لا تلوموا الصندوق.. بل مَنْ أحوجنا إليه!! - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 5:13 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا تلوموا الصندوق.. بل مَنْ أحوجنا إليه!!

نشر فى : الجمعة 29 يوليه 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : الجمعة 29 يوليه 2016 - 9:30 م
هل صندوق النقد الدولى وبقية مؤسسات التمويل الدولية ملائكة ترفرف بأجنحة لنشر الرخاء والثراء والتنمية فى ربوع العالم، أم أنهم شياطين تحوم كالغربان، وما دخلوا بلدا إلا أفسدوه وجعلوا أعزة أهله إذلة؟!.

الإجابة تتحدد حسب موقف كل شخص وأفكاره وقناعاته وطبقته وحالته الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالى فإنه يصعب إقناع شخص بتغيير قناعاته الثابتة فى هذا الصدد بين يوم وليلة.

أنصار الصندوق يقولون إن اللجوء إليه شر لا مفر منه، خصوصا بالنسبة إلى الاقتصادات المتعثرة التى تواجه تشوهات هيكلية، وتحتاج من يقدم لها وصفة الدواء الـُمرَّة، لكنها الوحيدة القادرة على شفاء المريض، وخصوم الصندوق يقولون إن وصفته لا تؤدى للشفاء إطلاقا؛ لأن بها سُمًا قاتلا، يفتك خصوصا بالفقراء والمساكين ومحدودى الدخل، وتزيد من ثراء الأغنياء.

لكن المؤكد أن الصندوق لا يضرب دولة على يدها أو يجبرها على قبول وصفته الطبية للعلاج، بل إن البلد المتعثر هو الذى يذهب إلى الصندوق أو الطبيب بحثا عن العلاج.

نتذكر جميعا أن الصندوق عرض على مصر أن يقرضها ما تشاء بعد قيام ثورة يناير عام ٢٠١١ مباشرة، ولم تكن مصر وقتها تعانى اختلالات فادحة آنية، وكان لا يزال لديها الاحتياطى النقدى الكبير وهو ٣٦ مليار دولار. وقتها رفض المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم فى ذلك الوقت، فكرة الاقتراض، باعتبار أن القرض سوف يكون عبئا على الأجيال القادمة، وهو الأمر الذى أيده كثيرون وقتها، وكنت واحدا منهم.

لا أحب ادعاء الحكمة بأثر رجعى، لكن ــ وبالنظر إلى وضعنا الراهن ــ أقول يا ليتنا قبلنا هذا الأمر وقتها، وسرنا على طريق الإصلاح. ربما ما كنا قد وصلنا إلى هذه المأساة التى تتفاقم الآن يوما بعد يوم.

أغلب الظن أن المشير طنطاوى اتخذ قراره وقتها بنواياه الطيبة ظنا أن الأمور ستسير فى طريقها السليم، ولم يكن هو أو غيره يعلم أن الأمور ستتدهور إلى هذه الدرجة الكارثية. بعض ملامح هذه الكارثة ــ التى لا يشعر بها غالبية الناس ــ تقول إن الدين العام الداخلى قفز إلى حوالى مائة فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى، برقم يصل إلى حوالى ٢.٥ تريليون جنيه، وديون خارجية نحو 35 مليار دولار، واحتياطى نقدى أقل من ٢٠ مليار دولار، ومعظمه ودائع لبلدان خليجية، وانهيار كامل للجنيه المصرى جعله يهبط من حوالى سبعة جنيهات ونصف إلى ١٣ جنيها أمام الدولار، بسبب غياب الاستثمارات الأجنبية وقلة الصادرات وزيادة الواردات وانهيار شبه كامل للسياحة بسبب الإرهاب، وفوق هذا وذاك عجز خطير فى الموازنة العامة للدولة مقداره حوالى ٣٢٥ مليار جنيه.

هذه هى الصورة.. وتلك هى المؤشرات الأساسية للاقتصاد المصرى التى تجعل الاسعار تقفز إلى معدلات غير مسبوقة ونسب التضخم تتزايد ومعها معدلات البطالة.

المجرم الحقيقى الذى أوصلنا إلى هذا الأمر ليس هو المجلس الأعلى للقوات المسلحة الأول ولا الثانى، وليس جماعة الإخوان، وليس الرئيس عبدالفتاح السيسى وحكومته.. كل هؤلاء يتحملون مسئولية بنسب محدودة، لكن المجرم الحقيقى هو حسنى مبارك وحكوماته المتتالية. هذه الحكومات، لو أنها عالجت تشوهات الاقتصاد خصوصا موضوع دعم الطاقة وتعاملت معه بحد أدنى من الحكمة والرشادة، ورفعت الدعم عن المواد البترولية خمسين قرشا كل عام فقط او حتى اقل، ما وصلنا إلى هذه المرحلة الخطيرة.

نظام مبارك أبدع ديكورا اقتصاديا جيدا، لكنه دمر جوهر الاقتصاد الإنتاجى، وأورث لمن جاء بعده تركة ثقيلة تحتاج سنوات لعلاجها. كان لدينا نمو وهمى واقتصاد وهمى ودولة وهمية وحزب حاكم وهمى انهار فى لحظات، وسقطت الدولة بأكملها ثمرة ناضجة فى حجر الإرهابيين والمتطرفين.

لا تلوموا صندوق النقد أو غيره من مؤسسات التمويل الدولية.. لوموا من أوصلنا إلى هذه الحال، وجعلنا نذهب إلى الصندوق.
عماد الدين حسين  كاتب صحفي