من حكايات البنزين - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 2:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من حكايات البنزين

نشر فى : الخميس 27 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 27 يونيو 2013 - 1:05 م

فى عام ٢٠٠٣، بدأ الحوار والنقاش حول ضرورة التعامل مع أزمة دعم الطاقة باعتبارها، العنصر الأكثر تعطيلا فى انطلاق استثمارات الموازنة العامة، وكان أكثر العقلاء وقتها، قرروا أن يكون تخفيض هذا الدعم بنسبة ١٠٪ سنويا، حتى يتوقف هذا الدعم تماما مع حلول العام ٢٠١٣ (أى هذا العام) على أساس أن تستطيع كل الجهات استيعاب فروق أسعار الطاقة.

 

وفى هذا العام أيضا خلص الخبراء، إلى أنه من الصعب انطلاق نهضة اقتصادية حقيقية فى ظل هذا الدعم الهائل للطاقة، خاصة أنه يتسرب بعيدا عن مستفيديه الحقيقيين، ولا يحقق النتائج المرجوة منه، وحينما اعترضت كل القيادات السياسية والأمنية، على هذه الإجراءات، طالب بعض الخبراء باستحداث فكرة الدعم النقدى لمساعدة غير القادرين والذين لا يستطيعون تحمل هذه الزيادات.

 

لكن الأمن والسياسة رفضوا أيضا فكلاهما يمتلك خبرة شديدة السوء تجاه تحريك أسعار الطاقة فى يناير ١٩٧٧، والمدهش أن هذه الحوارات والنقاشات كانت تدور فى سرية بالغة، حتى لا يعرف أى مواطن أن الحكومة تفكر فى ذلك. 

 

وخلال السنوات الثمانى التى استمر فيها نظام مبارك، حتى مع وجود حكومة جديدة (حكومة نظيف) ظل حوار ونقاش التعامل مع دعم الطاقة من باب التسالى، حتى حينما حاولت الحكومة ذات مرة تسريب خبر عن تحريك سعر الطاقة فى أضعف مناطقه (البنزين) ــ تم رفت المذيعة التى قالت ذلك فى برنامجها التلفزيونى ــ.

 

وذات مرة قررت لجنة السياسات بالحزب الوطنى مناقشة الأمر مع وزير المالية (يوسف بطرس غالى) عقدوا الاجتماع فى الثامنة صباحا فى مقر الحزب وفى أضيق نطاق، وتجرأ بعضهم وأعلن عن ضرورة تحريك أسعار الطاقة، فهاج وماج كل من حضر، فذهب الوزير إلى الحمام وعاد يتساءل بدهشة عمن قال إن هناك فكرة أصلا لزيادة أسعار الطاقة. 

 

التعامل مع مشكلة دعم الطاقة، يكشف لنا كيف تتعامل الدولة فى مواجهة مشكلاتها العميقة المزمنة، حيث تهرب دائما من الحل والمواجهة خوفا من غضب الشارع، على الرغم انهم جميعا يعلمون أن نصف الأثرياء الجدد فى مصر كونوا ثرواتهم من دعم الطاقة سواء من الاستفادة من أسعاره المنخفضة جدا، أو من عمليات التهريب التى كان ومازال يتزعمها كبار فى هذا البلد.

 

واذا كانت هناك أسباب تجعل من الممكن ان نظل نتعامل اليوم بهذه الاسعار، فربما يكون غدا أو بعد غد من المستحيل، التعامل مع أسعار وتهريب الطاقة، ووقتها ستكون الكارثة ساحقة ماحقة على الجميع، سواء الذين خافوا من مواجهة المشكلة، أو الذين خفنا عليهم من مواجهة الحل. 

 

لكن أكثر ما يدهشنى فى هذه القصة، أن الدولة، حتى الآن، وبكامل سلطاتها وقواتها وأجهزتها الأمنية والرقابية المنتشرة والممتدة، لم تنجح حتى الآن فى ضرب شبكات تهريب السولار والبنزين، وحتى بعد أنباء القبض على عشرات المهربين لم يخرج لنا بيان واحد يقول لنا من هؤلاء ومن يقف وراءهم، بصراحة الموضوع محير ومريب، وكأن هناك من يريد أن تظل الطاقة بأسعار زهيدة ويتم تهريبها ولا عزاء للفقراء الذين نتحجج بأننا نضحى بكل هذه المليارات من أجلهم.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات