خذ الصبى وأمه واهرب إلى مصر - نهلة عبدالله إمام - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خذ الصبى وأمه واهرب إلى مصر

نشر فى : الثلاثاء 28 فبراير 2017 - 11:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 28 فبراير 2017 - 11:30 م
«خذ الصبى وأمه وإهرب إلى مصر» (إنجيل متى، الاصحاح الثانى) تلك كانت نصيحة ملاك الرب الذى ظهر ليوسف النجار ليهرب من الطغاة ويحمى المسيح وأمه، اصطحب يوسف النجار الطفل وأمه إلى مصر فكانت محطتهم الأولى ــ للمفارقة ــ فى العريش!

استراحت العائلة المقدسة بعد عناء الرحلة ومصاعبها من وعورة الطريق وبعد المسافة وحرارة الشمس تحت شجرة نخيل فى سيناء وأكلوا من ثمارها، وأمنوا على أنفسهم من البطش على أرض سيناء التى منها دخلوا إلى مصر، فكانت أرض سيناء هى المعبر والملاذ الآمن الأول للعائلة المقدسة، فتنتشر المسيحية فى العالم ديانة سماوية أقرها الإسلام وبجل نبيها وأمه، التى نزلت سورة فى القرآن باسمها تحكى لنا القصة وسبيل إنفاذ إرادة الله التى تحاول فئة ضالة أن تعاندها.

وهنا يجب أن نقف لنسأل أنفسنا السؤال الأولى: من المسئول عن عدم تدريس تلك القصة التى اتفقت عليها الأديان فى مدارسنا؟ بل ومن الذى أعطى لتنظيم فكرة وضع علامات على بيوت الأقباط فى العريش، ثم فكرة الحرق بعد القتل التى جدت على نمط الجريمة فى مصر والتى تنم عن غل لابد أن نبحث عن مصدره، أى عقل يدبر؟

واستطرادا فى السؤال أمام الموقف المتصاعد الآن فى سيناء وما يواجهه الأقباط هناك ونزوحهم تحت أعين العالم وعلى الهواء مباشرة بالمئات، حاملين كل ما يستطيعون حمله، فارين بأرواحهم وأولادهم غير لاعنين وإنما طارحين أكثر الأسئلة بداهة ومشروعية: مدارس الأولاد وجامعاتهم، والغياب عن العمل، والعلاج التى كنت أتلقاه فى المستشفى الميرى؟ أى عبث هذا الذى يجعل أسئلة الحق فى البيت والحياة المستقرة تتوارى وتصبح ترفا؟

ويسترعى الانتباه اللجوء إلى المعتقدات الشعبية التى تبزغ وتفرض سيطرتها فى أوقات الأزمات لتعلن عن وجودها وسيطرتها وتحل الأزمات فى عقول الأفراد، فينتظر الأقباط حدوث المعجزة التى سوف تنهى الموقف بتدخل سماوى، فتوقعوا يا سادة ظهورا للعذراء فى الإسماعيلية قريبا! فإذا كنا نبغى فعلا فرض سيطرة الدولة والإعلان عن التمسك بهيبتها فلا أقل من أن نسابق المعجزة ونقبض على الجناة، وهم معروفون ويعلمهم أهل العريش، ونحاكمهم بتهمة تضاف إلى القتل وترويع الآمنين، وهى تكدير السلام الاجتماعى الذى هو واجب من واجبات الدولة وحق أصيل للمواطن، القتل على الهوية أيها الأعزاء سوف يجر فئات غير الأقباط، النساء ثم المهاجرين من محافظات أخرى ليستوطنوا سيناء، إنها البداية واحذروا فرياح السموم لن تستثنى ولن تذر، الآن وليس غدا، وليس حادث مقتل كاهن كنيسة مارجرجس بالعريش فى يونيو الماضى ببعيد، فمن الجانى؟.

ولعله من المهم أن نعرف أن سكان العريش ليسوا بدوا بل هم أهل حضر، والمدينة منذ عودة سيناء تضج بسكان من محافظات وادى النيل الذين استوطنوا سيناء وعاشوا وكونوا أسرا هناك واستخرجوا بطاقات رقم قومى تشير إلى انتمائهم الجغرافى الجديد وشاركوا فى الانتخابات ليختاروا نوابهم الذين من المفروض أن نجدهم هناك الآن وليس تحت قبة البرلمان، فلا قبة برلمان ولا ولى ولا قديس إنه الالتفاف بالناس والوقوف بينهم والاعتراف بأن ما يحدث كبير، وأن الأنفاق ليست من عمل بدو سيناء فقط وإنما هناك مهندسون وعمال وبيزنس قوى يضخ أموالا لابد أنه يجنى من ورائها مصالح، ففتشوا عن أصحاب المصالح.

ومن المثير للانتباه القدرة الفذة للتفكير المتطرف على جذب شباب البدو وكسر النظام القبلى فى عمقه والذى كان يحدد انتماء الفرد للقبيلة، وتحملها معه وزر ما ارتكبه من جرائم أو خروج على العرف القبلى، ومكانة كبار القبيلة وشيوخ العشائر التى هددها شاب يمسك سلاحا ولا يقيم لمعايير الجماعة أى وزن، فلا قانون ولا دولة ولا مؤسسات استطاعت على مدى عقود اختراق هذا النظام القبلى، ولكن الفكر المتطرف استطاع أن يغير الزى ونمط الأعراس وكثير من عناصر التراث، وها هو يفجر منظومة القيم ويقول لها بالبلدى: «قومى وأنا اقعد مطرحك».

يخطئ من يظن أنها مسئولية الأمن وحده، فيا عزيزى كلنا مسئولون، الباحثون ومنهم أنا التى درست سيناء وأهلها ولم أستطع أن أصل بكلمتى إلى صانع القرار، وزارة التربية والتعليم التى انسحبت عن أداء دورها فتجد الأطفال يمرحون فى البادية فى عز النهار وعندما تسألهم عن الدراسة يبتسمون، ناهيك عن مناهج تفتقر إلى أدنى درجات التنوير، ووزارة شباب التى تطالعنا أعمار الارهابيين على أنهم يقعوا فى حيز اهتمامها، وإعلام يتذكر سيناء كل أبريل، وثقافة فات آوان تدخلها حيث لا مجال للفن ولا الغناء ولا المسرح حين أصبح مجرد البقاء مطلبا.

نزح الأقباط من بيوتهم وحياتهم المستقرة الآمنة ولن يعودوا إلى العريش مرة أخرى، إذ سيستقر بهم الحال ويقطنوا منازل جديدة، ووزارة الصحة وفرت لهم الخدمة الصحية فى الموطن البديل والتعليم والمحافظة وكلها جهود مقدرة، لكنها لا تضمن تكرار ما حدث مع فئات أخرى من سكان العريش، الحل هو توطين قيمة المواطنة والحق فى الاختلاف وإقناع الكبار قبل الصغار بأن التنوع علينا حق، وأن ربنا خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف ونتعايش لا لنذبح بعضنا البعض، وأننا بتنوعنا أقوى وأنفع.

 

التعليقات