هامش للديمقراطية كارثة المعايير المزدوجة - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الأحد 12 مايو 2024 8:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هامش للديمقراطية كارثة المعايير المزدوجة

نشر فى : الأحد 25 أغسطس 2013 - 8:45 ص | آخر تحديث : الأحد 25 أغسطس 2013 - 8:45 ص

نعود إلى البدايات: إذا كانت الديمقراطية تستند إلى قيم حاكمة كالحرية والمساواة والمواطنة وسيادة القانون وتداول السلطة بين مدنيين منتخبين وحقوق الإنسان، فإن نجاح تجارب الديمقراطية فى الدول المختلفة يظل مرهونا ببناء مؤسسات وتطوير آليات محددة تضمن ترجمة هذه القيم إلى واقع سياسى ومجتمعى مستقر.

مؤسسات كالقضاء المستقل والبرلمان المنتخب والسلطة التنفيذية المنتخبة والخاضعة للرقابة والأجهزة العسكرية والأمنية الاحترافية والملتزمة بالقانون وبيروقراطية الدولة (الأجهزة والوحدات الإدارية) المحايدة وآليات كالمساءلة والمحاسبة والانتخابات النزيهة والدورية وضمانات الشفافية وحرية تداول المعلومات هى المعنية هنا، ولكى تضمن ترجمة قيم الديمقراطية إلى واقع مستقر لا بديل عن التزامها جميعا بمعايير عادلة وغير مزدوجة.

فالقضاء المستقل عنوانه قواعد قانونية مجردة وإجراءات موضوعية للتقاضى (إن بين المواطنات والمواطنين أو بينهم وبين هيئات الدولة أو فيما بين الأخيرة) تطبق على الكافة بمعايير قاطعة دون ازدواج أو تمييز أو استثناء، وفى هذا الضمانة الحقيقية لحريات الناس وحقوقهم ولغل يد الفئات المسيطرة (الحكام والمصالح الاقتصادية والمالية والمؤسسات العسكرية والأمنية والإدارية النافذة) عن استتباع معارضيهم أو المجتمع ككل ترهيبا أو ترغيبا عبر المعايير المزدوجة والإجراءات التمييزية والاستثنائية.

وتقضى الضرورة الديمقراطية لجهة البرلمان المنتخب والسلطة التنفيذية المنتخبة بأن يلتزم المشرع بمعايير عادلة وغير مزدوجة تبتغى الصالح العام حين سن القوانين وتخصيص موارد الدولة والمجتمع فى الموازنة السنوية لكى لا تنقلب الديمقراطية فى الممارسة الفعلية إلى ديكتاتورية الأغلبية، وبأن يلتزم المنفذ بذات المعايير العادلة حين يترجم القوانين وتخصيص الموارد إلى سياسات عامة ويراقب تطبيقها ويقبل الرقابة القضائية والبرلمانية عليه لكى لا تنقلب الديمقراطية فى الممارسة إلى تغول وتوحش السلطة التنفيذية ومن يسيطر عليها.

كذلك تعنى المعايير العادلة وغير المزدوجة التزام المؤسسات العسكرية والأمنية، وهى أذرع الدولة الضامنة لاحتكارها حق الاستخدام المشروع للقوة الجبرية والمخولة حماية أمن الوطن والمواطن، بالقواعد القانونية بحيث لا يتحول استخدام القوة الجبرية الى عصف انتقائى (ضد البعض) أو شامل (ضد الكل) بحريات وحقوق المواطن أو إلى عنف للدولة وبحيث لا تغادر هذه المؤسسات أسس وجودها فى الدول الديمقراطية وهى الاحترافية وعدم التدخل فى السياسة والابتعاد عن شبكات المصالح الخاصة.

وذات الأسس، الاحترافية وعدم التسييس وتغييب المصالح الخاصة، تنطبق على الأجهزة والوحدات الإدارية المكونة لبيروقراطية الدولة من الوزارات إلى الوحدات المحلية التى تضطلع بخدمة المواطن وجرى العرف الديمقراطى على أن تضمن تلك الأسس فى قوانين تسمى عادة بقوانين حيادية الخدمة العامة. أما آليات المساءلة والمحاسبة والانتخابات النزيهة والدورية والشفافية وحرية تداول المعلومات فوجهة معاييرها العادلة وغير المزدوجة هى الحيلولة دون انقلاب الديمقراطية فى الممارسة الفعلية إلى واقع سياسى ومجتمعى حافل بالتمييز والاستثناءات على نحو يفرغ قيم الحرية والمساواة وسيادة القانون وغيرها من المضمون.

يسائل ويحاسب المواطن العادى وليس البرلمانى أو عضو السلطة التنفيذية أو المنتسب إلى المؤسسات العسكرية والأمنية، تنظم انتخابات تغيب عنها النزاهة إن للتلاعب فى قوانينها أو فى إجراءاتها، تختفى الشفافية وحرية تداول المعلومات حين يتعلق الأمر بانتهاكات لحريات وحقوق معارضى الفئات المسيطرة على السياسة والمجتمع، كما كان الحال فى رئاسة الدكتور مرسى إزاء معارضيه وكما هو الحال اليوم تجاه جماعة الإخوان وحلفائها.

حين تبتعد المؤسسات فى الممارسة الفعلية عن المعايير العادلة وغير المزدوجة وحين تتراجع آليات المساءلة والمحاسبة والشفافية، تدخل الديمقراطيات فى أزمات حقيقية لا تخرج منها سريعا ويصبح ملاذ الدولة والمجتمع وإنقاذ الديمقراطية مرتبطا بحملة الفكر والثقافة والمدافعين عن قيم الحرية والمساواة وسيادة القانون. أما حين يقع هؤلاء فريسة للمعايير المزدوجة وتغيب العدالة عن مقاربتهم للواقع، فلنقل على الدنيا السلام. غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات