا مصرة على سيناريو الابتزاز والتعطيش، فوقتها سيكون الشعار «على وعلى كل من يريد بنا سوءا».

عماد الدين حسين  كاتب صحفي