الثنائية الأمريكية.. ومصالح شركاء واشنطن - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الثنائية الأمريكية.. ومصالح شركاء واشنطن

نشر فى : الخميس 25 مايو 2023 - 9:00 م | آخر تحديث : الخميس 25 مايو 2023 - 9:00 م

ترى بعض الأصوات فى واشنطن أن تصويت جامعة الدول العربية لإعادة قبول حكومة الرئيس السورى بشار الأسد، وحضوره قمة جدة، بمثابة صفعة على وجه واشنطن. ورسميا تعتقد واشنطن كما جاء على لسان عدد من كبار مسئوليها «أن سوريا لا تستحق إعادة القبول فى جامعة الدول العربية فى هذا الوقت، وهذه نقطة قمنا بتوضيحها لجميع شركائنا».
ترى هذه الأصوات أن حلفاء واشنطن القدامى والتقليديين مثل المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة تحولوا بعيدا عن الجهود التى تقودها الولايات المتحدة لعزل نظام الأسد، واتجهوا فى نهاية المطاف إلى دعم الهدف الصينى الروسى المتمثل فى إعادة دمج النظام السورى فى النظام الإقليمى الأوسع.
وبلا شك هناك العديد من العوامل التى تدخل فى اتخاذ هذه القرارات من العواصم العربية، إذ يعد تحرك الجامعة العربية جزءا من اتجاه أوسع لا تستطيع واشنطن تجاهله، ولا يتمثل فقط فى ميل دول من حلفائها التقليديين بعيدا عن توجهاتها نحو تفضيلات روسية وصينية، بل يمتد هذا الاتجاه ليشمل دولا غير عربية قوية وديمقراطية ــ مثل البرازيل وجنوب أفريقيا ــ التى ترفض المناشدات الأمريكية للوقوف إلى جانب أوكرانيا ضد الغزو الروسى.
ويعكس ما سبق أزمة فى تصورات نخبة السياسة الخارجية الأمريكية التى لا تستوعب تحركا ما أصبح يطلق عليه «دول الجنوب ــ Global South» بحيث أصبح معضلة يصعب على العقل السياسى الأمريكى قبوله ناهينا عن فهمه.
• • •
منذ وصولها للحكم، تبنت إدارة الرئيس جو بايدن وجهة نظر ثنائية للنظام الدولى، وصورته كمنافسة مستمرة بين الديمقراطيات بقيادتها والنظم الاستبدادية بقيادة روسيا والصين. من هنا تبنت إدارة جو بايدن الدعوة لعقد مؤتمرين سنويين للديمقراطية، دعت إليهما أكثر من مائة دولة من أصدقائها.
إلا أن الكثير من الدول التى لم تشارك فى القمة تجمعها بواشنطن علاقات استراتيجية متينة سواء فى منطقة الشرق الأوسط أو غيرها من أقاليم العالم. وزاد ذلك من توجيه اتهامات للولايات المتحدة بالنفاق والانتقائية فى إدارة سياستها الخارجية بعيدا عن نغمة القيم والمبادئ.
من ناحية أخرى، وخلال العقدين الأخيرين، وسعت الصين علاقاتها بكل دول الشرق الأوسط تجاريا واستثماريا وثقافيا، وعسكريا فى بعض الحالات. وأصبحت الصين الشريك التجارى الأول لكل دول المنطقة، بما فيهم من طرفى الصراعات القديمة كالسعودية وإيران.
من جانبها تسعى دول المنطقة إلى تجنب اختيار أحد الجانبين تماما والحفاظ على العلاقات مع جميع القوى الكبرى فى وقت واحد. إذ طلبت البحرين ومصر والكويت وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة المشاركة فى أعمال منظمة شنجهاى للتعاون، وهى مجموعة سياسية واقتصادية وأمنية تتمحور حول الصين.
كما أعربت المملكة العربية السعودية ومصر والجزائر عن اهتمامها بالانضمام إلى منظمة البريكس، وهى مجموعة من دول الاقتصاديات الناشئة (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا). كما أبدت تركيا، الدولة الوحيدة فى الشرق الأوسط التى تتمتع بعضوية حلف الناتو، اهتماما بالانضمام إلى كلتا المنظمتين.
