اليوم العالمى لإحياء ذكرى تشرنوبيل - راجية الجرزاوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 9:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اليوم العالمى لإحياء ذكرى تشرنوبيل

نشر فى : الخميس 25 أبريل 2019 - 10:35 م | آخر تحديث : الخميس 25 أبريل 2019 - 10:35 م

فى عام 2016، قررت الأمم المتحدة إعلان يوم 26 من إبريل يوما عالميا لإحياء ذكرى تشرنوبيل، أسوأ كارثة نووية فى تاريخ الإنسانية.

وقعت حادثة تشرنوبيل فى 26 إبريل 1986، عندما قام العاملون فى المفاعل رقم 4 فى محطة تشرنوبيل فى أوكرانيا، باختبارٍ لأنظمة التشغيل. أدت مجموعة من أوجه القصور الهندسية فى التصميم، وأيضا أخطاء العاملين إلى دخول المفاعل فى سلسلة من العمليات أخرجته تماما عن السيطرة، فبعد أقل من دقيقة حدثت زيادة مفاجئة فى الطاقة وأدى ارتفاع درجات الحرارة إلى انفجار عنيف أطاح بختم المفاعل البالغ وزنه 1000 طن وقذف بكميات كبيرة من المواد المشعة والحطام إلى عدة كيلومترات فى الجو، وأذابت الحرارة التى بلغت 2000 درجة قضبان الوقود وأشعلت حريقا استمر عشرة أيام وأسفر عن إطلاق مزيد من الإشعاع.

بعد 36 ساعة من الحادث، تم إجلاء الأشخاص من مساحة 10 كيلومترات محيطة بالمفاعل، وفى الأشهر التالية أُجلى نحو 130 ألف شخص من منطقة مساحتها 30 كيلومترا بينما استمر الملايين فى العيش فى بيئة إشعاع مرتفع. تم جلب العمال لتنظيف المنطقة وغسل المنازل وكشط التربة السطحية، لكن الفائدة كانت محدودة، وتم اعتبار المنطقة محظورة على البشر إلى زمن غير محدد.

***
حسب منظمة الصحة العالمية أدت حادثة تشرنوبيل إلى انبعاث ما لا يقل عن 100 ضعف قنبلتى هيروشيما وناجازاكى مجتمعتين، وتعرض أكثر من ثمانية ملايين شخص للإشعاع وتلوث نحو 155 ألف كيلومتر مربع من الأراضى بـالسيزيوم المشع فى بيلاروسيا وروسيا وأوكرانيا. حدث أكبر تركيز من المواد المشعة فى هذه البلاد الثلاثة، لكن أكثر من نصف كمية المواد المشعة انتشرت لتغطى 40٪ من مساحة أوروبا، وفى النهاية جميع أنحاء العالم.

من المؤكد أن الآثار الكاملة لحادثة تشرنوبيل لن تكون معروفة أبدا، لكن ما نعرفه حتى الآن مروع.

فوفقا للتقارير الرسمية، توفى واحد وثلاثون شخصا على الفور، وتعرض 600 ألف عامل من المشاركين فى عمليات مكافحة الحرائق والتنظيف لجرعات عالية من الإشعاع. وأوضح تقرير للأمم المتحدة صدر عام 2000 أن نصف مليون طفل ما زالوا يعيشون فى المناطق المنكوبة، وأن 73 ألف شخص يعانون من إعاقات دائمة، وأن 46 ألفا من 200 ألف ممن شاركوا فى عمليات الإنقاذ أصيبوا بالعجز، وأن معدل الإصابة بسرطان الغدة الدرقية ارتفع 100 مرة فى بعض المناطق وأن أكثر من 11 ألف حالة مصابة تم الإبلاغ عنها، وهو ما يعادل نحو ضعف التوقعات، وأن هناك أدلة على وجود مشاكل فى الرئة والقلب والكلى مرتبطة بالإشعاع.

