الحرب التجارية والتمهيد للنظام العالمى الجديد - محمد الهوارى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحرب التجارية والتمهيد للنظام العالمى الجديد

نشر فى : الخميس 29 أغسطس 2019 - 9:45 م | آخر تحديث : الخميس 29 أغسطس 2019 - 9:45 م

منذ مجىء الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للحكم تصاعدت وتيرة الصدمات الجيوسياسية والاقتصادية للولايات المتحدة مع عدد من الدول الحليفة قبل المنافسة، قد يكون أهم هذه المعارك بل والمحرك الرئيسى لأجندة ترامب هو ما عرف بالنزاع التجارى مع الصين، والحقيقة أن تسمية «النزاع التجارى» لا تعطى النزاع حجمه الحقيقى؛ حيث إن هذا الخلاف لا يقرب له فى الحجم والقوة وما نتوقعه كفترة زمنية سوى الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتى والتى يعى عليها أبناء جيلى كمحرك أساسى للتطورات الجيوسياسية العالمية.
ترشح الرئيس ترامب للانتخابات الرئاسية على خلفية محافظة وتصادمية تتوعد بإعادة أمريكا لمكانتها أيا كان الثمن، حتى لو كان تخلى الولايات المتحدة عن مبادئ نشأت عليها ودافعت عنها لعقود، إذن فلا نحتاج لنظرية مؤامرة أو الكثير من التحليلات لنستنتج أن ترامب تم انتخابه بهدف خلق صراعات يرى الكثيرون من الناخبين والممولين للانتخابات الأمريكية أن أمريكا تحتاجها حاليا، أهم هذه الصراعات هو صراع تثبيت أمريكا كمتسيد وقطب أوحد للعالم فى مواجهة العملاق الصينى المقبل بقوة منذ نحو ٣٠ عاما، هذا الصراع الذى جعل العالم اليوم يشبه رقعة الشطرنج شديدة التعقيد؛ حيث تتواجه الولايات المتحدة والصين بطريقة مباشرة وغير مباشرة على عدة أصعدة.
منذ أكثر من ٣٠ عاما بدأت الصين فى ثورة صناعية واقتصادية كبرى جعلتها تصبح إحدى القوى العظمى المحركة للاقتصاد العالمى وكانت السبب الرئيسى فى ارتفاع أسعار السلع والخامات الرئيسية فى مطلع هذا القرن؛ حيث شكّلت زيادة الطلب الصينى عامل ضغط قويا رفع أسعار أغلب السلع الرئيسية لمستويات لم يرها العالم منذ عقود وفى بعض الأحيان تسببت فى رفع أسعار بعض السلع لأعلى أسعارها فى التاريخ، مثال على ذلك البترول الذى ارتفع ذات يوم إلى مستوى الـ ١٥٠ دولارا، وهو أعلى سعر لبرميل النفط منذ اكتشافه، تنبهت الولايات المتحدة لهذا التهديد المقبل من الشرق وقررت أن اللحظة حانت للمواجهة، التى تهدف لتعطيل التطور الصينى المقبل بسرعة صاروخية فبدأت ما يسمى بالحرب التجارية والتى تهدف إلى:
١ــ تقليل فارق الميزان التجارى الذى يميل بشدة لصالح الصين، عبر زيادة صادرات الولايات المتحدة للصين وتقليل وارداتها منها.
٢ــ القضاء أو التقليل من جرائم سرقة الملكية الفكرية والجاسوسية الصناعية، والتى ترى أمريكا أنها السبب الرئيسى فى التقدم الصينى الذى يسرق، ثم يبدأ البناء من حيث، انتهى الأمريكان مع قدرات صناعية قوية ورخيصة.
٣ــ من الأهداف غير المعلنة لهذا النزاع هو إعادة الصدارة لأمريكا فى سباق الاتصالات؛ حيث أصبحت الصين عن طريق شركة هواوى رائدة لتكنولوجيا «٥ج» والتى سينتج عنها قفزة تكنولوجية عالمية قد تكون الأكبر تأثيرا منذ اختراع الإنترنت.
٤ــ وقف الدعم الحكومى للشركات الصينية الكبرى المدعومة من الدولة بطريق رسمى وغير رسمى،