مع تصاعد التنافس بين القوى الكبرى، وجدت الدول الصغيرة والمتوسطة الحجم، على شاكلة الدول العربية، نفسها بشكل متزايد عرضة لمطالب متنافسة ــ مثل الطلبات من الصين لدعم سياساتها تجاه تايوان، أو من الولايات المتحدة لتجنب الاستثمار الصينى فى البنية التحتية وتكنولوجيا G5. كما أدى شراء تركيا عام 2017 لنظام الدفاع الجوى الروسى 400Sــ، فى انتهاك لوضعها كعضو فى الناتو، إلى وقف مشاركتها فى تصنيع برنامج الطائرات المقاتلة Fــ35، كذلك تسبب إحجام أبو ظبى عن تقليص علاقتها الأمنية والتكنولوجية مع بكين فى تعثر صفقة شراء طائرات Fــ35 المخطط لها من الولايات المتحدة.
كثيرا ما يفشل صناع السياسة الأمريكية فى مراعاة كيفية رؤية شركائهم لمصالحهم الخاصة، خاصة مع تصور أن بقية العالم يرى الأشياء كما تراها العيون الأمريكية، وهى مغالطة مؤسفة أطلق عليها مستشار الأمن القومى السابق إتش آر ماكماستر «النرجسية الاستراتيجية».
يمكن أن تؤدى هذه النرجسية الأمريكية إلى نوعين من الإخفاقات السياسية كما حدث فى علاقات واشنطن تجاه المملكة السعودية، إذ ظهر ذلك جليا فى فشل واشنطن فى تقدير أن الرياض قاومت تاريخيا الطلبات الأمريكية للتأثير على قراراتها المتعلقة بإنتاج النفط بصفتها قائدة منظمة أوبك، وهو ما أدى إلى صدمة إدارة بايدن بقرار «أوبك+» فى أكتوبر 2022 بخفض سقف الإنتاج وهو عكس ما طالبت به واشنطن.
ومثل نجاح الصين فى التوسط بين الرياض وطهران صدمة ثانية لواشنطن التى اعتبرت أن حليفتها السعودية لن تبحث عن مصالحها، حتى لو كانت من ضمنها إعادة العلاقات مع العدو الأول لواشنطن فى المنطقة، ناهينا عما سببته تلك الخطوة فى الدفع بدور أكبر للصين ونفوذها بين دول المنطقة.
وبعدما أكد بايدن وكبار أركان إدارته أنه ستكون هناك «عواقب كبيرة» على السعودية، لا يبدو أن واشنطن غيرت من نهجها مع السعودية سواء فى النواحى العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية.
مع تمتع الولايات المتحدة «بعلاقات خاصة» مع بعض الدول فى الشرق الأوسط مثل إسرائيل وإلى حد كبير دول الخليج والأردن ومصر، ولا علاقة على الإطلاق مع دول أخرى، وأبرزها إيران وسوريا، عقد ذلك من إمكانية استمرار الدور القيادى الذى آمن به الكثير من الدول العربية لعقود طويلة.
ومع استمرار فشل واشنطن فى عزل النظام الإيرانى، خسرت الولايات المتحدة بعض النفوذ لصالح الصين التى تستطيع فعل الكثير حيث تتمتع بعلاقات جيدة مع كافة الأطراف بعيدا عن تحكم جماعات الضغط والمصالح الضيقة فى تحديد سياسة دولة كبرى بحجم الولايات المتحدة تجاه دولة إقليمية محورية بحجم إيران.
فى النهاية يأمل بعض منظرى العلاقات الدولية أن يكون ما جرى سواء عودة سوريا لجامعة الدول العربية، أو تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية، بمثابة جرس إنذار لواشنطن كى تتبنى سياسات أكثر واقعية بعيدا عن الثنائية التى لا ترغب بداية فى دفع أثمانها السياسية والاستراتيجية.
كاتب صحفى متخصص فى الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات