قبل عصر السوشال ميديا كانت وسائل الترفيه لدينا محدودة نسبيا وكان من ضمنها قراءة المجلات، مثل مجلة أكتوبر. وكان فى مجلة أكتوبر باب يكتبه الأستاذ ضياء الدين بيبرس بعنوان المقال أعلاه. وكان فيه القراء يرسلون مشاكلهم ثم يختمونها بسؤال «عزيزى بابا ضياء، ماذا تفعل لو كنت مكانى؟». وفى هذا المقال أتخيل أن الحكومة تسألنى السؤال نفسه فى الشأن الاقتصادى وأقوم بدورى بمحاولة تقديم إجابة. 
بداية أرجع لمقالى فى شهر فبراير والذى توقعت فيه عدم تحقق نبوءات انهيار الجنيه المصرى بل بالعكس هناك فرصة بأن ينهى الجنيه خلال العامين الجارى والقادم فى مستوى أفضل بكثير من الأعوام السابقة. وبالفعل ورغم صعوبة الشهور السبعة الأولى من هذا العام عالميًا فمازال الجنيه مقابل الدولار اليوم فى وضع جيد مقارنة ببداية العام. وبالرغم من أن العالم أخذ منحنيات تبعد أحيانًا قليلاً أو كثيرًا عن توقعاتى فالأصل فى توقعاتى كان الوضع الاقتصادى الداخلى وبالتالى فنبوءاتى للعملة المحلية لم تتأثر كثيرًا بالأوضاع العالمية بالرغم من زئبقيتها التى باتت تأثيراتها مؤقتة. هو إثبات جديد لوجهة نظرى أن تحليلاتنا كصندوق عالمى ذى خبرات محلية فى مصر وبعض بلاد الشرق الأوسط تبقى أفضل من التوقعات المؤسسية صاحبة الخبرات الأحادية سواء عالمية أو محلية. 
يبدو الاقتصاد المصرى اليوم وكأنه فى برزخ ينتظر الخروج لمكان استقرار، حتى ولو كان مؤقتا. فالأسعار قفزت لتضاهى الأسعار العالمية تقريبا بينما الأجور والمرتبات ما زالت أقل من المستوى المقبول لتواكب هذه الأسعار. نقول دائمًا إن الدورة المطلوبة لتصل الدخول لمواكبة الأسعار تأخذ من عامين إلى ثلاثة بعد قرار التعويم لتصل لمرحلة استقرار مقبولة. وبعد مرور عام ونصف تقريبًا من قرار التعويم الأهم فى مارس ٢٠٢٤، ماذا يبقى لتصل الدخول للمستوى المقبول لمواكبة الأسعار خاصة أن الفجوة ما زالت أكبر من المفترض فى هذه المرحلة؟
فى تقديرى أن مستوى الدخل لن يصل لمرحلة الاستقرار المطلوبة حتى تزيد سيولة العملة الصعبة وبالأخص الدولار فى السوق. فالسيولة مازالت «مخنوقة» واشتراطات التحصل على العملة لم تصل بعد للمستوى المطلوب لانطلاق السوق. على عكس التعويم الأول فى نوفمبر ٢٠١٦ حيث جرت السيولة فى السوق بشكل أسرع. والفارق هنا سببه نقطتين هامتين:
أولاً: إن مصر لم تتعدَ بعد حائط المديونيات الذى تحدثنا عنه فى مقال فبراير Debt Maturity Wall وهى الفترة الصعبة فى سداد المديونيات الخارجية. وبالرغم من أننا اقتربنا من المرور منها ولكننا ما زلنا نعانى من جدول سداد قاسٍ. 
ثانيًا: إن عكس أواخر ٢٠١٦ حيث كانت اكتشافات الغاز تسير على قدم وساق وجعلتنا أصحاب قرارنا فى سوق الطاقة فالفترة الحالية للأسف نعانى من شح فى الطاقة مما يجعل قدرتنا على اتخاذ القرار تعانى من عبء ليس بقليل. 
والحل فى تقديرى هو باتخاذ قرارات جراحية للاقتصاد سيكون تأثيرها صعبا على المدى القصير ولكنه سيجعل الاقتصاد يجرى بسرعة فى خلال شهور معدودة فى تقديرى مما سيؤثر إيجابيًا على مستوى الدخول. 
بالنسبة للمستثمر الأجنبى مثل صناديقنا فنحن نحسب مخاطر العملة اليوم فى حدود ١٠٪ تقريبًا. وبالتالى فالعائد الذى نتوقعه على استثمارات الجنيه بحسبة بسيطة يجب أن يغطى التضخم وهو حاليًا حوالى ١٥٪ حسب الأرقام الرسمية ثم قيمة مخاطر العملة حوالى ١٠٪ أى أن العائد المتوقع يجب أن يكون حوالى ٢٥٪. وتختلف الحسبة من صندوق إلى الآخر وطبقًا للظروف العالمية وقتها ولكنى أقدم هنا حسبة تشبه الرسم الكروكى. 
وبينما أتفهم تخوف الحكومة من أى تغيير فى سعر العملة لأنه سيتسبب فى زيادة الأسعار ولكن إذا نزلت الحكومة لمستوى المواطن فستجد أن الكثير من السلع أصبح بالفعل خارج متناول المواطن، بداية من العقار وحتى الدواء. وبالتالى فحالة الاحتقان موجودة بالفعل. والعلاج ليس فى استمرار الحال من تحكم فى سعر العملة على أمل أن يحدث الله فى الأمر جديدا ولكن المشكلة تحتاج لحل شجاع يحرك الأسواق بما يكفى لارتفاع الأجور وهذا لن يحدث إلا بزيادة السيولة الدولارية فى السوق وخفض سعر الفائدة وهذا بدوره لن يحدث إلا بتحريك الدولار لسعره العادل بزيادة حوالى ١٠٪ عن سعره الحالى.
فى تقديرى أن حزمة قرارات شجاعة تحرر سعر العملة مع تخفيض فى سعر الفائدة بين ٦٪ و١٠٪ مع مجموعة قرارات تزيد من السيولة الدولارية فى السوق من شأنها أن تؤثر إيجابيًا من عدة نواحٍ:
أولاً: انخفاض أسعار الكثير من السلع التى ما زالت أسعارها تحتوى على علاوة لتدبير العملة الصعبة للسلعة النهائية أو مدخلاتها. 
ثانيًا: تحريك عجلة السوق بما يكفى لزيادة الدخول والمرتبات خاصة من جانب القطاع الخاص المطحون. 
ثالثًا: انخفاض العبء التمويلى على ميزانية الدولة والشركات والأفراد بسبب خفض معدل الفائدة على الجنيه. 
رابعًا: جذب أكثر للمستثمر الأجنبى خاصة صاحب الاستثمارات طويلة الأمد.
خامسًا: إنعاش الصادرات وتحويلات المصريين بالخارج. 
سادسًا: فى تقديرى أنه سينتج عن العوامل الخمسة أعلاه انخفاض أسرع لسعر الدولار أمام الجنيه على المدى المتوسط بالرغم من الارتفاع المؤقت لسعره وقت اتخاذ حزمة القرارات المقترحة.