البعض أحب هادى - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البعض أحب هادى

نشر فى : السبت 26 أغسطس 2017 - 9:55 م | آخر تحديث : السبت 26 أغسطس 2017 - 9:55 م

البحر.. هذا الفضاء الأزرق الذى يأخذنا إلى بعيد.. إلى حيث كل الاحتمالات ممكنة. هو بطل من أبطال فيلم «نحبك هادى» للمخرج التونسى محمد بن عطية، الذى تدور أحداثه بين مدينة القيروان بأبنيتها الإسلامية وشاطئ فندق بمدينة المهدية الساحلية، جنوب العاصمة. فى القيروان، ينسحق هادى أمام تسلط أمه وتحت وطأة التقاليد، إذ يستعد للزواج، وفى المهدية حيث قادته ظروف عمله، يتحرر أمام البحر عندما يتعرف على ريم ويحبها. نشعر فى مكان ما بأن الكثيرين من حولنا يشبهونه، حين يقفون مثله أمام البحر فى رحلة بحث عن الذات، ثم يسبحون فى مياهه الداكنة، ليلا، تحت قمر أصفر هزيل، ففى هذه المنطقة من العالم الجميع يتحسس طريقه فى الظلام، وينتظر أن يبتلع البحر الطغاة والظالمين، كما فى الأساطير والحكايات القديمة.
الفيلم الذى يعرض فى سينما «زاوية» بالقاهرة طاف العديد من المهرجانات الدولية بنجاح، وحصد مخرجه جائزة أفضل فيلم روائى أول، كما حاز مجد مستورة على جائزة أفضل ممثل عن دور هادى، فى مهرجان برلين. كالعديد من الأفلام التونسية التى لاقت استحسانا فى الغرب، خلال السنتين الأخيرتين، ارتبط الموضوع بالربيع العربى، ما قبله أو ما بعده، حتى لو كان ذلك بشكل غير مباشر، مثلما فى «نحبك هادى». اختار أصحاب الفيلم ألا يقحموا السياسة والثورة، بل أن يتناولوا تأثيرها على البشر سواء بالإشارة إلى الظروف الاقتصادية المتردية أو من خلال حكاية البطل الذى يتمرد على حياته السابقة ويعيد ترتيب أوضاعه. كما اختاروا أن يقلبوا الآية ويقدموا نماذج نساء أكثر قوة وحسما من الرجال.
***
الموضوع قابل أن يمس المتفرج فى كل مكان وزمان، وبالتالى سهل على المتلقى الغربى أن يتفهم مشاعر البطل، مع وجود بعض الزخارف الشرقية «كزغاريط» الفرح والملابس التونسية والبيوت التقليدية وطقوس الزواج، إلى ما غير ذلك من التفاصيل التى تعطى للفيلم نكهة مختلفة والتى يضاف إليها حب استطلاع الغرب تجاه متابعة حياة شعوب ما بعد الثورات. هذا ما يفسر إلى حد ما حسن استقبال الجمهور الغربى لأفلام تونس ومصر وسوريا، وإن كنت هنا بصدد الحديث عن السينما التونسية فقط التى تحتفل هذا العام بمرور خمسين سنة على ظهور أول فيلم روائى طويل، وهو«الفجر» للمخرج والمنتج عمار الخليفى، الذى عرض لأول مرة فى العشرين من مارس 1967، بسينما «لو مونديال». روى الخليفى قصة ثلاثة مناضلين خلال الأشهر الأخيرة من نظام الحماية الفرنسية المفروضة على تونس، كمعظم أفلام البدايات هناك التى تعرضت لتاريخ الاحتلال وما ترتب عليه. ثم تلا ذلك فترة السبعينيات والتسعينيات بموضوعاتها الجريئة، وبعدها كان التركيز على المشكلات الاجتماعية وصولا إلى إشكاليات ما بعد ثورة 14 يناير.
***
إنتاج نحو عشرة أفلام فى السنة، ومشاركة معظمها فى مهرجانات دولية، لا يعنى بالضرورة جودة هذه الأعمال فنيا ــ وإن تميز بعضها ــ لكن هى عوامل تشير إلى اهتمام واضح بالإنتاج السينمائى لتونس، مثلما حدث فى السابق مع إيران وكوريا الشمالية لأسباب سياسية ربما أكثر منها فنية، وبالطبع هناك دوما بعض الاستثناءات تطغى فيها القيمة الفنية. على مدى السنتين الماضيتين، ذاع صيت أفلام تونسية تتحدث عن الحرية والاختيار والهجرة والخوف والإغراء والحب بالضرورة مثل «جسد غريب» لرجاء عمارى، و«زينب لا تحب الثلج» لكوثر بن هنية، و«شبابيك الجنة» لفارس نعناع، و«على حلة عينى» لليلى بوزيد، و«آخر واحد فينا» لعلاء الدين سليم، و«نحبك هادى» لمحمد بن عطية. شاهدنا بعضها، وقرأنا عن بعضها. استمتعنا أحيانا، وخاب ظننا كثيرا عندما كنا نكتشف أن الصخب حولها مبالغ فيه، كما كان انطباع بعضنا عند مشاهدة «نحبك هادى»، ذلك على الرغم من ظهور جيل مختلف من الفنانين سنختبر فى الأيام والسنوات القادمة قدرته على إعادة النظر للعالم ولبلده من خلال السينما. هم أيضا يقفون أمام البحر أو يحاولون العبور إلى الضفة الأخرى كأبطالهم وشخوصهم.

التعليقات