ماذا لو؟ - معتز بالله عبد الفتاح - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 12:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا لو؟

نشر فى : الثلاثاء 25 أكتوبر 2011 - 8:55 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 25 أكتوبر 2011 - 8:55 ص

دعونا نتحدث عن بلد، ودعونا نفترض أنها ليست مصر، تنتج ما قيمته تريليون ونصف التريليون جنيه سنويا (والتريليون هو ألف مليار)، وديونها الداخلية والخارجية ستساوى هذا الرقم قريبا، وحكومتها لها موازنة إنفاق تساوى حوالى نصف تريليون دولار، ثلثها تقريبا (أى 135 مليار جنيه) تقترضه سواء من الداخل (أى من الأفراد عن طريق ودائعهم فى البنوك والمؤسسات المالية) أو من الخارج (أى من الدول أو المنظمات الدولية).

 

هذا البلد يستورد تقريبا أهم ما يحتاجه من الخارج سواء من الغذاء (القمح مثالا) أو من السلع الاستراتيجية (السولار والبوتاجاز، وكلاهما يختلفان عن الغاز المتوفر فى مصر نسبيا). كى يستورد هذا البلد، أو أى بلد فى مثل حاله، فهو يعتمد على الاحتياط النقدى من الدولار والعملات الأجنبية واحتياطى الذهب المتوفر لديها، لأن الشركات والدول التى تبيع لك هذه السلع لا تريد عملتك المحلية وإنما تريد العملات الدولية.

 

وبالنظر إلى الاحتياطى الاستراتيجى الموجود فى البنك المركزى ومعدل انفاقنا منه سيتبين لنا أننا خلال الأشهر الماضية أنفقنا قيمة بين ربعه وثلثه. طيب وبعدين؟

 

المؤسسات الدولية خفضت تصنيف الاقتصاد المصرى إلى درجة أدنى مما كنا عليه فى الماضى القريب، وبالتالى تكلفة الإقراض ستكون أعلى. والحكومة كلما اقترضت من البنوك المصرية، فهى تقلل من كمية النقود المتوفرة للمستثمرين المصريين كى يستخدموا الأموال من أجل إقامة مشروعات جديدة (يسمونها crowding out effect). بل إن الكثير من المستثمرين المحليين والعرب والأجانب توقفوا عن ضخ استثماراتهم فى الاقتصاد المصرى لأنهم بانتظار حكومة شرعية منتخبة. والمجلس الأعلى للقوات المسلحة أجل الانتخابات ومن ثم تسليم السلطة إلى 2012 منتظرا الدستور الجديد الذى سينتج عن لجنة المائة الناتجة عن المنتخبين من مجلسى الشعب والشورى. كل هذا والبلد ينزف اقتصاديا. والأطرف أن هناك من يستمتع بالحديث عن تأجيل الانتخابات لحد ما ربنا يسهل والأحزاب الجديدة تستعد كى تنافس القوى الإسلامية التى لبعضها 80 سنة على الساحة السياسية ولها فى كل كفر ونجع مؤيدون.

 

ولدينا فى كل مجال مشاكل مرتبطة بقوانين فاسدة وعقود باطلة ولكنها أنتجت حقوقا مكتسبة لمواطنين وأجانب كانوا يتعاملون مع الحكومة الشرعية فى البلاد فى لحظة بذاتها. إذن عليك، إن سحبت منهم مشروعاتنا وشركاتنا التى وصلت إليهم بطرق غير مشروعة من وجهة نظر القضاء المصرى الآن، والتى كانت طرقا مشروعة فى توقيت سابق أن تتحمل مسئوليتك كحكومة فى أن تعوض هؤلاء ومعهم الموظفون والعمال الذين أضيروا.

 

والطريف فى الأمر أن بعض الأحكام القضائية غير قابلة للتطبيق لأنها تنص على عودة أراضى ومصانع للدولة بعد أن تملك مستثمر أجنبى لعدة سنوات قام خلالها ببيع الأرض التى تم البناء عليها عمارات سكانية مثلا.

 

المسألة ملخبطة، والجزء الأكبر من اللخبطة أن الإدارة الحالية غير قادرة، ولن تقدر، على أن تأتى بحلول إبداعية. حلول إبداعية فى مواجهة المطالب الإنسانية للمحتجين والمتظاهرين من أهلنا من العمال والمزارعين والموظفين، حلول ابداعية لتسوية مشاكل الأراضى والشركات موضع النزاع، رسائل طمأنة حقيقية للمستثمرين المصريين والعرب والأجانب بأن مصر عائدة وبقوة، ترشيد إنفاق فى كل ما هو ليس ضروريا فى كل الوزارات والهيئات الحكومية، التعامل مع المشاكل قبل أن تتحول إلى أزمات، لأنها ستتحول إلى أزمات.

 

ماذا لو الاحتياطى النقدى استنزف؟ لماذا تثبيت سعر الجنيه بهذه الطريقة التى يعلم كل ذى خبرة اقتصادية أنه غير منطقى؟

 

لست من هواة إثارة الفزع، بل أنا على يقين من قوة اقتصادنا. مصر دخلت فى حروب دمرت جانبا من قواتنا المسلحة وكانت تكلفتها المدنية باهظة ومع ذلك لم يحدث فى مصر قط أن تخلفت عن سداد فوائد ديونها أو أعلنت إفلاسها مثلما فعلت دول أخرى (الأرجنتين احترفت فى الثمانينيات إعلان الإفلاس). بل إن وضع اقتصادنا الآن ليس بأسوأ كثيرا مما كان عليه الاقتصاد التركى فى مطلع هذه الألفية. البلد «ماشية» رغما عن سوء الإدارة، بل أحيانا بدون إدارة، طيب ماذا سيكون وضعنا إن حكمتنا إدارة اقتصادية متمكنة؟ لست قلقا من التحديات، أنا قلق من ضعف القدرات.

 

من الآخر: مطلوب دكر، أو بتعبير أدق 100 دكر، ينبهون الناس ويرفعون الالتباس، يفكرون بحزم ويعملون بعزم.

معتز بالله عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وميشجان، ويدير حاليا وحدة دراسات الإسلام والشرق الأوسط في جامعة ميشجان المركزية في الولايات المتحدة. حصل على ماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة وماجستير الاقتصاد ودرجة الدكتوراه في العلوم السياسية من الولايات المتحدة. كما عمل في عدد من مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة ومصر، له ثمانية كتب والعديد من المقالات الأكاديمية منشورة باللغتين الإنجليزية والعربية.
التعليقات