اغتصاب وزنا المحارم.. المسكوت عنه - ندى نشأت - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 6:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اغتصاب وزنا المحارم.. المسكوت عنه

نشر فى : الأحد 24 سبتمبر 2017 - 9:45 م | آخر تحديث : الأحد 24 سبتمبر 2017 - 9:45 م
طفلة هى.. 
صغيرة الحجم لا تزيد على خمسة عشر عاما قابلتها بالمصادفة فى فاعلية من فاعليات مؤسسة قضايا المرأة المصرية حيث أعمل، وجهها ضاحك بالرغم من حزنه مما رآه واختبره فى سنوات عمرها القليلة، تركت تعلميها فى سن العاشرة كى «تساعد» الأسرة فى التكفل بمتطلباتها ولكن حقيقة الأمر أنها كانت العائل الوحيد للأسرة فى وجود أب قرر ألا يعمل وأم مغلوبة على أمرها وأخ لا يشارك بأى مصاريف بل يسرق ما يجده فى المنزل أيضا. 

طفلة هى.. 
ومع ذلك لم تمنع طفولتها وجسدها الضئيل عمها الشاب والمتزوج من الاعتداء عليها واغتصابها، ولم تمنعه قرابتهما من التفكير ولو حتى مرة واحدة فى تلك الجريمة التى استمرت ثلاث سنوات كاملة أى أن أول مرة تم اغتصابها كانت فى الثانية عشرة من عمرها. 
لم تمنع طفولتها أباها من ضربها وتهديدها بالقتل؛ لأنها السبب فى سجن أخيه احتياطيا! أعلم ما تفكرون به الآن، نعم هو يعلم ما فعله أخوه ونعم كان يعلم أن الأم استجارت بالمؤسسة للتدخل القانونى بعد علمها بحمل ابنتها من عمها، ونعم حاول أن يتدخل مرارا ليس لضمان حق ابنته ولكن لضمان أن أخاه لن يدخل السجن عما فعله! 
طفلة هى.. 
ومع ذلك لا يحميها القانون، فقانون العقوبات لا يحتوى على لفظ «اغتصاب المحارم» وإنما يتم تناولها من خلال مواد 267 و269 المتعلقة بالاغتصاب وهتك العرض وعلى الرغم من تشديد العقوبة على الفاعل إن كان من أصول المجنى عليها أو المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو خدمتها إلا أن القانون فى مسائل اغتصاب المحارم لا يراعى ما تمر به العائلة من ضغوط ومشاكل معقدة من داخلها، فبالرغم من أن القانون يشدد عقوبة الاغتصاب إن كان المجنى عليها قاصرا أو الجانى أحد الأقارب، إلا أنه يغفل أن الغالبية لن يستطيعوا الإبلاغ من الأساس لما فى ذلك من تأثير على أفراد الأسرة جميعا أو لصغر سن المجنى عليهم فى ظل غياب آلية تحمى الأطفال من المخاطر المعرضين لها، وإن استطاعوا الإبلاغ فالقانون لا يوفر أماكن حماية للمبلغين وشهود الواقعة، ولا يضع القانون فى الاعتبار وضع العائلة التى تعيش فى بيت واحد متعدد الأدوار. ولا يوفر القانون رعاية حقيقة للأطفال المجنى عليهم، فمفهوم الدولة عن الاعتناء بهم هو وضعهم فى دور رعاية هى أقرب للسجن ومنبع لتعليم الأطفال الإجرام!
وفى حين أن قانون العقوبات لم يذكر لفظ اغتصاب وزنا المحارم إلا أن قانون الطفل فى المادة 22 يمنع أمين السجل من ذكر اسم الوالد أو الوالدة فى حالة إذا كان الوالدان من المحارم، ويقوم أمين السجل باختيار اسم بديل لما لا يجوز ذكره ويؤشر بذلك فى دفتر المواليد والتبليغ، وبالتالى يكون أمام أم الطفل اختياران إما أن يقيد الطفل بأسماء مستعارة وبالتالى لا ولاية لها وليس لها الحق فى طلب نفقة للطفل، أو أن يتم قيد الطفل كمجهول للنسب ويظل بالوصم المجتمعى حياته كلها! أو كحل ثالث – غير قانونى – يقوم به المجتمع كتواطؤ لإخفاء هذه الجريمة وهو تسجيل الطفل باسم الجد والجدة فيصبح أخ للأم فى الأوراق الرسمية وابنها فى الحقيقة. 
طفلة هى.. 
ومع ذلك طلب منها الاختيار من قبل عائلتها، إما التنازل عن القضية وتعويضها بمبلغ مالى وبيت باسمها بعيدا عن منطقتهم وإما أن يظل العم فى السجن ويكون مصيرهم الشارع، لا نقود ولا منزل. 
***
تعد ظاهرة اغتصاب وزنا المحارم من أكثر الظواهر انتشارا، بشكل أسبوعى تأتينا على الأقل شكوى بهذا الصدد سواء كان تحرشا أو اعتداء أو اغتصابا أو هتك عرض من أحد أفراد الأسرة، وهى ظاهرة ليست قاصرة على الأطفال، فالنساء والفتيات فى أعمار متفاوتة يتعرضون لهذا النوع من العنف الجنسى من أطراف متعددة داخل الأسرة. 
