«طوفان» يبحث عن إجابات - سمير العيطة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«طوفان» يبحث عن إجابات

نشر فى : الأحد 29 أكتوبر 2023 - 10:10 م | آخر تحديث : الأحد 29 أكتوبر 2023 - 10:10 م
ثمّ ماذا؟! وكيف ستنتهى هذه الجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين ليس فقط فى غزة بل أيضا فى الضفة؟! وكيف سيعاد ترتيب المنطقة بعد الحرب؟
• • •
تم تدمير نصف مساكن غزة بشكل ممنهج. وهذه سياسة صهيونية معتمَدة ومستمرة منذ نكبة 1948 كى يغدو بقاء الشعب الفلسطينى على أرضه مستحيلا. هذا فى حين أنه لا معنى لهذا التدمير من الناحية العسكرية، إذ حوّل غزة إلى نوع من ستالينجراد. الأمر بالتالى هو تحضير للحل الذى يسعى إليه القادة الإسرائيليون لحربهم الانتقامية: تهجير الفلسطينيين إلى بلدان أخرى أو إعادة احتلال القطاع أو ربما وضعه تحت وصاية دولة خارجية يوافق عليها الإسرائيليون وتحويل الفلسطينيين من جديد إلى لاجئين فى خيم على أرضهم.
كانت غزة تحت الوصاية المصرية لمدة عشرين سنة قبل نكسة 1967 واستقبلت كثيرا من اللاجئين الفلسطينيين من أراضى 1948. لقد ارتوت أرضها بدم الجنود المصريين دفاعا عنها وعن أرضهم. ثم احتلتها إسرائيل وأنشأت مستوطنات فيها. إلا أن أول انتفاضة (سلمية) ضد الاحتلال قد انطلقت بالتحديد منها عام 1987 قبل أن تمتد للضفة الغربية. وآل الأمر إلى وضع غزة تحت إدارة منظمة التحرير بعد اتفاقيات أوسلو سنة 1993، وبحيث تعمل إسرائيل على دعم تنظيم حماس ضد السلطة الفلسطينية بهدف شرذمة القيادة السياسية للمقاومة. لكن انتفاضة ثانية (سلمية أيضا) انطلقت مجددا سنة 2000، وما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلى يومها أرييل شارون إلى العمل على انسحاب عسكرى ولتفكيك المستوطنات الصهيونية من غزة سنة 2005 وفى المقابل إنشاء جدار الفصل العنصرى فى الضفة والجدار الذى انهار مؤخرا بين غزة وإسرائيل. ومنذ ذلك الحين، بقيت غزة سجنا كبيرا مكتظا بسكانه.
فماذا الذى ستفعله مصر إذا ما تمّ دفع فلسطينيى غزة نحو سيناء بالقوة أو بالتجويع؟ وهل يجب انتظار تلك اللحظة كى تأخذ مصر موقفا أكثر حزما؟ وكيف سيُمكن لفلسطينيى الضفة الغربية العيش إلى جانب المستوطنين الإسرائيليين بعد ذلك، ليس فقط من جرّاء الغضب والاحتقان، بل أيضا لأن إسرائيل ستقطع عنهم أحد سبل العيش الأساسية، المهينة بحقّهم أصلا، وهى العمل لصالح الإسرائيليين ولبناء المستعمرات؟!
• • •
الحل الإسرائيلى الثانى ليس أقل صعوبة، والمتمثل فى إعادة الاحتلال أو فرض وصاية دولة ثالثة، حتى لو بدت الدولة التى سيتمّ اختيارها وصية أكثر قربا فى الظاهر من الشعب الفلسطينى. إذ سيبقى الوضع احتلالا ووصاية وفى مقابله ستنشأ فى النهاية... مقاومة.
لقد فجرت عملية «طوفان الأقصى» الاستعصاء الفلسطينى المستمر منذ عقود. لقد عادت الولايات المتحدة، ومن ورائها أوروبا، مقابل حشد تحيزها الكامل لإسرائيل، لتتحدث اليوم عن حل الدولتين. حلّ تناسته لعقود، بل عملت على جعله مستحيلا، عبر اعترافها بضم القدس الشرقية إلى إسرائيل، وعدم إدانة الاستيطان، وحتى مقاطعة بضائع المستوطنات غير الشرعية اعتبرتها بمثابة جرائم. خطاب حل الدولتين لا يُقنِع الكثيرين اليوم، حتى ضمن شعوب الغرب. لأنه لو كان حقيقيا لرافقته مطالبة بتفكيك مستوطنات الضفة الغربية التى تقضِم يوما بعد يوم أراضى ما يُمكِن أن يؤسس لدولة فلسطينية. فكيف سيكون للولايات المتحدة وأوروبا أية مصداقية لرعاية تفاوض بعد الحرب يأخذ إلى حل الدولتين؟ وليس فقط من منظور الشعوب العربية بل أيضا لدى يهود الولايات المتحدة وأوروبا حيث وقف كثير منهم، وبشجاعة، للقول إن ما ترتكبه إسرائيل فى غزة «ليس باسمهم».
