غزة.. حين تُدفن في صمت! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 9:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

غزة.. حين تُدفن في صمت!

نشر فى : الجمعة 27 أكتوبر 2023 - 8:10 م | آخر تحديث : الجمعة 27 أكتوبر 2023 - 8:10 م

بات واضحا أن أى انتقاد لجرائم الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة، سيواجه بعنف شديد من جانب دولة الاحتلال الصهيونى، التى تحاول فرض السكوت الإجبارى على العالم، ودفعه إلى أن يشاهد فى صمت «سكان غزة وهم يدفنون أحياء».
فمنذ السابع من أكتوبر الجارى، تنفذ طائرات الاحتلال الصهيونى على مدار الساعة، أكبر عملية إبادة جماعية بحق الفلسطينيين فى القطاع، حيث تحولت المستشفيات إلى ثلاجات لحفظ جثامين الشهداء ضحايا العدوان، والذين بلغ عددهم أكثر من 7500 فلسطينى، بينهم نحو 3000 طفل، و1700 سيدة، إضافة إلى 1650 شخصا ما زالوا تحت الأنقاض، فيما أصيب أكثر من 18 ألف فلسطينى، كما تم تدمير ما يزيد عن 40% من المنازل فى غزة وتشريد مليون و400 ألف نسمة، وفقا للإحصاءات التى عرضها مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور خلال الاجتماع الطارئ للجمعية العامة مساء الخميس الماضى.
هذه الجرائم البشعة ضد الإنسانية، وجدت دعما وتفهما وضوءا أخضر من جانب الكثير من دول العالم التى تدّعى التحضر والرقى، ودائما ما تعطى الآخرين دروسا فى حقوق الإنسان وحريته وحقه فى تقرير مصيره، خصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، التى أظهرت للجميع حقيقتها ووجهها الاستعمارى المقيت.
لكن ورغم الانحياز الأعمى من جانب تلك الدول لصالح المحتل الصهيونى، كانت هناك ضمائر حية ترفض هذه المذابح اليومية بحق المدنيين فى غزة، سواء على مستوى شعوب العديد من الدول فى مختلف قارات العالم، التى نزلت إلى الشوارع للتنديد بجرائم الحرب الإسرائيلية، أو الناشطين والمنظمات الحقوقية الدولية التى لم تتوان عن فضح جرائم الاحتلال، بالإضافة إلى عدد قليل من المسئولين الدوليين الذين انحازوا إلى ضمائرهم ورفضوا دعم ومساندة الجلاد النازى وإدانة الضحية فى هذه المحرقة التى تجرى على أرض القطاع.
من بين هؤلاء المسئولين الذين يعدون على أصابع اليد الواحدة، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، الذى تعرض قبل أيام قليلة لانتقادات حادة وعنيفة من جانب دولة الاحتلال، وصلت إلى حد مطالبته بالاستقالة، بعدما قال خلال اجتماع مجلس الأمن الدولى، يوم الثلاثاء الماضى، إن «حماية المدنيين لا تعنى إصدار الأوامر لأكثر من مليون شخص بإخلاء منازلهم والاتجاه جنوبا، حيث لا يوجد مأوى ولا غذاء ولا مياه ولا دواء ولا وقود، ثم الاستمرار فى قصف الجنوب نفسه».
وأضاف جوتيريش أنه «من المهم أن ندرك بأن هجمات حماس (فى السابع من أكتوبر الجارى) لم تحدث من فراغ، لقد تعرض الشعب الفلسطينى لاحتلال خانق على مدار 56 عاما، ورأوا أراضيهم تلتهمها المستوطنات وتعانى العنف، خُنِقَ اقتصادُهم، ثم نزحوا عن أراضيهم، وهُدمت منازلهم، وتلاشت آمالهم فى التوصل إلى حل سياسى لمحنتهم».
لم يلجأ جوتيريش السياسى المحنك ذى الأربعة وسبعين عاما، ورئيس الوزراء البرتغالى الأسبق، إلى محاولة تزييف الحقائق التى يراها العالم أجمع ولا يبدى اعتراضا أو إدانة لها، ولم يسر فى ركب الدول التى منحت الاحتلال الضوء الأخضر لحرب الإبادة الحالية ضد الفلسطينيين، بل سمى الأشياء بمسمياتها وأرجع ما حدث إلى جذور المشكلة، وهى وجود الاحتلال وجرائمه اليومية بحق الفلسطينيين منذ عشرات السنين.
كذلك قبل إلقاء هذه الكلمة بأيام قليلة، وقف جوتيريش أمام معبر رفح على الجانب المصرى، وقال: «لدينا 2 مليون شخص تحت النيران ويحتاجون كل شىء للنجاة.. وفى هذا الجانب (مصر) لدينا الكثير من الشاحنات المحملة بالمياه والطعام والدواء، فهذه الشاحنات هى خط حياة.. والفارق بين الحياة والموت للكثيرين لأهالى غزة العالقين هناك.. من المستحيل أن تكون هنا أمام معبر رفح ولا تشعر بأن قلبك محطم».
وتابع: «للأسف، هذه ليست عملية إنسانية عادية، هذه عملية فى منطقة حرب.. وهذا هو سبب المناشدة بوقف إطلاق النار بشكل إنسانى.. لا يجب عقاب الشعب فى غزة مرتين، مرة بسبب الحرب، والأخرى بسبب منع المساعدات».
موقف جوتيريش ينبع من عنصرين أساسيين، الأول أنه بحكم منصبه كأمين عام للأمم المتحدة، ينبغى عليه الحياد وعدم الانحياز لأى طرف من الأطراف المتصارعة، والسبب الثانى يرجع إلى شعوره بمعاناة الشعوب التى تواجه مثل هذه الأزمات، بسبب خبرته الطويلة فى هذا المجال، حيث شغل منصب مفوض الأمم المتحدة السامى لشئون اللاجئين فى الفترة من يونيو 2005 إلى ديسمبر 2015.
على أى حال، لا تزال هناك الكثير من الضمائر الحية فى العالم، سواء كانت شعوبا أو منظمات حقوقية، ترفض وبقوة أن تدفن غزة فى صمت عبر المجازر التى يرتكبها الاحتلال الصهيونى ضد الشعب الفلسطينى الأعزل، ولا تعترف برواية دولة الاحتلال، التى تحاول تسويق نفسها على أنها ضحية فى محيط متوحش، وتسعى دائما إلى وصم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب والتطرف والتشدد، فى حين أن المشاهد التى تنقل على الهواء مباشرة على كل الشاشات، توضح بجلاء همجية ونازية ووحشية المحتل الذى يقصف الأطفال والنساء والمستشفيات والكنائس بالصواريخ والقنابل المحرمة دوليا.

التعليقات