وكانت التقارير غير الرسمية أسوأ كثيرا، ففى عام 2010 قدرت الأكاديمية الوطنية للعلوم فى بيلاروسيا أن «تشرنوبيل» أدت إلى نحو 93 ألف وفاة و27 ألف حالة سرطانية، وأما الضرر الاقتصادى فقدره خبراء أوكرانيون بنحو 200 مليار دولار حتى 2015، علما بأن الناتج المحلى الإجمالى لأوكرانيا عام 2001 كان نحو 37 مليار دولار.

***
لقد فاقم من عواقب تشرنوبيل أنه لم تكن هناك خطة جيدة للطوارئ، ولا توعية للسكان بكيفية التصرف، كما أن إخلاء السكان تأخر كثيرا، وفاقمت أيضا العواقبَ، السريةُ وحجب المعلومات والعزلة التى اتبعتها السلطات السوفييتية.

عندما انفجر مفاعل تشرنوبيل ظلت السلطات السوفييتية صامتة، بعد يومين وصلت السحابة المشعة إلى السويد حيث أظهرت القياسات مستوى إشعاع أعلى بنسبة 40% من المعدل الطبيعى ومن هنا عرف العالم بوقوع الحادثة، واستغرق الأمر ثلاثة أسابيع حتى اعترف الاتحاد السوفييتى رسميا بأحد أكبر الحوادث فى تاريخ الطاقة النووية. خلال السنوات الأربع الأولى ظل السوفييت يتعاملون مع عواقب الانفجار على المستوى الوطنى فقط ولم يعترفوا بالحاجة إلى المساعدة الدولية إلا عام 1990.

اليوم بعد أكثر من ثلاثين عاما، ما زالت آثار تشرنوبيل بعيدة كل البعد عن الانتهاء، حتى على المستوى التقنى تمثل الأوضاع فى موقع المفاعل مخاطر كبيرة تحت ظروف إشعاعية صعبة للغاية.

على الرغم من أن «تشرنوبيل» أدت إلى تحسين معايير السلامة النووية فإن الحوادث النووية لا يمكن تماما منع وقوعها. ففى أى وقت قد يؤدى مزيج غير متوقع من الأعطال التكنولوجية أو الأخطاء البشرية أو الكوارث الطبيعية إلى خروج المفاعل عن السيطرة كما حدث فى مفاعل فوكوشيما. وعلى الرغم من أن بعض التقديرات ترى معدل الحوادث فى المستقبل منخفضا (حادثة واحدة فى 250 عاما) وبعضها، مثل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، يراه مرتفعا (أربع حوادث فى ثلاثين عاما)، فإن خطورة الحوادث لا تقاس فقط بعددها لكن أيضا وهو الأهم بحجم عواقبها والتى قد تكون كارثية كما رأينا فى تشرنوبيل.

كان لتشرنوبيل تأثير كبير على موقف العالم بأسره من الطاقة النووية، فقد خبر الناس على الطبيعة حجم الدمار المروع الذى قد تحدثها، ولم يعد الكثيرون يرون فى المفاعلات النووية رمزا للسيطرة أو حلما بالتفوق، ولكن رأوها، كما هى فى الواقع، مجرد وسيلة شديدة الخطر لتوليد الكهرباء.

شكلت «تشرنوبيل» علامة فارقة، بدأ بعدها انحسار منحنى بناء المفاعلات النووية الصاعد وتراجعت نسبة الطاقة النووية على مستوى العالم بأجمعه. وشرعت كثير من الدول والمجتمعات خصوصا فى أوروبا الغربية فى مراجعة موقفها والبحث عن بدائل أقل خطرا للطاقة، واليوم يتجه العالم بالفعل بشكل مطرد نحو مصادر أخرى للطاقة مثل الغاز الطبيعى وطاقة الشمس والرياح، الأرخص والأكثر أمانا، والأفضل على البيئة.

قال الأمين العام للأمم المتحدة كوفى عنان بمناسبة مرور عشرين عاما على تشرنوبيل: «إن تشرنوبيل كلمة نود أن نحذفها من ذاكرتنا.. لكن هناك أكثر من 7 ملايين من البشر لا يملكون ترف النسيان». قد نكون لا نملك ترف النسيان فعلا، لكن يمكننا أن نمتلك الحكمة لتجنب «تشرنوبيل» أخرى.

راجية الجرزاوي باحثة في الحقوق البيئية
التعليقات