كما أن القضية أكبر بكثير مما يتم الحديث عنه أن هدف «طوفان الأقصى» كان تعطيل التطبيع بين من بقى من الدول الخليجية وإسرائيل. فما الذى سيجنيه الشعب الفلسطينى إذا ما استمر التطبيع بصيغته الحالية غير المعلنة لفترة أطول؟ اللهم إلا إذا كانت «صفقة القرن» تتطلب حقّا تصفية القضية الفلسطينية.
• • •
المنطقة برمّتها على المحك، وخاصة بلاد الشام والرافدين. هكذا ظهر الوعيد والتهديد بتدمير لبنان وتم حشد الأساطيل لذلك إذا ما انخرط حزب الله فى الحرب القائمة. إن هذا التنظيم السياسى ــ العسكرى يعلم جيدا أنه سيكون المستهدَف التالى إذا ما قامت إسرائيل بما تريد القيام به فى غزة.
وتعرضت سوريا للتهديد صراحة حيث تم قصف مطاراتها المدنية مرارا دون أن يجلب ذلك أى استنكار عربى. وهنا يبرز التساؤل فى سورية المقسمة حول مواقف أطراف هذا التقسيم والمشاعر الشعبية السورية المنقسمة أيضا، رغم تضامن الجميع ظاهريا مع الفلسطينيات والفلسطينيين فى غزة. موقف السلطة السورية التى تستمر فى قصفها للشمال الغربى مع انشغال العالم كله بغزة، وموقف الفصائل التى تتحكم بالشمال الغربى. ويبقى الموقف الأصعب هو لقوات سوريا الديموقراطية المتحالفة مع الولايات المتحدة. السؤال الكبير هنا كيف ستكون مواقف هذه الأطراف الثلاثة إذا ما توسعت الحرب كى تصبح إقليمية وتم استهداف سوريا إسرائيليا بما فى ذلك عبر توغل برى؟ أليس زمن نصرة فلسطين هو زمن الموقف الشجاع لمصالحة وطنية كبرى فى سورية تُنهى مآسى الحرب الأهلية؟ دون الحاجة إلى «المجتمع الدولى» الذى اتضح بجلاء رياء قواه الكبرى أو إلى الأمم المتحدة التى بالرغم من مواقفها النبيلة عجزت عن تطبيق قراراتها الخاصة بفلسطين وبالصراع العربى ــ الإسرائيلى، كما بسوريا.
وماذا عن بقية الدول العربية؟ أسقف تحركها أمام الجرائم الصهيونية هو المطالبة بفتح معابر الإغاثة أو التوسط فى ملف الأسرى؟ هل ذلك السقف قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بوقف إطلاق نار؟ أم تصريحات دون أثر فعلىّ لها حول إدانة الجرائم ورفض تهجير الفلسطينيين من غزة؟
• • •
هناك مآخذ كثيرة على تنظيم الإخوان المسلمين وعلى حركة حماس المنبثقة تاريخيا عنها، إلا أن المآخذ على بنيامين نتنياهو والمتطرفين الصهاينة أكبر بكثير. وتبقى إسرائيل بالنتيجة والتعريف دولة احتلال وتمييز عنصرى.
واللافت أن «الغرب» دعم تنظيمات الإسلام السياسى المقاتلة لضرب المد العربى عندما كان فاعلا وأيضا لمحاربة الاتحاد السوفيتى. لكن تلك التنظيمات ارتدت ضد «الغرب» فى أحداث 11 سبتمبر ثمّ فى العراق وأفغانستان وانتهاء بـ«داعش». لكنّ ذلك «الغرب» نفسه قام بدفع الإسلام السياسى من جديد عبر إرسال «متطرّفى» الدنيا إلى سوريا كى يتحول نضال أبنائها ضد الاستبداد إلى حرب طائفيّة مقيتة.
إن القضية فى غزة وفلسطين والمنطقة أبعد بكثير من الحكم على تنظيم معين. إذ ليس للشعب الفلسطينى من خيار سوى المقاومة فى ظل تمادى الاحتلال واتساع الاضطهاد وفشل كلّ سبل الاحتجاج السلمى.
هناك اليوم لحظة مفصلية فى تاريخ الدول والشعوب العربية. ذلك بقدر ما يُعلن نتنياهو أنها لحظة مفصلية فى تاريخ إسرائيل. وغزة وصمود أهلها وتضحياتهم هى ما يبقى اليوم من عروبة... وحتى من مختلف الوطنيات المحلية.
سمير العيطة رئيس التحرير السابق للوموند ديبلوماتيك النشرة العربية ــ ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب
التعليقات