إلى أين.. من فيينا؟ - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 6:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إلى أين.. من فيينا؟

نشر فى : الأربعاء 28 أبريل 2021 - 7:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 28 أبريل 2021 - 7:10 م

الإشارات والتسريبات تتواتر عن اختراق كبير فى «مباحثات فيينا» لإعادة إحياء الاتفاق النووى بكامل نصوصه والتزاماته ورفع العقوبات الأمريكية عن إيران.
إذا ما مضت موجة التفاؤل إلى آخرها فسوف نكون أمام انقلابات محتملة فى الإقليم تتجاوز موضوع التفاوض بتعقيداته وألغامه إلى معادلات القوة والنفوذ وحسابات الأطراف المتداخلة فى أزماته المستعصية.
الحسابات المتغيرة سوف تؤثر بعمق فى طبيعة الأزمة السعودية الإيرانية وفرص بناء علاقات أكثر إيجابية على ضفاف الخليج.
بقوة الحقائق الجديدة لن يكون ممكنا التصعيد فى مستوى التوتر بين البلدين إلى الحدود التى سادت العلاقات بينهما فى السنوات الأخيرة، الحرب مستبعدة نهائيا والتهديدات خارج أى نطاق عملى يمكن أن تنزلق إليه الحوادث.
لا السعودية بوارد الخروج عن السرب الأمريكى، ولا إيران مستعدة أن تخاطر بما سوف تحققه من مكاسب اقتصادية واستراتيجية جراء رفع العقوبات.
الأطراف الدولية والإقليمية كلها، بدرجات مختلفة من التنبه، تتأهب لما بعد «مباحثات فيينا».
المباحثات مبشرة، لكنها ملغمة فى نفس الوقت.
ربما لهذا السبب تقرر تسريعها خشية إجهاض ما جرى التوصل إليه بتحرشات عسكرية تفلت حساباتها، أو بضغوط داخلية على صناع القرار.
بصورة أو أخرى، بدا اللاعبان الإيرانى والسعودى متأهبان لفتح صفحة جديدة.
إيران تقول إنها مستعدة لحوار إقليمى مع الخليج، السعودية بالذات، يؤسس للتعاون بديلا عن الصدام، وأن أية أزمات قابلة للحل دون تدخلات خارجية.
والسعودية تعلن، ربما لأول مرة منذ التحلل الأمريكى من الاتفاق النووى على عهد الرئيس السابق «دونالد ترامب»، عدم ممانعتها فى عودته مجددا، مؤكدة على لسان ولى عهدها «محمد بن سلمان» السعى إلى علاقات «طيبة» و«مميزة» مع الجار الإيرانى.
اللهجة المختلفة تعبير عن معادلات جديدة توشك أن تؤكد حقائقها على الأرض، لكنها لا تعنى أن الاحتقانات والاختلافات سوف تختفى بضغطة زر.
أرجح الاحتمالات وقف التصعيد والسعى إلى مقاربات جديدة، غير مباشرة على الأغلب، لحلحلة فجوات الثقة المتراكمة.
خيار الحوار المباشر ظل مطروحا على أجندة العمل الدبلوماسى حتى يناير (2016) حين الغيت مباحثات أوشكت أن تعلن، على خلفية إعدام الداعية الشيعى السعودى الشيخ «نمر باقر النمر» و(46) آخرين.
جرت إدانات حقوقية دولية واسعة وحاصرت تظاهرات احتجاجية مقرات دبلوماسية سعودية فى إيران وتوقفت لغة الدبلوماسية ومشروعات الحوار، حتى عادت أخيرا على وقع إعادة إحياء الاتفاق النووى الإيرانى.
بأية مقاربة ممكنة تطل أزمات جوهرية فى الإقليم تبدأ من سوريا فى المشرق العربى ولا تنتهى باليمن عند الخاصرة الجنوبية للسعودية.
رغم تعقد الأزمة اللبنانية، التى أنهكت ذلك البلد العربى حتى صار وجوده مهددا، إلا أن تخفيف حدة التوتر السعودى الإيرانى يساعد باليقين على تسويتها السياسية وتحسين أحواله الاقتصادية المتردية بالوقت نفسه.
بقوة الحقائق يكاد يستحيل إنهاء المحنة اليمنية المروعة دون توافق إيرانى خليجى على الحل السياسى فى إطار تفاهم واسع لا يقف عند الحدود المباشرة للأزمة.
فى سنوات سابقة ساد اعتقاد أنه من الممكن إجراء مقايضات سياسية بين البلدين، بأن يخفف السعوديون غلواء عداوتهم للنظام السورى مقابل أن يسعى الإيرانيون لدى حلفائهم الحوثيين لوقف عملياتهم العسكرية ضد مواقع سعودية حيوية والذهاب إلى موائد التفاوض وفق المرجعيات الدولية.
استهلكت فرص المقايضة السياسية المفترضة بتراجع الدور السعودى فى سوريا وسحب البساط من تحت أقدامها لصالح أدوار تركية تعاظمت بالوقت.
لم يعد لدى السعودية ما تقايض به فى الملف السورى، لكنها يمكن أن تلعب أدوارا إيجابية فى إعادة دمج سوريا بالعالم العربى والضغط على تركيا، التى تسعى لفتح صفحة جديدة مع مصر أولا والخليج ثانيا، لوقف تدخلها المفرط فى سوريا مقابل زيادة معدلات التعاون الاقتصادى ورفع منسوب الاستثمارات.
بإرث المنازعات المتراكمة لا شىء سوف يحدث فجأة ولا حلحلة بأى ملف إذا لم يكن الإطار العام للتفاهمات مقنعا للرأى العام العربى، وإذا لم تكن مصر، أكبر دولة عربية، طرفا فاعلا ومؤثرا وضامنا لكل ما يجرى التوافق عليه.
العراق يطرح نفسه جسرا للتفاهم الممكن بين الخليج وإيران، ومصر تحتاج أن تأخذ خطوات أكبر فى الاتجاه نفسه، بقدر المبادرة يرتفع وزنها الإقليمى بما يساعدها بأكثر من أى تصور على مواجهة استحقاقات أزمة «سد النهضة» الإثيوبى.
مشروع المصالحة الإقليمية الواسعة يعترضه ملف التطبيع مع إسرائيل.
الحديث مع إيران وتخفيف التوتر مع تركيا مدخلان لازمان لإعادة بناء الإقليم المهدم وإزاحة ركام الأزمات التى أنهكته، لكنه لن يكون ممكنا بأى حال، أو فى أى حساب، دون رد اعتبار واسع للقضية الفلسطينية، التى تمثل رغم كل ما تعرضت له من نكبات وانتكاسات وتراجعات المعيار الذى تقاس عليه السياسات والمواقف والشرعيات.
من المستلفت فى «مباحثات فيينا» وما حولها، تراجع منسوب العامل الإسرائيلى فى صنع القرار الأمريكى بالشرق الأوسط.
إسرائيل حاضرة فى المعادلات الأمريكية الجديدة، فاعلة ومؤثرة، لكنها ليست حاسمة ولا جوهرية فى صنع القرار بشأن المشروع النووى الإيرانى.
إدارة الرئيس الأمريكى «جو بايدن» تمضى فى استراتيجيتها لإعادة بناء أولويات السياسة الأمريكية، بالانسحاب من الشرق الأوسط بأزماته وصراعاته بقدر ما هو ممكن لتركيز بؤرة الاهتمام على شرق آسيا حيث تقع الصين المنافس الأول على صدارة النظام العالمى الجديد فى عالم ما بعد «كورونا».
بصورة أو أخرى سوف تقبل إسرائيل فى نهاية المطاف رغم الطنين الدعائى بإحياء الاتفاق النووى وتطبيع العلاقات الأمريكية الإيرانية، لكنها سوف تسعى للحصول على ثمن سياسى وعسكرى يستهدف بالمقام الأول إنهاء المشروع الصاروخى الإيرانى.
هذا صلب مهمة وفودها المعلنة وغير المعلنة، الأمنية وغير الأمنية، التى تزور واشنطن الآن.
معضلة إسرائيل الماثلة أن صورتها الدولية اهتزت بعنف، لم يعد أحد فى العالم تقريبا مقتنعا بدعاياتها عن ديمقراطيتها وحداثتها.
«تجاوزوا الحدود».. هكذا عنون تقرير أخير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» ما رصده من انتهاكات إسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة وداخل الخط الأخضر نفسه.
أخطر ما فى التقرير الحقوقى الدولى اتهام إسرائيل بجريمة «الفصل العنصرى»، على النحو الذى كان يحدث فى جنوب أفريقيا قبل تحريرها من ربقة «الأبارتهيد»
المأساة ــ هنا ــ أن إسرائيل المنكشفة أمام العالم، الهشة فى بنيتها السياسية حيث يحتمل أن تجرى انتخابات خامسة للكنيست فى غضون شهور قليلة، المتهم رئيس حكومتها «بنيامين نتنياهو» بالفساد والاحتيال والرشى، والمعرضة بعض قياداتها العسكرية الكبيرة للملاحقة أمام الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، يجرى الهرولة إلى أعتابها، كأننا نمد لها أطواق الإنقاذ.
بقدر الانكشاف الاستراتيجى الإسرائيلى، فإنه من المرجح انكسار موجة التطبيع.
باستعارة وصف المنظمة الحقوقية الدولية «تجاوزوا الحدود»، فإننا لسنا ضعفاء إلى هذا الحد وإسرائيل ليست قوية إلى هذا الحد.
هناك فرص حقيقية تطرح نفسها فى ثنايا «مباحثات فيينا» لترميم أوضاع الانهيار فى العالم العربى أخشى أن تفلت مجددا.