صعوبة هذه المطالب أنها تأتى رغم التزام الصين بقواعد منظمة التجارة العالمية التى وضعتها أمريكا وحلفاؤها، وتبدو الصين وكأنها وجدت طرقا لتخطيها تارة بالعمل الجاد وتارة بالتحايل، ووصل الإحباط الأمريكى إلى مرحلة التهديد بالانسحاب من منظمة التجارة العالمية واتفاقياتها التى قادتها أمريكا نفسها لإرساء قواعد العولمة.
بعيدا عن هذه المواجهة المباشرة تتعقد الصورة أكثر بعدد من المواجهات غير المباشرة فى آسيا والعالم، من ناحية تبدو الصين أنها تستعمل كوريا الشمالية كأداة لتهديد السلام العالمى وخاصة جارتها الجنوبية الحليفة الكبرى للولايات المتحدة. فى نفس الوقت تضغط أمريكا على الصين فى هونج كونج عن طريق دعم الثورة هناك بالتعاون مع حلفائها الإنجليز وهى مواجهة فى الفناء الخلفى للصين. أيضا انتهزت الصين فرصة صدام ترامب مع الأوروپيين وتحاول ملئ الفراغ الذى قد يسببه غياب أو تقليل حجم التبادل المالى والتجارى بين الحليفين التقليديين. وأخيرا اضطرت الولايات المتحدة أخيرا لعمل تغيير كامل فى سياسة التعاون الخارجى والمعونات الخاصة بها والمطبقة منذ عقود لمواجهة مطامع الصين التوسعية المتمثلة فى مشروع أو مبادرة الحزام والطريق Belt and Road والتى وصلت حتى لإيطاليا وتبدو وكأنها تشق طريق نفوذ صينى يحوط العالم وخاصة قارة إفريقيا التى هى فى أمس الحاجة للمعونات والتمويل.
بدون الدخول فى تفاصيل المواجهات التى يطول الكلام فيها وشرحها، ما يهمنا هنا شقان:
١ــ الصينيون حاليا يبدوأن وكأنهم غير مستعدين لعمل تنازلات قبل الانتخابات الأمريكية فى نهاية ٢٠٢٠ والرئيس الأمريكى أمامه خياران، إما التراجع وقبول تنازلات صينية سطحية لدخول الانتخابات بمكتسبات تجمل حملته أو التماسك على أمل مواصلة المواجهة فى الفترة الرئاسية الثانية إذا فاز. على كل حال توقعى هو أن هذا النزاع حتى وإن بدأ بالرئيس ترامب فلن ينتهى معه. المخاوف التى قام عليها هذا النزاع هى مخاوف يتوافق عليها حاليا الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء. فى نفس الوقت أحفاد صان تزو بطبيعتهم يخططون لأجيال قادمة ولمواجهات طويلة. هى بالتأكيد مواجهة سيعيش معها العالم لعدة عقود قادمة.
٢ــ هذه المواجهة ستشكل أحداث عالم متعدد الأقطاب حتى يبرز فيها قطبان جديدان واضحان أحدهما سيكون فى أفول والآخر فى بروز، راى داليو رئيس أكبر صندوق تحوط فى العالم يرى أن الصين هى الإمبراطورية القادمة، وأن الإمبراطورية الأمريكية فى أفول. لا يعنى ذلك أن التغيير سيكون سريعا أو أنه سيكون فى حياتنا وحتى حياة أبنائنا ولكنه مقتنع أن الصين فى منحنى تصاعدى حتى وإن كان هناك عقبات لسنوات وأن أمريكا أنهت أوج تألقها وأنها ستفقد مكانتها على مدى عقود. وحتى وإن كان مخطئا فنحن بالتأكيد نحن بصدد مرحلة خطيرة يتوجب على عالمنا العربى الاستعداد لها والتعامل مع تموجاتها التى ستكون قاسية فى أحيان كثيرة بحرفة ورؤية واضحة.
منذ انتهاء حقبة الاتحاد السوفيتى وبدء حقبة القطب الأوحد انتهت فترة الولائات وأصبح الولاء لمصلحة البلاد أوضح وأقوى عن ذى قبل وبالتالى فإن البلاد التى تكون لها رؤية واضحة لمستقبلها ستكون فى موقف أقوى للتعامل مع هذه المتغيرات بل والاستفادة منها.

محمد الهوارى مدير صناديق استثمار دولية
التعليقات