محاصرة الحصار فى «أرض الصومال» - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الأربعاء 31 ديسمبر 2025 4:24 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

من ترشح لخلافة أحمد عبدالرؤوف في تدريب الزمالك؟

محاصرة الحصار فى «أرض الصومال»

نشر فى : الإثنين 29 ديسمبر 2025 - 5:35 م | آخر تحديث : الإثنين 29 ديسمبر 2025 - 5:35 م

فتح اعتراف رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بإقليم «أرض الصومال» الانفصالى، كدولة مستقلة عن جمهورية الصومال الفيدرالية، الباب على مصرعيه لصراع إقليمى واسع النطاق فى منطقة القرن الإفريقى التى تمثل المدخل الجنوبى للبحر الأحمر، بما يشكله الأمر من تهديد للأمن القومى العربى بشكل عام، والأمن القومى المصرى بشكل خاص.

 


تصعيد الصراع على رقعة الشطرنج الإقليمية التى تسعى تل أبيب من خلالها إلى زيادة نفوذها فى المنطقة، وتدعيم مراكز حليفتها إثيوبيا، يتطلب فى مواجهته أكثر من لغة الشجب والإدانة وحتى «الرفض» بأشد العبارات للخطوة الإسرائيلية، بل يستدعى تحركا عربيا وإسلاميا، يأخذ جميع الأشكال السياسية والاقتصادية والدبلوماسية على الصعيد الدولى، مع التعامل بحذر مع الموقف الأمريكى الغامض بشأن الخطوة الإسرائيلية.
لا يحتاج الأمر إلى شديد عناء لاكتشاف الأهداف الإسرائيلية من الاعتراف بأرض الصومال، بما يمثله موقعها الاستراتيجى فى منطقة القرن الإفريقى المطلة على خليج عدن، فى منطقة تعج بالتواجد العسكرى البحرى للعديد من الدول منذ سنوات، تحت مظلة حرية الملاحة الدولية.
لطالما سعت إسرائيل لإيجاد موطئ قدم فى القرن الإفريقى لمنحها فرصة التأثير والتحكم فى معادلة القوة فى البحر الأحمر، وحتى لا يكون «بحرًا عربيًا خالصًا»، فالتقت مصالحها مع قوى انفصالية، تغذيها أطماع بحرية لدولة حبيسة هى إثيوبيا، وبما تحمله أديس أبابا من أجندة معادية للمصالح العربية، وفى مقدمتها الأمن المائى المصرى؛ حيث لا يزال الخلاف قائما بشأن توقيع اتفاق ملزم لملء وتشغيل السد الإثيوبى.
وإذا كان الوضع فى اليمن بصراعاته المفتوحة على أفق غائم منذ سنوات قد شكل تهديدًا مباشرًا لأمن البحر الأحمر، خاصة من جماعة الحوثى، فإن المشهد اليوم زاد تعقيدًا بدخول إسرائيل لاعبًا مباشرًا وعلى المكشوف فى أرض الصومال، وخلفها إثيوبيا بكل أطماعها فى الحصول على منفذ على البحر على حساب دولة مثل إريتريا، بما تحمله مثل هذه الخطوة من أخطار على أمن واستقرار المنطقة بامتداداتها الجيوسياسية فى مصر والسعودية ودول الخليج العربى.
نحن إذن أمام تهديد واضح لاستقرار المنطقة، وبما يجبرنا على ضرورة التحرك «الفورى» للحفاظ على مصالح أمننا القومى، وإذا كانت مصر قد تعاملت بشكل عاجل وسريع للتعامل مع الموقف الإسرائيلى، وأسفرت تحركاتها عن صدور بيان من 21 دولة عربية وإسلامية برفض الاعتراف الإسرائيلى بما يسمى أرض الصومال، فإن الأمر يتطلب المزيد من الجهود على كل الأصعدة وجميع الجبهات خلال الأيام المقبلة.
ولعل فى البيان الصادر عن الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية (الأحد 28 ديسمبر) على مستوى المندوبين الدائمين، ما يشبه خارطة طريق للتعامل مع التهديدات الإسرائيلية للأمن القومى العربى.
مجلس الجامعة، وفضلا عن إدانته «بأشد العبارات» اعتراف إسرائيل بانفصال، ما يسمى (إقليم أرض الصومال)، أعرب عن «رفضه الكامل لأى إجراءات تترتب على هذا الاعتراف الباطل، بغية تسهيل مخططات التهجير القسرى للشعب الفلسطينى أو استباحة موانئ شمال الصومال لإنشاء قواعد عسكرية فيها».
وفى تقديرى أن أهم ما خرج عن اجتماع مجلس الجامعة العربية هو دعوة المجلس لكل من مفوضية الاتحاد الإفريقى والأمم المتحدة، والدول العربية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، لوضع خطة عمل عربية ــ إفريقية مشتركة تحول دون إحداث أى تغيير فى الوضع الأمنى والجيوسياسى القائم.
ومع ذلك فإن التنسيق العربى الإفريقى لا يجب أن يقف عند حدود الدعوات، بل يحتاج إلى تحركات جدية ومنظمة، وفقا لأجندة واضحة، لضمان محاصرة كرة اللهب والحزام النارى الجديد الذى يستهدف مصر بالأساس، ويضعها تحت ضغط إضافى على حدودها الجنوبية.
وفى هذا الإطار، يصبح تعزيز الحضور المصرى فى القرن الإفريقى والبحر الأحمر ضرورة استراتيجية، وبما يسهم فى ترسيخ دور مصر كفاعل إقليمى يسعى لحماية مصالحه ويحاصر ما يتهدده من أخطار.

التعليقات