التاريخ.. حيث تصل الدبابات! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 9:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التاريخ.. حيث تصل الدبابات!

نشر فى : السبت 26 فبراير 2022 - 9:20 م | آخر تحديث : السبت 26 فبراير 2022 - 9:20 م

 

كان لافتا ذلك التصريح الذى أدلى به لينس ستولتنبرج، الأمين العام لحلف شمال الأطلسى (ناتو)، بعد ساعات قليلة من بدء الهجوم العسكرى الروسى الواسع النطاق ضد أوكرانيا، حيث قال إن «الرئيس فلاديمير بوتين يحاول إعادة كتابة التاريخ».
تصريح ستولتنبرج، يشير بشكل مباشر إلى أن بوتين يسعى عبر هجومه على أوكرانيا إلى استعادة إرث الاتحاد السوفييتى السابق، واستعجال بناء نظام دولى جديد على أنقاض النظام القائم حاليا، الذى تحتكر الولايات المتحدة الأمريكية قيادته منفردة منذ عقود، بحيث يكون لبلاده دور بارز فيه، وهو تصور موجود منذ زمن طويل لدى الكثيرين من السياسيين الغربيين والأمريكيين، منهم على سبيل المثال، مستشار الأمن القومى الأمريكى الأسبق زيبيجنيو بريجنسكى، الذى قال فى عام 1994: «إذا سيطرت روسيا على أوكرانيا، فيمكنها أن تعيد بناء إمبراطوريتها من جديد».
بعيدا عن مدى صحة هذا التصور، أو قدرة روسيا اليوم على استعادة الإرث القديم للاتحاد السوفييتى السابق، إلا أن السؤال المهم الذى يطرحه تصريح ستولتنبرج، هو: من لديه القدرة على كتابة التاريخ؟ البعض يرى أن التطور الحضارى والثقافى والتكنولوجى والاقتصادى، هو العامل الأبرز فى كتابة تاريخ الأمم. وجهة النظر هذه على الرغم من وجاهتها، فإنها تبدو غير دقيقة تماما، إذ إن هذا التطور لن يكون له فائدة أو تأثير يذكر من دون قوة عسكرية تحميه.
كتابة التاريخ مسألة ليست صعبة أو مستحيلة، كما يتصور البعض، لكنها ممكنة إذا ما امتلكت الدول القوة الحقيقية التى تسمح لها بفرض إرادتها والدفاع عن مصالحها القومية، ومعاقبة من يحاول النيل منها، أو تعريض أمنها للخطر، ولا ترتكن إلى حبال التفاوض الطويلة إلى ما لا نهاية، والتى قد لا تعيد الحقوق إلى أصحابها.
فى الحوادث الكبرى التى شهدها العالم بصفة عامة ومنطقتنا العربية على وجه الخصوص، كان للقوة العسكرية الكلمة الفصل فى وضع المشاهد الأخيرة وكتابة التاريخ ورسم خرائط الجغرافيا وتحديد مناطق التمدد والنفوذ. فى نهاية الحرب العالمية الأولى، جرى تقسيم وتفتيت الإمبراطورية العثمانية، بعدما خسرت فى ميادين القتال، وأنشأ المنتصرون دولا جديدة للعرب بحدود واضحة لا تزال موجودة حتى الآن. وفى نهاية الحرب العالمية الثانية، تم تقسيم ألمانيا النازية، وظهرت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتى كقوتين عظميين، لانتصارهما مع دول الحلفاء على دول المحور. فى حرب السادس من أكتوبر، تمكن الجيش المصرى من تحطيم غرور جيش الاحتلال الإسرائيلى وأجبر الإسرائيليين على الجلوس على مائدة المفاوضات وإعادة الأرض المغتصبة فى سيناء ووضع الكيان الصهيونى فى حجمه الطبيعى.
الدول القوية تدرك أن التاريخ تكتبه الدبابات والجغرافيا تتحدد حيث تقف مدرعاتها وجنودها وتحلق طائراتها العسكرية.. هى من تبادر إلى وضع خطوط حمراء لأمنها ومصالحها القومية، ولا تترك مصيرها للظروف والتطورات غير المتوقعة، أو لمغامرات دول أخرى تهدد استقرارها وحدودها.. هى التى تضع يدها دائما على الزناد، لردع ومحاصرة من يهدد وجودها وثرواتها ومواردها الطبيعية.. هى التى لا تتهرب من المواجهة، وتثبت بالفعل للآخرين أنها لا تستسلم أبدا لقول السيد المسيح فى الكتاب المقدس: «من ضربك على خدك فاعرض له الآخر، ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك!».
هناك بالفعل فائض قوة هائل تتمتع به روسيا مقارنة بأوكرانيا، حيث يحتل جيشها المرتبة الثانية عالميا، بينما الجيش الأوكرانى المرتبة الثانية والعشرين، وفقا لتصنيف «جلوبال فاير باور» لجيوش العالم لعام 2022. هذا التصنيف يعتمد على أكثر من 50 عاملا لتحديد مكانة القوة العسكرية لأية دولة، مع الأخذ فى الاعتبار القوة العسكرية والمالية والقدرات اللوجستية والعامل الجغرافى.
استدعت روسيا فائض القوة لديها فى الوقت الذى شعرت فيه أن أمنها مهدد بشدة، إذا ما واصلت أوكرانيا التوجه غربا نحو الانضمام لحلف الناتو، ولم تتردد لحظة فى اجتياح أراضى جارتها من أربع جهات، حتى ترسل بشكل واضح رسالة للجميع، مفادها أن الأمن والمصالح الحيوية خط أحمر لا يجب اختراقه مهما كانت الظروف.
عالم اليوم هو نفسه عالم الأمس وقبل الأمس، يحترم الأقوياء فقط، ولا يأبه للضعفاء أو لحقوقهم المشروعة، ومن يتصور عكس ذلك، عليه مراجعة نفسه جيدا.. فالدبلوماسية والمفاوضات وحدها لن تجدى نفعا فى الحفاظ على حقوق الأمم ومصالحها الحيوية وأمنها ومواردها وثرواتها، من دون أن يكون السلاح حاضرا على الطاولة.

التعليقات