فى دراسة أعدها د. أحمد المجدوب فى عام 2003 بعنوان «زنا المحارم.. الشيطان فى بيتنا» ذكر أن 10% من بنات مصر يتعرضن لاعتداءات جنسية من الأقارب، وقد أعدت المؤسسة فى 2007 دراسة ميدانية حول اغتصاب وزنا المحارم ووجدنا أن النتائج صادمة، فوفقا للدراسة تعرضت نسبة 39.3% من عينة الدراسة (300 مشاركة ومشارك) لأفعال التحرش الجنسى من أحد محارمها أو أقاربها، ولم تقتصر أفعال العنف الجنسى بالمحارم فى إطار نتائج الدراسة على شكل واحد، بل تعددت، فهناك تحرش جنسى باللمس وبلغت نسبته 47.2%، وهناك تحرش جنسى بالكلام واللفظ وبلغت نسبته 25%، وهناك تحرش جنسى بالنظر وبلغت نسبته 22.2%، وهناك اغتصاب كامل بلغت نسبته 5.6%. 
وقد تعدد مرتكبو تلك الجرائم وفقا لبيانات الدراسة فـ«أخو الزوج» هو أكثر الفاعلين تكرارا وبلغت نسبته ما بين عينة الدراسة 36.1%، يليه زوج الأخت بنسبة 13.8%، يليه الأخ، وابن العم، وابن العمة، وعم الزوج بنسبة واحدة بلغت 8.3%، يليه العم، والخال، وأبوالزوج بنسبة 5.6%، وأخيرا الأب، والابن، وابن عم الأم بنسبة 2.8%. 
***
السؤال الحقيقى هنا هو للدولة، ففى ظل غياب تشريعات واضحة وقصور فى التطبيق نظرا لقصور القانون، نجد أيضا أن هناك قصورا وتهميشا واضحا فى خطاب الدولة عن النساء بشكل عام وعن قضايا التحرش واغتصاب المحارم بشكل خاص، فالدولة بالإضافة لمحاولتها تصدير اغتصاب المحارم على أنه «حالات فردية» فهى تحارب كل من يتحدث عن هذه المشكلة باعتبارهم يشوهون صورة مصر، وتتهاون الدولة أيضا فى الخطاب السياسى والدينى ضد النساء، فلا مانع من ظهور العديد من السياسيين ورجال الدين الذين يهينون النساء ويبررون التحرش والاغتصاب لأن ملابس النساء غير محتشمة (حتى داخل منازلهن) ولأن النساء أصبحن يطالبن بأكثر من حقهن وغيرها من التبريرات. وتفتقد الدولة أيضا الملاجئ الآمنة والآدمية للنساء والفتيات المتعرضات للعنف والاغتصاب، فعلى مستوى الجمهورية يوجد 9 ملاجئ فقط آمنة للنساء المعنفات، كما تفتقد إجراءات الدولة لتقديم الدعم النفسى للفتيات والنساء المغتصبات واللاتى يجدن أنفسهن مطالبات بحكى وشرح تفاصيل الاعتداء أمام الضباط الرجال غير المدربين دون مراعاة لحالتها النفسية واحتياجها للخصوصية – والأهم – احتياجها لضابطة امرأة مؤهلة لمثل هذه القضايا الحساسة كى تشعر بقليل من الراحة وعدم الإحراج وهو ما نفتقده الآن. 
***
كمجتمع، نبرر هذه الجريمة بالفقر والأوضاع الاقتصادية وهو تبرير مقنع ولكن ليس كل الحقيقة، ليس بالضرورى أن بسبب تكدس الأسرة فى غرفة واحدة يخلق تقاربا جسديا مسببا لهذا النوع من الاغتصاب والاعتداء، وجدنا عائلات غنية تعيش فى غرف منفصلة وأماكن واسعة ويحدث داخلها اغتصاب للمحارم، الغالب الأعم من القصص التى نراها تحدث فى الزيارات العائلية أو تحت حجة «ودى طلبات لفلان» أو «روحى ساعدى فلان فى البيت» وهذا «الفلان» هو العم أو الجد أو الأخ أو أى فرد من أفراد العائلة المقربين، «الفلان» هو شخص لم يساورك الشك تجاهه بأى شكل ودائما ما يكون موضوعا فى خانة «الشخص الأمان». 
إن جاءت طفلتك أو طفلك إليك يشكو عدم رغبته فى زيارة شخص ما وحيدا، أنصت له/ها، قد لا يكون متعرضا للاعتداء ولكن أنت بالتأكيد مطالب بالبحث عن أسباب كرهه لذلك الشخص، لا تعاقب طفلك أو طفلتك إن جاءت تحكى عن تحرش فرد من العائلة بها، هى تثق بك وتثق أنك سترد لها حقها، لا تسكتوا أطفالكم تحت مسمى «عيب» أو «خلاص ما تروحش تانى»، أطفالك تحتاج لدعمك النفسى وتحتاج أن تعرف أنك ستحميهم والسكوت هو أقصر طريق لقطع أواصر الثقة معك. للأطفال خيال واسع ولكن ليس فى هذا الأمر. 
فى ظل عدم وجود قانون يحمى من العنف والاغتصاب داخل الأسرة وفى ظل ثقافة مجتمعية تميل إلى التواطؤ مع الجانى وإخفاء الجريمة ولوم الضحية، وفى ظل تبريرات تضع الجريمة على كاهل الضحية حتى ولو كانوا أطفال، وفى ظل هجوم الدولة وأذرعها المختلفة على المؤسسات النسوية والناشطين والناشطات فى مجال مناهضة العنف ضد المرأة واتهامهم بتشويه صورة الدولة، ستظل هذه الجرائم المسكوت عنها بركانا يهدد بتفتيت ما تبقى من الأسرة والمجتمع. 
هل تريد أن تعلم ماذا حدث مع الطفلة؟ لقد تنازلت عن القضية.

 

ندى نشأت منسقة الدفاع وكسب التأييد - مؤسسة قضايا المرأة المصرية
التعليقات