بعض الدول لا تريد الخير للسودان - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 1:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بعض الدول لا تريد الخير للسودان

نشر فى : الجمعة 28 أبريل 2023 - 7:55 م | آخر تحديث : الجمعة 28 أبريل 2023 - 7:55 م

هل صحيح أن كل الدول التى تطالب بوقف إطلاق النار فى السودان صادقة فى ذلك، وتريد فعلا الخير للسودان؟!

سؤال يبدو غريبا، وأظن أن كثيرين يعتقدون أن إجابته نعم. لكن الحقيقة ليست كذلك على طول الخط.

أطرح هذا السؤال لأننا ومنذ بداية الاشتباكات المسلحة بين القوات المسلحة السودانية وميليشيا قوات الدعم السريع، رأينا أن مواقف جميع الدول مع وقف إطلاق النار، بل وصل الأمر إلى أن الحكومة الإسرائيلية أعلنت أنها تتواصل مع طرفى الأزمة للوساطة!!!

حينما انفجرت الأزمة سارعت كل الدول ــ خصوصا ذات الصلة بالشأن السودانى ــ إلى إصدار بيانات ونداءات تحض الطرفين على وقف الحرب. والمؤكد أن هناك دولا كثيرة كانت صادقة فى هذه النداءات، لأنه موقفها المبدئى ويتماشى والطبيعة الإنسانية السوية التى ترفض العنف والعدوان والدمار. وغالبية هذه الدول لن تتأثر سلبا أو إيجابا بهذا الصراع لأنها بعيدة عنه تماما وبالتالى فهى تتخذ هذا الموقف الذى لن يكلفها شيئا.

لكن هناك مجموعة من الدول ومنها مصر اتخذت نفس الموقف لأن الصراع يهدد استقرار السودان وبالتالى استقرار مصر. وهذا الموقف الذى اتخذته مصر وبعض بلدان المنطقة هو موقف مبدئى أولا، ويتماشى مع مصالحها القومية ثانيا.

 لكن هناك دولا أخرى أعلنت كلاما عاما طيبا ومطالبات إنسانية رائعة، فى حين أن مواقفها الفعلية على الأرض ليست كذلك، بل إن بعضها ربما كان مشجعا على هذه الحرب، وممولا لها، ومقدما كل أنواع الدعم الذى يجعلها حربا مستعرة ومستمرة ودائمة.

فى هذه الفئة الأخيرة لن أسمى دولا بالاسم لأنها جميعا فى هذه الحالة ستسارع بالنفى، لكن تأمل مواقفها يشير إلى تورطها، وتناقض كلامها العلنى الطيب مع سلوكها السرى الشرير. إحدى دول الجوار للسودان على سبيل المثال لا تتمنى أن يكون هناك استقرار بالمرة فى السودان، إلا إذا كان يوافق هواها ومصالحها الضيقة، وإذا تذكرنا أن بعض دول الجوار شهدت اشتباكات عرقية وإثنية وقتال أهلى وصل ذات يوم إلى تهديد وجود بعض الدول فسوف نفهم وندرك أن هذه الدول سترفع فعليا شعار «لا تعايرنى ولا أعايرك.. الهم طايلنى وطايلك».

بعض الدول أيضا دخلت فى اشتباكات عسكرية مع السودان بسبب صراعات على الحدود وغيرها، وبالتالى فإن انشغال السودان فى صراع عسكرى مسلح، سيكون فى مصلحتها.

وطبعا غنى عن القول أن الصراع الدائر حاليا فى السودان سيكون فى مصلحة إثيوبيا، لأنه سيحد كثيرا من المطالبات السودانية المستمرة بالتوصل إلى اتفاق قانونى وملزم لإدارة وتشغيل سد النهضة، حيث إن أى مشاكل فى هذا السد سيدفع ثمنها السودان أولا ومعه مصر، لأن السد لا يبعد عن الحدود السودانية أكثر من 15 كيلومترا فقط، ونتذكر أن بعد إحدى عمليات الملء لهذا السد شهد السودان فيضانات مدمرة بسبب سوء الحسابات الإثيوبية وعدم تنسيقها مع السودان، ثم إن البلدين دخلا فى حرب حقيقية فى منطقة الفشقة الحدودية قبل حوالى عامين.

هناك دول مثل إسرائيل لا تخفى أن أى انقسامات أو خلافات أو حروب أهلية أو عسكرية داخل أى دولة عربية تصب فى مصلحتها النهائية. ورأينا إسرائيل تساعد بعض القوى المتطرفة التى كانت تقاتل الحكومة السورية فى السنوات الماضية، كما ساعدت كل الحركات والقوى والتنظيمات الانفصالية فى العالم العربى.

هناك دول أخرى فى الإقليم والقارة تراهن على انتصار أحد الطرفين، ظنا أن ذلك سيكون فى مصلحتها، وبالتالى فإنها تلجأ لتزويد هذا الطرف بكل ما يمكنها تقديمه من أجل تعزيز موقفه فى الحرب، وحتى يمكنه الحسم العسكرى فى أقرب وقت.

وهناك قوى دولية كبرى تنحاز لطرف من الأطراف ظنا أنه سيكون فى مصلحتها فى إطار صراع القوى الكبرى. فمثلا لو أن الولايات المتحدة تعتقد فعلا أن هناك تعاونا سابقا وحاليا بين روسيا ممثلة فى قوات فاجنر وقوات الدعم السريع، فسوف تجد واشنطن نفسها فى صف واحد مع البرهان والقوات المسلحة السودانية، والعكس صحيح تماما. والأمر نفسه ينطبق على حسابات العديد من القوى الإقليمية فى إفريقيا والشرق الأوسط، والمثال البارز فى هذا الصدد هو إثيوبيا التى يتردد أنها تساند ميليشيا الدعم السريع نكاية فى الجيش السودانى، رهانا على أن ذلك قد يقود لتقسيم وتفتيت السودان، أو على الأقل جعله منشغلا بأموره الداخلية بدلا من مواجهتها فى الملفات العالقة.

تلك هى الصورة الواقعية بعيدا عن الكلمات والتصريحات والمناشدات الإنسانية المنمقة.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي