الحكومة المخضرمة - امال قرامى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 3:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحكومة المخضرمة

نشر فى : الثلاثاء 27 يناير 2015 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 27 يناير 2015 - 8:00 ص

وأخيرا.. أطلّ «الصيد» ليعلن تشكيل حكومته بعد أن عيل صبر التونسيين. وبعد التسريبات، والتوقعات، والتكهنات ها أنّ رئيس الحكومة يباغت الجميع مثبتا قدرة على التكتم والمراوغة، إذ اختار أسماء لم تدر بخلد حتى قيادات حزب النداء، وهو ما أثار غضب عديد الأطراف (النهضة، آفاق، الجبهة الشعبية).

أمّا أبرز ملامح هذه الحكومة فإنّها تكمن فى التخضرم، ومحاولة «الأخذ من كلّ شىء بطرف» وإرضاء الجميع. ولئن أكّد رئيس الحكومة أنّ حكومته تمثّل جميع التونسيين فإنّ مسألة التمثيلية تبقى نسبية إذ أزيح حزب النهضة من الحكم، ولم تدخل الجبهة الشعبية فى الحكومة فضلا عن أحزاب أخرى، ومعنى هذا أنّها ليست حكومة وحدة وطنية مراعية للحساسيات الحزبية ذات الوزن فى المشهد السياسى.

وبالنظر فى معايير الاختيار نتبيّن مدى حرص «الصيد» على انتزاع اعتراف فئات وشرائح مختلفة من ذلك الشباب إذ نجد حرصا على تشبيب أعضاء الحكومة، والنساء إذ أظهر رئيس الحكومة تفهّما لمطالب الحركة النسائية بتمثيلية تتناسب مع الأدوار التى نهضت بها النساء خلال الثورة، وأثناء المسار الانتقالى فتمّ تعيين 3 وزيرات، و6 كاتبات دولة، وكذلك أهالى الشهداء إذ عيّن «الصيد» أخت الشهيد سقراط الشارنى كاتبة دولة مكلفة بملف الشهداء وجرحى الثورة، وكذلك الجهات إذ تمّ تعيين وزراء من جهات عاشت التهميش، وكذلك المجتمع المدنىّ، إذ سعى «الصيد» إلى منح عدد من المناضلين الحقوقيين حقائب وزارية.

<<<

وإذا تأمّلنا فى تركيبة هذه الحكومة أدركنا أنّها تتضّمن وجوها معروفة كانت مناضلة فى عهد بن على فإذا بها اليوم تحتلّ مواقع صنع القرار، ووجوها أخرى تحمّلت مسؤولية فى حكومات سابقة، ووجوها أخرى غير معروفة. وبالإضافة إلى ذلك يحتلّ الأساتذة الجامعيون، خاصة من اختصاص القانون نسبة محترمة من تركيبة الحكومة. وليس يخفى أنّ هذه التعيينات، التى راعت معيارى المحاصصة الحزبية من جهة، والاستقلالية، من جهة أخرى، تثير أكثر من سؤال: فهل أنّ شرعية النضال تكفى لإدارة الشأن السياسى وتحقيق النجاعة المطلوبة فى فترة حاسمة من تاريخ البلاد؟ وهل أنّ حيازة الشهادات العلمية تكفى لصياغة السياسات، واستنباط الحلول، ومواجهة التحديات؟ وهل أنّ السعى إلى ترضية أطراف محدّدة خير معيار ضامن لحسن سير هذه الحكومة؟ وهل الإبقاء على عدد من الوزراء السابقين جاء على أساس الاعتراف بحسن أدائها؟ وهل اللجوء إلى «الأيقونات» (المناضلون، أخت شهيد..) كفيل بحلّ الأزمات التى تتخبّط فيها البلاد؟

لابدّ من الإقرار بأنّ هذه الحكومة مجدّدة من حيث تمكين عدد ممن كانوا من المعارضة من مقاليد الحكم، وتمكين النساء ولكنّها تبقى فى ذات الوقت، تقليديّة فى توزيع الحقائب وفق التصورات السائدة، والصور النمطية إذ بقيت النساء فى وزارات تتلاءم مع التصورات الشائعة (وزارة المرأة، وزارة الثقافة) والحال أن مطالب النساء تذهب فى اتجاه تثوير الذهنيات وتمكين النساء من وزارة سيادية على الأقلّ.

وما يسترعى الانتباه فى تركيبة هذه الحكومة أنّها تجمع بين أصحاب الخبرة، من جهة، وعدد من الشخصيات التى لم يُعرف عنها التميّز على مستوى الإدارة، من جهة أخرى ويمكن أن نفهم من وراء ذلك الضغوط التى مورست على رئيس الحكومة حتى يراعى المحاصصة الحزبية، ومصلحة من وقفوا مع حزب النداء ودعموه بالمال، والرجال.

<<<

ولئن عيب على الحكومات السابقة تضخم عدد الوزراء فإن هذه الحكومة اضطرت إلى الزيادة فى عدد الوزارات حتى تتوصّل إلى ترضية أكبر عدد من الفاعلين. كما أّنّ هذه الحكومة التى التزمت بأن تكون ممثلة لجميع التونسيين لم تول اعتبارا لأهمّ فاعل سياسى، ونعنى بذلك حزب النهضة مفضلة إرضاء القواعد والوفاء بالوعود. ولكن تبقى الكرة فى ملعب النهضة فهل ستحافظ على منهج يغلّب التوافق، و«الحكمة» والاعتراف بإكراهات الواقع أم أنّها ستكون مثلها مثل الجبهة الشعبية فى صف المعارضة؟

التعليقات