طوفان أردوغاني.. أم استجداء دور الوسيط في غزة؟ - مواقع عربية - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 5:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

طوفان أردوغاني.. أم استجداء دور الوسيط في غزة؟

نشر فى : السبت 28 أكتوبر 2023 - 10:10 م | آخر تحديث : السبت 28 أكتوبر 2023 - 10:10 م
نشر موقع 180 مقالا للكاتب جو حمورة، ذكر فيه سبب اتخاذ أردوغان ــ فى بداية الحرب بين حماس وإسرائيل ــ موقفا محايدا. وهل أدى تغيير الموقف التركى ــ يوم الأربعاء الماضى ــ بانتقاد إسرائيل وعدم وصف حماس بأنها منظمة إرهابية إلى استعادة تركيا مكانتها كلاعب إقليمى فعال؟... نعرض من المقال ما يلى:
فى اليوم الثامن عشر للحرب الإسرائيلية على غزة، قرر الرئيس التركى رجب طيب
أردوغان أن ينقلب على موقف الحياد الذى كان اتخذه فى الأيام الأولى من الحرب التى لا مثيل لها فى تاريخ الصراع الفلسطينى ـ الإسرائيلى.
ليس الموقف التركى الرسمى وحده من كان عاديا فى الأيام الأولى لعملية «طوفان الأقصى»، بل رأى الجمهور التركى كذلك. لم تخرج إلا مظاهرات قليلة الحجم والتأثير فى اسطنبول وأنقرة وبعض المدن التركية، ولم تلق دعما إعلاميا ورسميا حتى، وذلك على عكس مجمل ردات الفعل التركية الرسمية والشعبية السابقة عند بروز أحداث مهمة مرتبطة بفلسطين. أما موقف السلطة التركية الرسمى، فأطلقه رجب طيب أردوغان فى اليوم التالى من عملية «طوفان الأقصى»، وبدا فيه كممثل لجمعية حقوقية أو منظمة دولية، لا كرئيس دولة إقليمية كبرى معنية بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطينى ولا سيما إلى جانب تنظيم إخوانى اسمه «حماس». قال الرئيس التركى حينذاك: «ندين الهجوم على المدنيين، ونطالب بوقف إسرائيل لقصف الأراضى الفلسطينية، كما نطالب بوقف تحرش الفلسطينيين بالتجمعات السكنية المدنية فى إسرائيل!».
موقف «بلا طعم أو رائحة أو لون» أتى مخالفا لمسيرة تركيا «الأردوغانية» الداعمة لفلسطين وحركة «حماس»، فيما كان الهدف من هذا الموقف «المحايد» محاولة الاستثمار بالصراع العسكرى الدائر، عبر الفوز بدور سياسى تركى وسيط بين حركة «حماس» وإسرائيل، يؤتى ثماره، بالنهاية، فى الجلوس على طاولة المفاوضات مع باقى اللاعبين الإقليميين والدوليين ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، فتحقق تركيا بذلك اعترافا سياسيا بدورها الفاعل والمهم فى الشرق الأوسط.
عمليا، لم يكتف الرئيس التركى بالبيانات الرسمية، بل قدم نفسه وبلاده كوسيط محتمل لحل القضية الفلسطينية والنزاع العسكرى الأخير، معتبرا أن علاقاته مع الأطراف الفلسطينية يمكنها أن تشكل حافزا لتعزيز الأمن وعودة الاستقرار. أما وزير خارجيته هاكان فيدان، فقد زار عددا من دول الشرق الأوسط، أعلن خلالها أن بلاده طرحت على بعض الدول المعنية بالصراع العسكرى مبادرة دبلوماسية جدية، وهى تنتظر الرد عليها، وجوهرها توفير ضمانة تركيا للأطراف الفلسطينية، فيما تضمن دول أخرى إسرائيل، فيجرى التفاوض بين الدول الضامنة على إعادة الهدوء بين غزة وإسرائيل، والعمل على الإفراج عن الأسرى وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر.
لم يأخذ الجانب الإسرائيلى هذه المبادرة على محمل الجد، ولم يرد عليها بشكل علنى حتى، الأمر الذى دفع أردوغان لزيادة منسوب الانتقاد لإسرائيل، فقال متهما إياها فى 25 أكتوبر الحالى بأنها «تشن أكثر الهجمات وحشية فى التاريخ خلال حربها المستمرة على قطاع غزة» من دون أن ينسى توصيف حركة «حماس» بأنها «ليست منظمة إرهابية بل حركة تحررية ومجموعة مجاهدين تكافح لتحمى وتحرر أرضها وشعبها»، وأعلن عن إلغاء رحلته المقررة إلى إسرائيل، فيما نقلت وكالة «بلومبرج» أن كل مشاريع التعاون الطاقوى بين أنقرة وتل أبيب تم تعليقها.
مع تطور الصراع العسكرى بين حماس وإسرائيل، تطور الموقف التركى كذلك، خاصة وأن خيبة الأمل العربية والانتقادات التركية المحلية تصاعدت بشكل كبير فى نهاية الأسبوع الثانى من عملية طوفان الأقصى. لذا عدل الرئيس التركى من موقفه لكن من دون أن يوصد الأبواب كليا مع تل أبيب، حيث شدد على ضرورة تحييد المدنيين والدعوة إلى السلام، وظل متأملا بقبول تركيا كوسيط سياسى بين حركة حماس وإسرائيل.
أما العطب الأساسى فى المبادرة التركية فليس بضرورة قبول الأطراف المتصارعة المسبقة لها من أجل تنفيذها فقط، إنما محدودية رؤية تركيا وأردوغان للصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى، وعدم وضعه فى إطار التنازع على الأرض والوجود والحقوق الإنسانية والمطالب التاريخية وسلسلة طويلة من الخيبات والمشكلات والدماء المتناثرة منذ العام 1948، حتى يومنا هذا.
إضافة إلى تعقيد هذه المبادرة وربما غرابتها، كما عدم الرد الجدى عليها حتى الآن من أى طرف معنى بشكل مباشر فى الصراع العسكرى، تبقى تلك المبادرة تجسيدا فعليا للدور المحدود الذى تلعبه تركيا فى الصراع بين حركة «حماس» وإسرائيل. هذه المحدودية مردها، كذلك، إلى انخراط أطراف أخرى فى هذا الصراع، وتقدمها فى مجال المقدرة والتأثير على أطرافه، وتحديدا إيران ومصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الكبرى والإقليمية.
ويواجه أردوغان أزمة ثقة مع الشارع الفلسطينى بسبب ما يمكن تسميتها «بهلوانية» مواقف الحكومة التركية، إزاء قضية سياسية هى الأكثر تعقيدا فى تاريخ الصراعات والأزمات العالمية. وكان لافتا للانتباه أن عددا من الوجوه القيادية والإعلامية فى حماس لم تتردد فى الأيام الأولى لـ«طوفان الأقصى» فى توجيه انتقادات علنية لتركيا، عبر القول إنها لا تصلح لدور الوساطة، بسبب الخطوات التى لطالما لوحت باتخاذها ضد قياديين ومؤسسات إعلامية «حمساوية»، فى السنوات الأخيرة، بالتزامن مع التطبيع المتدرج بين تركيا وإسرائيل.
إذا، صورة أردوغان «نصير فلسطين» و«بطل القضية» على المنابر الدولية تعرضت للاهتزاز، تماما كما صورة بلاده كلاعب أساسى فى المنطقة والتى رفضت مبادرتها ولم تؤخذ على محمل الجد فى الأسبوع من «الطوفان». وهذا يعنى أن الزمن الذى كانت فيه تركيا تلعب دورا رائدا فى الشرق الأوسط قد انتهى.
فى الوقت نفسه، لا يعنى ازدياد النفوذ التركى فى البلقان والقوقاز على وقع الحرب الروسية ـ الأوكرانية والأذرية ـ الأرمنية، زيادة فى نفوذ تركيا فى الشرق الأوسط. فيما بدا عدم الاكتراث الإسرائيلى والأمريكى بالمبادرة التركية دليلا إضافيا على تراجع نفوذ تركيا فى الشرق الأوسط بشكل عام.
انتهى الزمن الذى كان أردوغان يلعب فيه دورا مركزيا فى الصراع الفلسطينى ـ الإسرائيلى، بل بات كأى رئيس دولة عادية من دول العالم، معنيا بالقضية الفلسطينية على قدر ما يسمح له بذلك، فهل يريد رئيس تركيا الإقرار بذلك أم يجعل «الطوفان» السياسى الذى أطلقه، أمس، يتدحرج أكثر، فيكون فى طليعة الدول التى تحاول فك الحصار عن غزة عبر تسيير أسطول من البواخر كما فعل سابقا، فتتكرر مشهدية سفينة «مرمرة» فى العام 2010؟

النص الأصلى:

التعليقات