لسه الثورة بعيدة - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لسه الثورة بعيدة

نشر فى : الإثنين 25 يوليه 2011 - 9:14 ص | آخر تحديث : الإثنين 25 يوليه 2011 - 9:14 ص

 أذهلنى ما وصف به اللواء حسن الروينى، عضو المجلس العسكرى، خلال مداخلة تليفونية، مطالبات تطهير الشرطة، والجامعات، والقضاء بأنها جزء من مخطط خارجى، تعلمه وتدرب عليه بعض النشطاء من ثوار يناير فى بعض الدول الأجنبية. ولكن بغض النظر عن الذهول الذى اعتدنا عليه كلما أسلم الواحد منا أذنه لسماع مثل هذه المداخلات التليفونية، التى أصبحت جزءا من العمل اليومى لأعضاء المجلس العسكرى، فإن مثل هذا الحديث كان كاشفا، ومفسرا لكثير من البديهيات التى عجز عقلى المتواضع عن فهمها.

فهذه النوعية من الأحاديث أوضحت لى، على الأقل، لماذا انتظرنا ستة أشهر حتى نحصل على حق قانونى بخلع صور واسم مبارك وهو الرئيس المخلوع (بفعل ثورة) من على لافتات الميادين، ثم سرعان ما سحب هذا الحق منا بحكم قضائى آخر (بفعل ثورة مضادة). أى أن الشعب نجح فى أن يخلع مبارك من على كرسى الحكم، وفشل فى أن يخلع اسمه من الميادين، والمدارس، والأندية، والساحات الشعبية. أكان الأمر يحتاج أكثر من قرار إدارى من الحكومة، أو بمرسوم من المجلس العسكرى بحذف كل ما تبقى من تركة الرئيس المخلوع، وأسهل ما فيها هو اسمه وصورته؟

أما ولم يكن لدى حكامنا حتى القدرة على خلع اسم الرئيس (المخلوع أصلا) فما بالك لو طالبنا بخلع سياساته، ومبادئه، وقوانينه، ووزرائه، وميراثه من رجال الحزب، وكبار مسئوليه المتخفين داخل أروقة الحكومة، ووجهاء اعلام نظامه، ومريديه داخل السلك القضائى الذين ناصروا الباطل طويلا فى أحكامهم، أو رفقاء مسيرته من رجال الأعمال وأولادهم وأحفادهم الوارثون للمهنة، أو مساعديه وأعوانهم من البلطجية.

ومادام أمر الثورة على هذا النحو فأنا أعتذر لكل من كنت أنتوى الوقوف بجانبهم، بل والذين كنت من فرط الثقة أعتقد أن مجرد لفت النظر إلى مظالمهم كاف لردها. اعتذر للعامل ،الذى أفرط فى ثقته أكثر مما ينبغى، ولم يكن يدرى أنه فى مثل حال الثورات التى لا يصل أصحابها للحكم، يصبح نيل المطالب شرطه الأول أخذها غلابا، ولا يأتى أبدا بالتمنى.

أقول للعامل منصور عبدالتواب الذى بادر هو وزملاء له بتأسيس نقابة مستقلة داخل شركة الزامل للمبانى الحديدية (شركة قطاع خاص) والذى أوقفه مديره عن العمل، طالبا منه وقف النقابة، والاعتذار للشركة عما بدر منه. أقول للعامل منصور الذى صدق أن ثورة يناير تعطى له الحق هو وكل زملائه فى تشكيل كيان يحمى حقوقهم المسلوبة منهم بفعل مبارك الذى مازالت صوره معلقة فى ميادين مصرية. والذى آمن بعد الثورة بأنه من حقه أن يغرس نقابة داخل إحدى القلاع الرأسمالية التى كان الحديث فيها عن «تشكيل عصابى» أهون كثيرا من التفوه بكلمة «تشكيل نقابى»، أقول لمنصور «لسه الثورة بعيدة».

واؤكد له أن الكيان العمالى الذى حاولوا به هو وزملاؤه إعادة جانب يسير من الاختلال فى ميزان القوى بينهم وبين أصحاب الأعمال من أنصار مبارك، إن هذا الكيان ذاته تتهدده صور الرئيس غير المنزوعة من على مدارس مصرية. أقول له ولزملائه إن الحكومة التى لم تستطع أن تمزق صور مبارك هى ذاتها التى لم تستطع حماية وزير شرعى فيها من بطش رجال مبارك داخل اتحاد العمال. فتركت وزير القوة العاملة الدكتور حسن البرعى الذى ناصر حق العمال فى تشكيل نقاباتهم المستقلة، بل ودعاهم وشجعهم على ذلك تركته دون أى مساندة.

فإما أن الدكتور البرعى يسير بدماغه دون الرجوع لرئيس الوزراء عصام شرف ويعمل من وراء ظهره، وعلى الأخير أن يخرج فورا ويعلن على الملأ أن البرعى خرج عن الصف الحكومى، وعليه أن يرحل. أو يخرج شرف على الفور ويعلن أن الحكومة تتبنى حق العمال فى تشكيل تنظيماتهم النقابية. وإن الحكومة ستقف ضد كل من يعاقب هؤلاء أو يتربص بهم من رجال الأعمال. وإن الحكومة على استعداد أن تعاقب من يقف من رجال الأعمال ضد الحقوق النقابية للعمال بحرمانهم من دعم الصادرات، أو دعم الغاز، أو حق إغماض العين عن تهربهم الضريبى، و احتكارهم للسلع وغشهم للمنتجات.

اعتذر للعامل منصور وكل منصور آخر سارع بإنشاء نقابته مصدقا ما قاله وزراء الحكومة من أنهم لم يضغطوا على رجال الأعمال لتطبيق الحد الأدنى للأجور لأنهم تركوا هذه المهمة للعمال من خلال تنظيماتهم النقابية. اعتذر له عن سذاجتى بأننى كنت أعتقد أن الحكومة لم تحم العمال وتنظيماتهم من بطش رجال الأعمال لأنها لا تعلم بما يفعلون. فقط لا تعلم.

ولكن بعد أن سكتت الحكومة ورئيسها (وطبعا سكوتها علامة رضاها) على كل الممارسات التى يقوم بها اتحاد العمال الرسمى، المسكون بروح مبارك وليس فقط اسمه وصوره، من أجل إزاحة وزير القوى العاملة وقانونه الذى جاء به من أجل فرض الحريات النقابية. إذا كانت الحكومة قد سكتت على هذه الممارسات ورضت عنها، فماذا ستفعل لبعض العمال هنا وهناك من السذج الذين أسرعوا أكثر من اللازم لتنفيذ قوانين الثورة، وإذكا ء روحها؟.

فكنت أظن أن رئيس الوزراء عندما يقرأ تصريحا لأمين عام اتحاد العمال الرسمى (الخارج من رداء الرئيس المخلوع) حول وضع استراتيجية ممنهجة لقطع الطريق على أى محاولة لإنشاء نقابات مستقلة. وإنهم بصدد تنظيم مسيرات (وهو ذات المشهد القديم المألوف لهم) من أجل إسقاط الوزير الشرعى فى حكومته، ومن أجل عدم خروج قانون الحريات النقابية للنور. كنت أعتقد أن رئيس الوزراء سيجد ذريعة لحل هذا الاتحاد المعادى لكل ما أتت به الثورة. وإلا ليس أمام رئيس الوزراء سوى أن يخرج ويعلن عن أنه برئ من وزير القوى العاملة، باعتباره مندسا داخل الحكومة، مثله مثل المندسين إياهم الذين تسربوا وقاموا فى 18 يوما بالثورة.

ويبقى الاعتذار واجبا لكل العمال، والصيادين، والبنائيين، والأرزقية، وعمال الموانئ، والفلاحين الذين تقدموا الصفوف ظنا منهم أن نجاحهم من نجاح الثورة، وأن نقاباتهم المستقلة تصلب عود الوطن، فى مواجهة من لا يريده صلبا. اعتذر لهم عن سذاجتى حينما صدقت أن الثورة قريبة.

وأخيرا إذا عرفنا أن عشرة أيام فقط بعد ثورة 1952 كانت كافية بالنسبة لرجال يوليو لكى ينزعوا شعار الملك من كل مكاتب الجيش، ويضعون بدلا منه شعارا آخر هو (الله ــ الوطن) لعرفنا كم سنحتاج من عقود لكى نصلب عود ثورة يناير. ألم أقل لك يا منصور لسه الثورة بعيدة.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات